💼 الإعتراف لذوي الفضل 💼

الاعتراف لذوي الفضل

معايير التفاضل بين الناس لا تستند على أسس متينة و منطقية ، فقد نرفع من شأن الوضيع ، و نحط من شأن الرفيع ، و بذلك لا ننزل الناس أنسب منازلهم على قدر عطائهم ، و لعل أبسط مثال على ذلك أنك تجد شخصا على قدر من الوعي و المعرفة يعرف تمام المعرفة لاعبين مشهورين ، و ينزلهم في نفسه منزلة عالية ملؤها الإعجاب و التقدير ، و لو شاءت الأقدار أن يلتقي بأحدهم لرأيته يتملق و يزدلف و يسعى لنيل الود منهم ، في حين أن تلك المنزلة قد يستحقها عالم اخترع ما ينفع البشرية ، فلولا العالم الذي اخترع الكهرباء مثلا  و العالم الذي اخترع اللاسلكي و الآخر الذي اخترع التلفاز وووو لما تمكنت من التفرج و الاستمتاع باللعب ، و لولا ذلك الطبيب الذي اكتشف دواءا ينقذ الملايين من البشر ، لكنت ترزح تحت وطأة الأمراض الفتاكة ، فأي هؤلاء أحق بالإعجاب و التقدير ، أذاك الذي موهبته محدودة النفع على نفسه ، أم هذا الذي ضحى بوقته و ماله و راحته من أجل أن يسعد البشرية قاطبة في كل أنحاء الأرض ، فالعدل كل العدل أن أمثال هؤلاء هم أحق بالذكر و الشكر و الإعجاب على مر العصور و الدهور ، و أقل ما يمكن أن نقدمه لأرواحهم و تضحياتهم هو تعريف الأجيال بهم و بإنجازاتهم .

          تأملات الكاتب   :   زايد وهنا

🍁التطاول و التعالم🍁



                   التطاول و التعالم

   كثيرا ما تجالس شخصا ، تجاذبه أطراف الحديث ، فيحدثك حديث الخبير الملم الموسوعي عن كل موضوع أو مجال من مجالات الحياة ، فهو الطبيب المحنك و المهندس البارع و الميكانيكي المتمرس و الأستاذ الحكيم و السائق الماهر و المحلل السياسي المتضلع و الفقيه المفتي ، و الفنان الموهوب ، باختصار شديد ليس هناك مجال إلا و له به دراية كاملة ، و رغم أنك تراه يخبط خبط عشواء في أمور كثيرة إن لم نقل كلها ، لا تستطيع انتقاذه إما محاباة أو مجاملة أو تحت أي ظرف يمنعك من ذلك ، فلا تستطيب لجلوسك راحة ، و الغريب في الأمر لو سألته القليل عن الشيء ما ارتحت منه إلى جواب ، و لا أدل على ذلك من أن أحد هؤلاء يوما ، أطلق العنان في انتقاذ بعض الفقهاء ممن امتلئت المكتبات بمؤلفاتهم و لما سألناه عن بعض الأمور البسيطة في الدين ، فغر فاه و لم يعرف جوابا ، و هو الأمر نفسه مع أحد المتطاولين  المتعالمين إذ به يتحدث عن الأدب و الشعر و الأذواق و هو لا يحفظ بيتا شعريا واحدا ، هذا ناهيك عن الأخطاء النحوية التي يرتكبها و ركاكة تعبيره التي تثير الضجر .
نعم ، المفروض على الإنسان في هذه الحياة أن يأخذ و يعرف من كل فن طرف ، و هذا يقصد به بعض المبادئ الأولية و بعض المعارف الأساسية التي قد تستفيد منها في كثير من المواقف ، أما الغوص في ثناياها و أعماقها فهذا لأهل الاختصاص ، فأنت مثلا تعرف كيف تقدم بعض الإسعافات الأولية ، و لكن أكثر من ذلك هو من اختصاص الطبيب ، فكل انسان ميسر لما خلق له ، حاول أن تتقن و تتفنن و تغوص و تبدع في اختصاصك لأنه عملك و وظيفتك ، و حاول أن تعرف القدر الذي يفيدك من باقي الفنون و المجالات الأخرى ، أما أن تدعي معرفة أسرار كل شيء  ، فهذا صعب و عسير للغاية ، قد تساعدك الظروف فتلم إلماما كبيرا بموهبتين علميتين أو ثلاث ، و لكن أكثر من ذلك لا أظن ، و لو تصفحت التاريخ لوجدت أن السواد الأعظم من الأدباء و العلماء و المفكرون قد نبغوا في مجال واحد ، و قليل منهم من جمع بين مجالين أو ثلاث ، و صدق الشاعر حين قال :
  و قل لمن يدعي في العلم فلسفة
                     حفظت شيئا و غابت عنك أشياء
قل : ربي زدني علما ، و معرفة الأشياء خير من جهلها ، و ليس المطلوب منك أن تكون ملما بجميع العلوم ، و لكن العيب ألا تكون ملما باختصاصك الذي تمارسه بنسبة كبيرة ، فإن أتقنت ما أنت مؤهل له ، فما زدته من سواه فهو فضل من الله .

        تأملات الكاتب   :   زايد وهنا