◼منطقة كير ( guir ) عبر التاريخ◼
لا يمكن أن نؤرخ لمنطقة كير إلا من خلال ما وصلنا عبر الرواة ، و حيث أن المنطقة لم تعرف تأريخا بالمعنى العلمي الدقيق ، فإن أي إهمال
أو خطإ فهو غير مقصود ، و لسنا مسؤولينا عنه ، إذ الدافع هو معرفة بعضا من تاريخ المنطقة دون حيف أو تحيز، و إنما ننقل بأمانة و حسن نية ما سمعناه عن سلفنا و ننقله نقلا صريحا ، لا نزيد فيه و لا ننقص .
تمتد منطقة واحات كير في شمالها الغربي إلى مرتفعات الأطلس الكبير شمال كرامة ، و هذه المرتفعات هي المنبع الرئيسي لواد كير و يضم حوض هذا الواد كل من واحة كرامة ، تولال ، ملاحة، باكنو، إيرارة، الكرعان، قدوسة، تازوكارت، بوذنيب الكبير، أولاد علي، بني وزيم و السهلي ،
و ينساب إلى حدود بوعنان حيث يلتقي واد كير بواد (أيت عيسى) و واد (زلمو) فيشتركان في واد واحد كبير هو واد (الداورة ). و هكذا تكون نهاية واد كير هي نقطة التقائه بهذا الواد ، و قد أطلق القدامى على هذا الجزء الأخير منه ( كير ذوي منيع )، و الراجح أن هذا الاسم أطلق على ذلك الجزء لأن قبائل البدو الرحال من عشائر ذوي منيع كانت تستوطنه ، إذ وجدت فيه مرتعا خصبا لإبلها
و أغنامها .
إذن نستنتج مما سبق أن حوض واد كير يمتد من شمال كرامة إلى بوعنان و هي المنطقة الواقعة في الجنوب الشرقي لإقليم الرشيدية ، و عليه فإن هذه المنطقة التي تتخللها هذه الواحات كانت في وقت ما معبرا للقوافل التجارية ، وكانت تعرف باسم (لمزالق ) ذلك أن الدواب تنزلق في طين حماداتها أثناء التساقطات المطرية، و رغم ذلك كانوا يعتمدونها لأن واحاتها توفر لهم و لدوابهم الماء والكلأ والظل خصوصا أيام القيظ ، فأطلقوا اسم بوذنيب على المنطقة الوسطى منها بالتحديد،
و بالرجوع إلى القواميس القديمة كلسان العرب لابن منظور أو غيره من المناجد لم نجد اشتقاقا لهذه التسمية أو الكلمة إلا من فعل( ذنب) الذي وجدنا له عدة تعاريف منها :
* ذنب-ذنبا : بمعنى تبعه ولم يفارق إثره .
* تذنب الطريق : بمعنى أخذه و مشى فيه .
* ذناب الشيء : عقبه و مؤخره .
* ذنب الرجل عمامته : إذا أرخى جزءا منها خلف رأسه .
* سالت المذانب : أي جرت مسيلات الماء .
* أذنب : أي ارتكب جرما و خرج عن جادة الصواب .
* الذنب : ذيل الدابة .
* الذنب من الوادي : الموضع الذي ينتهي إليه مسيله .
و لعل أقرب التعريفات إلى الصواب، هو أن القوافل التجارية كانت تذنب أي تغير مسارها، فعوض أن تمر بدرعة أو تافيلالت ، كانت تفضل العروج على بوذنيب طلبا للأمن و الراحة و اختصارا للطريق . كما أن منطقة كير تعتبر صلة وصل بين ثلاث جهات أساسية، ذلك أنها إلى الجنوب تطل على الصحراء الكبرى عبر حمادة كير، و إلى الشرق ترتبط بالجزائر ارتباطا وثيقا، و إلى الغرب كانت منفتحة على سجلماسة الضاربة في القدم و التي كانت تعتبر مركزا تجاريا مهما بالجنوب الشرقي المغربي آنذاك، و معقلا لكثير من الزوايا الصوفية التي كان الناس يؤمونها من كل البقاع طلبا للعلم والتبرك . وقد سمعنا من شيوخنا و أجدادنا في مجالسهم أن واحات كير عرفت سلسلة من الهجرات عبر تاريخها بدءا بهجرة بني هلال و بني سليم و بعدهم بني يحسن ودخيسة ، و لا زالت بالمنطقة بعض الآثار التي تدل على مقامهم في العديد من القصور على طول واد كير، كما جاء اليهود و استوطنوا بها و اندمجوا مع السكان الأصليين، و تعاطوا للتجارة و بعض الحرف التقليدية كالنسيج ، الدباغة ، الفخار، واستغلوا مسد النخيل في صناعة الحصائر و الأطباق وغيرها كثير . كما يحكي الشيوخ و العجزة أن اليهود هم السباقون إلى بناء منازلهم في الضفة الغربية لواد الكرابة ، و كان الناس يسمونه ( الفيلاج) village ، في حين أن بعض السكان الأصليين أقاموا بعض الزراعات المعاشية في الضفة الشرقية لواد الكرابا ، (graba ) كل في كربه ( كاف معقوفة مضمومة
و راء ساكنة و باء مكسورة ) و الكربي gourbi هو عبارة عن كوخ داخل بستان محاط بسور من التابوت أي( اللوح ) تتوسطه بئر يسقي منها صاحب الكربي مزروعاته بطريقة ( أغرور) هذه المزروعات التي لا تعدو أن تكون إلا خضرا يقتاتون بها و يبيعون بعضها لليهود في الضفة الأخرى
أي (الفيلاج) و حيث أن جمع كلمة الكربي هي الكرابا ،فقد أطلق هذا الإسم على هذه الضفة ، و لا زالت تسمى كذلك حتى عهد قريب حيث استبدل الاسم بالحي المحمدي، رغم أنني أفضل أن تحتفظ باسمها القديم ذي المدلول التاريخي ، و إلى يومنا هذا هناك بعض الدور التي ما زالت تحتفظ ببعض الآثار من تلك البساتين التي كانوا يسمونها ( لبحيرة ) labhira .
و قد أجمع القدامى على أن أقدم قصر ( الدوار أو المدشر ) هو قصر تزوكارت إذ يزيد عمره عن ستة قرون ، و قد استوطنته قبائل مختلفة بعضها جاء إليه من المشرق و البعض الآخر من تافيلالت ، و قد اختاروا هذا المكان لوعورة تضاريسه حيث بنوا بيوتهم في أعلى الجبل لصد هجوم المغيرين عليهم و منعهم من اقتحام القصر ، لأن في ذلك العهد لم تكن الدول التي تعاقبت على حكم المغرب تهتم بهذه المناطق النائية فشاع ما يسمى بالسيبة أي الفوضى و الغلبة للقوي ، و كثرت النزاعات
و المعارك بين القبائل التي كانت تستنجد بقبائل أخرى من الأمازيغ و غيرها مقابل تفويت جزء من الأرض لها .
بعد تزوكارت انتشرت القصور --المذكورة آنفا-- على طول ضفتي واد كير على حقب مختلفة .
كانت كل قبيلة تستجلب إليها رجلا تقيا ورعا من شرفاء إحدى الزوايا فتتبرك به ليعلمها دينها و يؤم بها في الصلاة و يحكم بينها في النوازل ، و كانت القبائل تخصص له أرضا زراعية من أخصب أراضيها و تبني له بيتا مجاورا للمسجد ، كما لا يخفى على الجميع أن بعض الأسر من هؤلاء الشرفاء كانوا يصطحبون معهم العبيد أينما حلوا و ارتحلوا ، لأن العبيد من الرجال هم من يتولون تدبير شؤون الزراعة و الرعي ، و الإيماء يعملن خادمات للنساء الشريفات اللواتي يتحجبن في البيوت ، إذ جرت العادة ألا يخرجن من بيوتهن و لا يسفرن عن وجوههن لغير بعولتهن .
و هكذا عرفت منطقة كير تنوعا في الأجناس البشرية و لا يخلو قصر من قصورها من هذا التنوع ، و الذي مع مرور الوقت ذابت معه تلك الحزازات فتعايش الجميع و اندمجوا بفعل المصاهرة و أصبح الكل ينعم بما توفره له واحته من خيرات ، و فسح المجال لكل عشيرة في إظهار موروثها الفني ، تختلف باختلاف الألسن
والعادات و التقاليد و لكنها في مجملها لا تخرج عن أزجال تتداول في الذكر أو الميسوري أو الملولي
أو الرسم و أهازيج من نوع العروبي ما زالت تردد الى يومنا هذا في المناسبات السارة .
أما التأريخ بالمعنى الدقيق ، فيعود للحقبة القريبة منا و بالضبط مع بداية القرن العشرين ، إبان دخول المستعمر الفرنسي للمغرب باسم الحماية ، خصوصا أن فرنسا كانت قد استعمرت الجزائر منذ 1830 ،
و كانت أطماعها تزداد لضم المغرب فمهدت لذلك في معاهدة لالة مغنية ، و استتاب لها الأمر باتفاق بعض الدول الأوربية في مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 ، و قد حاولت فرنسا أن تدخل المغرب من الواجهة الجنوبية الشرقية الموالية للجزائر ، فكانت هناك معارك تمهيدية في منطقة المنكوب ،
و لكن تبقى معركة ( أورير ) ببني وزيم على بعد ثمان كيلومترات منه شرقا هي المعركة الكبرى التي أبانت فيها قبائل الجنوب الشرقي التي استنفرت عشائرها للدفاع عن حوزة الوطن و صد المستعمر الغاشم بزعامة المقاوم الباسل المرحوم مولاي أحمد السبعي و ابنه مولاي علي و زعماء آخرين من أهل تافيلالت و آيت حديدو و ايت مرغاد و ايت عطا و ايت زدك ...و كانت الخسائر في الأرواح كبيرة في كلا الطرفين خصوصا في صفوف المقاومة إذ كان المستعمر يفوقها عدة و عتادا
و رغم ذلك فقد أدى ثمن توغله في قتل العديد من جنوده لا سيما في صفوف الضباط الثلاثة الذين لقوا حتفهم على يد المقاومة ، مما دفعه للتراجع
و طلب الدعم البشري و المادي ، فأعاد الكرة و ظفر بمبتغاه و هو أن يحتل بوذنيب و يجعلها قاعدة ينطلق منها لاكتساح المناطق الأخرى ، و فعلا بنى ببوذنيب مركزا للمقيم العام ، و من خلفه مركزا آخر للضباط و قلعة للجنود على ضفة واد كير مقابلة لحي الكرابا و مطارا للطيران العسكري خلف نفس الحي ، و كذا القيادة المدنية (bureau) تحت الوصاية العسكرية ، و مستشفى سنة 1921 هذا الأخير الذي استغل فيما بعد كمدرسة لتعليم أبناء المسلمين و اليهود و سماها المستعمر المدرسة النصرانية ، فامتنع المسلمون عن إرسال أبنائهم فغير الاسم لتشجيعهم على التعلم و أصبح إسمها المدرسة الاسلامية و هذا الاسم كذلك لم يرق اليهود الذين توقفوا عن الذهاب إليها ، فلم يجد الفرنسيون حلا سوى أن يسموها المدرسة المختلطة بحيث تضم جميع الأجناس بمختلف دياناتهم .
فكان تصميم بوذنيب على شكل مدينة متحضرة تعتبر قاعدة تتصل مباشرة بقاعدتي بشار و وهران بالجزائر و بالقاعدة المغربية بمدينة أزرو ، و ما توالى من أحداث سواء في المنطقة أو في المغرب ككل فالجميع يعرفها و لا داعي لسرد ما هو معروف لدى السواد الأعظم من الناس.
كانت هذه بعض المعلومات التي استقيناها من تراثنا القديم كما رواها لنا القدامى من خلال أبحاث شخصية قمنا بها ،لا لشيء و إنما لمعرفة تاريخ بلدتنا من منطلق حبنا لها و غيرتنا عليها ، فما أصبنا فيه فبعون من الله و ما اخطأنا فيه فمن أنفسنا
و تقصيرنا ، و الله من وراء القصد عليم .
🛇 الكاتب : زايد وهنا 🚫
لا يمكن أن نؤرخ لمنطقة كير إلا من خلال ما وصلنا عبر الرواة ، و حيث أن المنطقة لم تعرف تأريخا بالمعنى العلمي الدقيق ، فإن أي إهمال
أو خطإ فهو غير مقصود ، و لسنا مسؤولينا عنه ، إذ الدافع هو معرفة بعضا من تاريخ المنطقة دون حيف أو تحيز، و إنما ننقل بأمانة و حسن نية ما سمعناه عن سلفنا و ننقله نقلا صريحا ، لا نزيد فيه و لا ننقص .
تمتد منطقة واحات كير في شمالها الغربي إلى مرتفعات الأطلس الكبير شمال كرامة ، و هذه المرتفعات هي المنبع الرئيسي لواد كير و يضم حوض هذا الواد كل من واحة كرامة ، تولال ، ملاحة، باكنو، إيرارة، الكرعان، قدوسة، تازوكارت، بوذنيب الكبير، أولاد علي، بني وزيم و السهلي ،
و ينساب إلى حدود بوعنان حيث يلتقي واد كير بواد (أيت عيسى) و واد (زلمو) فيشتركان في واد واحد كبير هو واد (الداورة ). و هكذا تكون نهاية واد كير هي نقطة التقائه بهذا الواد ، و قد أطلق القدامى على هذا الجزء الأخير منه ( كير ذوي منيع )، و الراجح أن هذا الاسم أطلق على ذلك الجزء لأن قبائل البدو الرحال من عشائر ذوي منيع كانت تستوطنه ، إذ وجدت فيه مرتعا خصبا لإبلها
و أغنامها .
إذن نستنتج مما سبق أن حوض واد كير يمتد من شمال كرامة إلى بوعنان و هي المنطقة الواقعة في الجنوب الشرقي لإقليم الرشيدية ، و عليه فإن هذه المنطقة التي تتخللها هذه الواحات كانت في وقت ما معبرا للقوافل التجارية ، وكانت تعرف باسم (لمزالق ) ذلك أن الدواب تنزلق في طين حماداتها أثناء التساقطات المطرية، و رغم ذلك كانوا يعتمدونها لأن واحاتها توفر لهم و لدوابهم الماء والكلأ والظل خصوصا أيام القيظ ، فأطلقوا اسم بوذنيب على المنطقة الوسطى منها بالتحديد،
و بالرجوع إلى القواميس القديمة كلسان العرب لابن منظور أو غيره من المناجد لم نجد اشتقاقا لهذه التسمية أو الكلمة إلا من فعل( ذنب) الذي وجدنا له عدة تعاريف منها :
* ذنب-ذنبا : بمعنى تبعه ولم يفارق إثره .
* تذنب الطريق : بمعنى أخذه و مشى فيه .
* ذناب الشيء : عقبه و مؤخره .
* ذنب الرجل عمامته : إذا أرخى جزءا منها خلف رأسه .
* سالت المذانب : أي جرت مسيلات الماء .
* أذنب : أي ارتكب جرما و خرج عن جادة الصواب .
* الذنب : ذيل الدابة .
* الذنب من الوادي : الموضع الذي ينتهي إليه مسيله .
و لعل أقرب التعريفات إلى الصواب، هو أن القوافل التجارية كانت تذنب أي تغير مسارها، فعوض أن تمر بدرعة أو تافيلالت ، كانت تفضل العروج على بوذنيب طلبا للأمن و الراحة و اختصارا للطريق . كما أن منطقة كير تعتبر صلة وصل بين ثلاث جهات أساسية، ذلك أنها إلى الجنوب تطل على الصحراء الكبرى عبر حمادة كير، و إلى الشرق ترتبط بالجزائر ارتباطا وثيقا، و إلى الغرب كانت منفتحة على سجلماسة الضاربة في القدم و التي كانت تعتبر مركزا تجاريا مهما بالجنوب الشرقي المغربي آنذاك، و معقلا لكثير من الزوايا الصوفية التي كان الناس يؤمونها من كل البقاع طلبا للعلم والتبرك . وقد سمعنا من شيوخنا و أجدادنا في مجالسهم أن واحات كير عرفت سلسلة من الهجرات عبر تاريخها بدءا بهجرة بني هلال و بني سليم و بعدهم بني يحسن ودخيسة ، و لا زالت بالمنطقة بعض الآثار التي تدل على مقامهم في العديد من القصور على طول واد كير، كما جاء اليهود و استوطنوا بها و اندمجوا مع السكان الأصليين، و تعاطوا للتجارة و بعض الحرف التقليدية كالنسيج ، الدباغة ، الفخار، واستغلوا مسد النخيل في صناعة الحصائر و الأطباق وغيرها كثير . كما يحكي الشيوخ و العجزة أن اليهود هم السباقون إلى بناء منازلهم في الضفة الغربية لواد الكرابة ، و كان الناس يسمونه ( الفيلاج) village ، في حين أن بعض السكان الأصليين أقاموا بعض الزراعات المعاشية في الضفة الشرقية لواد الكرابا ، (graba ) كل في كربه ( كاف معقوفة مضمومة
و راء ساكنة و باء مكسورة ) و الكربي gourbi هو عبارة عن كوخ داخل بستان محاط بسور من التابوت أي( اللوح ) تتوسطه بئر يسقي منها صاحب الكربي مزروعاته بطريقة ( أغرور) هذه المزروعات التي لا تعدو أن تكون إلا خضرا يقتاتون بها و يبيعون بعضها لليهود في الضفة الأخرى
أي (الفيلاج) و حيث أن جمع كلمة الكربي هي الكرابا ،فقد أطلق هذا الإسم على هذه الضفة ، و لا زالت تسمى كذلك حتى عهد قريب حيث استبدل الاسم بالحي المحمدي، رغم أنني أفضل أن تحتفظ باسمها القديم ذي المدلول التاريخي ، و إلى يومنا هذا هناك بعض الدور التي ما زالت تحتفظ ببعض الآثار من تلك البساتين التي كانوا يسمونها ( لبحيرة ) labhira .
و قد أجمع القدامى على أن أقدم قصر ( الدوار أو المدشر ) هو قصر تزوكارت إذ يزيد عمره عن ستة قرون ، و قد استوطنته قبائل مختلفة بعضها جاء إليه من المشرق و البعض الآخر من تافيلالت ، و قد اختاروا هذا المكان لوعورة تضاريسه حيث بنوا بيوتهم في أعلى الجبل لصد هجوم المغيرين عليهم و منعهم من اقتحام القصر ، لأن في ذلك العهد لم تكن الدول التي تعاقبت على حكم المغرب تهتم بهذه المناطق النائية فشاع ما يسمى بالسيبة أي الفوضى و الغلبة للقوي ، و كثرت النزاعات
و المعارك بين القبائل التي كانت تستنجد بقبائل أخرى من الأمازيغ و غيرها مقابل تفويت جزء من الأرض لها .
بعد تزوكارت انتشرت القصور --المذكورة آنفا-- على طول ضفتي واد كير على حقب مختلفة .
كانت كل قبيلة تستجلب إليها رجلا تقيا ورعا من شرفاء إحدى الزوايا فتتبرك به ليعلمها دينها و يؤم بها في الصلاة و يحكم بينها في النوازل ، و كانت القبائل تخصص له أرضا زراعية من أخصب أراضيها و تبني له بيتا مجاورا للمسجد ، كما لا يخفى على الجميع أن بعض الأسر من هؤلاء الشرفاء كانوا يصطحبون معهم العبيد أينما حلوا و ارتحلوا ، لأن العبيد من الرجال هم من يتولون تدبير شؤون الزراعة و الرعي ، و الإيماء يعملن خادمات للنساء الشريفات اللواتي يتحجبن في البيوت ، إذ جرت العادة ألا يخرجن من بيوتهن و لا يسفرن عن وجوههن لغير بعولتهن .
و هكذا عرفت منطقة كير تنوعا في الأجناس البشرية و لا يخلو قصر من قصورها من هذا التنوع ، و الذي مع مرور الوقت ذابت معه تلك الحزازات فتعايش الجميع و اندمجوا بفعل المصاهرة و أصبح الكل ينعم بما توفره له واحته من خيرات ، و فسح المجال لكل عشيرة في إظهار موروثها الفني ، تختلف باختلاف الألسن
والعادات و التقاليد و لكنها في مجملها لا تخرج عن أزجال تتداول في الذكر أو الميسوري أو الملولي
أو الرسم و أهازيج من نوع العروبي ما زالت تردد الى يومنا هذا في المناسبات السارة .
أما التأريخ بالمعنى الدقيق ، فيعود للحقبة القريبة منا و بالضبط مع بداية القرن العشرين ، إبان دخول المستعمر الفرنسي للمغرب باسم الحماية ، خصوصا أن فرنسا كانت قد استعمرت الجزائر منذ 1830 ،
و كانت أطماعها تزداد لضم المغرب فمهدت لذلك في معاهدة لالة مغنية ، و استتاب لها الأمر باتفاق بعض الدول الأوربية في مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 ، و قد حاولت فرنسا أن تدخل المغرب من الواجهة الجنوبية الشرقية الموالية للجزائر ، فكانت هناك معارك تمهيدية في منطقة المنكوب ،
و لكن تبقى معركة ( أورير ) ببني وزيم على بعد ثمان كيلومترات منه شرقا هي المعركة الكبرى التي أبانت فيها قبائل الجنوب الشرقي التي استنفرت عشائرها للدفاع عن حوزة الوطن و صد المستعمر الغاشم بزعامة المقاوم الباسل المرحوم مولاي أحمد السبعي و ابنه مولاي علي و زعماء آخرين من أهل تافيلالت و آيت حديدو و ايت مرغاد و ايت عطا و ايت زدك ...و كانت الخسائر في الأرواح كبيرة في كلا الطرفين خصوصا في صفوف المقاومة إذ كان المستعمر يفوقها عدة و عتادا
و رغم ذلك فقد أدى ثمن توغله في قتل العديد من جنوده لا سيما في صفوف الضباط الثلاثة الذين لقوا حتفهم على يد المقاومة ، مما دفعه للتراجع
و طلب الدعم البشري و المادي ، فأعاد الكرة و ظفر بمبتغاه و هو أن يحتل بوذنيب و يجعلها قاعدة ينطلق منها لاكتساح المناطق الأخرى ، و فعلا بنى ببوذنيب مركزا للمقيم العام ، و من خلفه مركزا آخر للضباط و قلعة للجنود على ضفة واد كير مقابلة لحي الكرابا و مطارا للطيران العسكري خلف نفس الحي ، و كذا القيادة المدنية (bureau) تحت الوصاية العسكرية ، و مستشفى سنة 1921 هذا الأخير الذي استغل فيما بعد كمدرسة لتعليم أبناء المسلمين و اليهود و سماها المستعمر المدرسة النصرانية ، فامتنع المسلمون عن إرسال أبنائهم فغير الاسم لتشجيعهم على التعلم و أصبح إسمها المدرسة الاسلامية و هذا الاسم كذلك لم يرق اليهود الذين توقفوا عن الذهاب إليها ، فلم يجد الفرنسيون حلا سوى أن يسموها المدرسة المختلطة بحيث تضم جميع الأجناس بمختلف دياناتهم .
فكان تصميم بوذنيب على شكل مدينة متحضرة تعتبر قاعدة تتصل مباشرة بقاعدتي بشار و وهران بالجزائر و بالقاعدة المغربية بمدينة أزرو ، و ما توالى من أحداث سواء في المنطقة أو في المغرب ككل فالجميع يعرفها و لا داعي لسرد ما هو معروف لدى السواد الأعظم من الناس.
كانت هذه بعض المعلومات التي استقيناها من تراثنا القديم كما رواها لنا القدامى من خلال أبحاث شخصية قمنا بها ،لا لشيء و إنما لمعرفة تاريخ بلدتنا من منطلق حبنا لها و غيرتنا عليها ، فما أصبنا فيه فبعون من الله و ما اخطأنا فيه فمن أنفسنا
و تقصيرنا ، و الله من وراء القصد عليم .
🛇 الكاتب : زايد وهنا 🚫
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق