******* بين اليأس و الأمل *******
خرجت كعادتي كل يوم أحد ، أبتغي الترويح عن النفس من تعب الأسبوع ، قصدت حديقة عمومية، و اخترت مكانا ليس به من الناس غير شاب كان جالسا لوحده على أريكة من إسمنت و حديد و بجانبه جريدة ، و قد وضع رأسه بين يديه و مرفقيه على ركبتيه و كأنه يفكر في أمر ذي بال ، بادرته بالتحية ، فردها دون أن يرفع رأسه و لسان حاله يقول لا تقلق وحدتي ، جلست في الطرف الآخر من الأريكة ، و بدأت أسترق النظر إلى الجريدة الموضوعة بيننا ، أحاول أن أقرأ عناوينها البارزة ، فلما لمس مني هذا التطفل ، دفع إلي بالجريدة و هو يقول و الأسى يعتصره :
《 خذها فقد انتهيت من قراءتها ، و لا شيء يغري فيها غير الحوادث و الجرائم و الزيف و الكذب 》
تناولتها دون أن أنبس ببنت شفة ، و طفقت أتصفحها عساني أجد موضوعا مفيدا ، فلم أجد غير ما قاله هذا الشاب ، مجرد حوادث ، أخطرها غرق قارب صغير كان على متنه مجموعة من الشباب كانوا يأملون العبور الى حيث الحقوق و الرفه و السعادة في نظرهم ، و لكن للأسف أصبحوا طعاما للحيتان ، و تقادف عباب البحر أحلامهم نحو شط العدم ... تأففت و وضعت الجريدة في مكانها بهدوء و قلت :
《 صدقت يا هذا ما من شيء يفيد و يمتع غير المآسي 》
شجعني تفاعله معي على جذب أطراف الحديث ، فبادرته بسؤال مستفز علي أظفر منه بجواب شاف :
《 إذا كان الشباب يعيش في وطن غني بمعادنه و فلاحته وأسماكه وصناعته وتجارته وضرائبه ... الخ•••
♧ فلماذا يدع كل هذه الخيرات ♧
♧ و يركب أمواج البحر العاتيات ♧
♧ و يترك خلفه أمهات مكلومات ♧ ؟ 》
رمقني بنظرة كأنها سهم خارق و رد علي بكلام يحمل من البيان ما يدل على ثقافة و نباهة صاحبه قائلا :
《 لأنه بكل بساطة في وطنه :
مسلوب الارادة ●●● محروم القيادة
مملوك السيادة
محصور الفكر ●●● مقموع النظر
مغلوب الأمر
مفقود الإعانة ●●● موضوع الإهانة
مقصود الإدانة
معدوم العمل ●●● مقطوع الأمل
موصود السبل
مغمور النجاح ●●● مكسور الجناح
منزوف الجراح
لذلك يرى أن :
■ أنياب القرش خير له من ذل العيش
■ أو حبل الشنق خير من معاملة الرق
■ أو سم الفئران خير من عيش الهوان
■ أو نار دليون خير من ظلم السجون 》
لم أطق صبرا فقلت :
《 ألهذه الدرجة وصل به اليأس و التدمر ، فيضع حدا لحياته بهذه الطرق المؤلمة 》
اعتدل في جلسته و أخرج زفيرا حارا وقال :
♢ الانتحار حل لمن ليس له اعتبار
♢ في بلد ثرواته لا تعدها الأسطار
♢ معادن تستنزف لا تعلمها الأنظار
♢ أسماك تستنفذ من أعالي البحار
♢ ضيعات فلاحية لا تحدها الأبصار
♢ تخرج ضروبا و أصنافا من الثمار
♢ حازتها عصابة ممن يسمون الكبار
♢ فماذا تبقى لنا نحن معاشر الصغار
♢ غير الإملاق و التهميش والاحتقار
♢ و قفة لا تغني جوعا عند الإفطار
♢ تعليم فاشل لم يحقق أدنى ابتكار
♢ مناهج و برامج عقيمة كلها أعثار
♢ تخرج أفواج العاطلين بلا اقتدار
♢ تطبيب عاجز بين موت واحتضار
♢ يقصده الفقراء قهرا عند الاضطرار
♢ أما الغني فله البديل خارج الأقطار
♢ ألا يغنيك هذا كله عن الاستفسار ؟ 》
طأطأت رأسي قليلا ، و قلت في نفسي لعل هذا ما كان يفكر فيه قبل و بعد مجيئي بقليل ، رفعت رأسي فإذا به ينظر صوبي و يترقب جوابي ، ثم انطلقت كالطبيب المختص في علم النفس ، أرد إليه بعضا من التفاؤل - إن بقي في نفسه موضع حبة خرذل من الأمل - فقلت :
《 ♡ لا ثم لا لليأس و القنوط والاستسلام
♡ وليكن يقينك كبيرا في الخالق العلام
♡ قد ينبثق الفجر و يمحو لسان الظلام
♡ اسمع و ع ما أقول بالكمال و التمام
♡ إذا كنت ذا همة قوية و مبدإ و التزام
♡ تسلح بالعلم والوعي وحارب الأوهام
♡ اسم المفعول في أقوالك دليل انهزام
♡ أبدله باسم الفاعل تدرك غايات المرام
إن فعلت صدقا ستصبح :
حاكم الإرادة ●●● ماسك القيادة
مالك السيادة
رائد الفكر ●●● ثاقب النظر
جالب الخير
ناصر الإعانة ●●● رافض الإهانة
كاره الإدانة
نافذ الأعمال ●●● باعث الآمال
فاتح الأقفال
صانع النجاح ●●● داعم الصلاح
ضامد الجراح 》
ابتسم ابتسامة تحمل ما تحمل من معاني التردد و السخرية مني و من القدر الذي ساقني إليه ، و حاصرني بسؤال مر مرارة الحنظل :
《 متى يتحقق ذلك ، أيها المتفائل ؟ 》
أجبت على عجل :
《 ○ لا تستعجل فلا شيء على حال يدوم
○ ولكل الأحوال مهما طالت أجل محتوم
○ اعتبر ممن سبقوك كان لهم أثر معلوم
○ منهم المحمودة سيره و منهم المذموم
○ تساوى تحت التراب غنيهم والمعدوم
○ ما تخلد الذكر إلا لصاحب أدب وعلوم 》
حينها لاحظت بعض الانفراج الباهت واضحا على أسارير وجهه ، و شبه ابتسامة غائرة تلوح بين شفتيه الجافتين ، و بينما نحن كذلك إذ انتصب صاحبنا واقفا وهو يتمتم بكلام غير مسموع ، و أخرج من جيبه مادة ملفوفة في ورق نثر غبارها في الجو ، و غادر المكان مودعا بيده من الخلف ، تعجبت من تصرفه هذا ، و لم أتجرأ على سؤاله لمعرفة ما نثر خصوصا و قد ابتعد ، و لكن قرأت في عينيه أنها مسحوق مخذر أو مادة سامة كان ينوي الانتحار بها لولا أن ساقني القدر إليه لأقنعه بالتمسك بالحياة و زرع الأمل وشحذ العزيمة و استنهاض الهمة في انتظار الفرج ....
الكاتب الأستاذ. : زايد وهنا
خرجت كعادتي كل يوم أحد ، أبتغي الترويح عن النفس من تعب الأسبوع ، قصدت حديقة عمومية، و اخترت مكانا ليس به من الناس غير شاب كان جالسا لوحده على أريكة من إسمنت و حديد و بجانبه جريدة ، و قد وضع رأسه بين يديه و مرفقيه على ركبتيه و كأنه يفكر في أمر ذي بال ، بادرته بالتحية ، فردها دون أن يرفع رأسه و لسان حاله يقول لا تقلق وحدتي ، جلست في الطرف الآخر من الأريكة ، و بدأت أسترق النظر إلى الجريدة الموضوعة بيننا ، أحاول أن أقرأ عناوينها البارزة ، فلما لمس مني هذا التطفل ، دفع إلي بالجريدة و هو يقول و الأسى يعتصره :
《 خذها فقد انتهيت من قراءتها ، و لا شيء يغري فيها غير الحوادث و الجرائم و الزيف و الكذب 》
تناولتها دون أن أنبس ببنت شفة ، و طفقت أتصفحها عساني أجد موضوعا مفيدا ، فلم أجد غير ما قاله هذا الشاب ، مجرد حوادث ، أخطرها غرق قارب صغير كان على متنه مجموعة من الشباب كانوا يأملون العبور الى حيث الحقوق و الرفه و السعادة في نظرهم ، و لكن للأسف أصبحوا طعاما للحيتان ، و تقادف عباب البحر أحلامهم نحو شط العدم ... تأففت و وضعت الجريدة في مكانها بهدوء و قلت :
《 صدقت يا هذا ما من شيء يفيد و يمتع غير المآسي 》
شجعني تفاعله معي على جذب أطراف الحديث ، فبادرته بسؤال مستفز علي أظفر منه بجواب شاف :
《 إذا كان الشباب يعيش في وطن غني بمعادنه و فلاحته وأسماكه وصناعته وتجارته وضرائبه ... الخ•••
♧ فلماذا يدع كل هذه الخيرات ♧
♧ و يركب أمواج البحر العاتيات ♧
♧ و يترك خلفه أمهات مكلومات ♧ ؟ 》
رمقني بنظرة كأنها سهم خارق و رد علي بكلام يحمل من البيان ما يدل على ثقافة و نباهة صاحبه قائلا :
《 لأنه بكل بساطة في وطنه :
مسلوب الارادة ●●● محروم القيادة
مملوك السيادة
محصور الفكر ●●● مقموع النظر
مغلوب الأمر
مفقود الإعانة ●●● موضوع الإهانة
مقصود الإدانة
معدوم العمل ●●● مقطوع الأمل
موصود السبل
مغمور النجاح ●●● مكسور الجناح
منزوف الجراح
لذلك يرى أن :
■ أنياب القرش خير له من ذل العيش
■ أو حبل الشنق خير من معاملة الرق
■ أو سم الفئران خير من عيش الهوان
■ أو نار دليون خير من ظلم السجون 》
لم أطق صبرا فقلت :
《 ألهذه الدرجة وصل به اليأس و التدمر ، فيضع حدا لحياته بهذه الطرق المؤلمة 》
اعتدل في جلسته و أخرج زفيرا حارا وقال :
♢ الانتحار حل لمن ليس له اعتبار
♢ في بلد ثرواته لا تعدها الأسطار
♢ معادن تستنزف لا تعلمها الأنظار
♢ أسماك تستنفذ من أعالي البحار
♢ ضيعات فلاحية لا تحدها الأبصار
♢ تخرج ضروبا و أصنافا من الثمار
♢ حازتها عصابة ممن يسمون الكبار
♢ فماذا تبقى لنا نحن معاشر الصغار
♢ غير الإملاق و التهميش والاحتقار
♢ و قفة لا تغني جوعا عند الإفطار
♢ تعليم فاشل لم يحقق أدنى ابتكار
♢ مناهج و برامج عقيمة كلها أعثار
♢ تخرج أفواج العاطلين بلا اقتدار
♢ تطبيب عاجز بين موت واحتضار
♢ يقصده الفقراء قهرا عند الاضطرار
♢ أما الغني فله البديل خارج الأقطار
♢ ألا يغنيك هذا كله عن الاستفسار ؟ 》
طأطأت رأسي قليلا ، و قلت في نفسي لعل هذا ما كان يفكر فيه قبل و بعد مجيئي بقليل ، رفعت رأسي فإذا به ينظر صوبي و يترقب جوابي ، ثم انطلقت كالطبيب المختص في علم النفس ، أرد إليه بعضا من التفاؤل - إن بقي في نفسه موضع حبة خرذل من الأمل - فقلت :
《 ♡ لا ثم لا لليأس و القنوط والاستسلام
♡ وليكن يقينك كبيرا في الخالق العلام
♡ قد ينبثق الفجر و يمحو لسان الظلام
♡ اسمع و ع ما أقول بالكمال و التمام
♡ إذا كنت ذا همة قوية و مبدإ و التزام
♡ تسلح بالعلم والوعي وحارب الأوهام
♡ اسم المفعول في أقوالك دليل انهزام
♡ أبدله باسم الفاعل تدرك غايات المرام
إن فعلت صدقا ستصبح :
حاكم الإرادة ●●● ماسك القيادة
مالك السيادة
رائد الفكر ●●● ثاقب النظر
جالب الخير
ناصر الإعانة ●●● رافض الإهانة
كاره الإدانة
نافذ الأعمال ●●● باعث الآمال
فاتح الأقفال
صانع النجاح ●●● داعم الصلاح
ضامد الجراح 》
ابتسم ابتسامة تحمل ما تحمل من معاني التردد و السخرية مني و من القدر الذي ساقني إليه ، و حاصرني بسؤال مر مرارة الحنظل :
《 متى يتحقق ذلك ، أيها المتفائل ؟ 》
أجبت على عجل :
《 ○ لا تستعجل فلا شيء على حال يدوم
○ ولكل الأحوال مهما طالت أجل محتوم
○ اعتبر ممن سبقوك كان لهم أثر معلوم
○ منهم المحمودة سيره و منهم المذموم
○ تساوى تحت التراب غنيهم والمعدوم
○ ما تخلد الذكر إلا لصاحب أدب وعلوم 》
حينها لاحظت بعض الانفراج الباهت واضحا على أسارير وجهه ، و شبه ابتسامة غائرة تلوح بين شفتيه الجافتين ، و بينما نحن كذلك إذ انتصب صاحبنا واقفا وهو يتمتم بكلام غير مسموع ، و أخرج من جيبه مادة ملفوفة في ورق نثر غبارها في الجو ، و غادر المكان مودعا بيده من الخلف ، تعجبت من تصرفه هذا ، و لم أتجرأ على سؤاله لمعرفة ما نثر خصوصا و قد ابتعد ، و لكن قرأت في عينيه أنها مسحوق مخذر أو مادة سامة كان ينوي الانتحار بها لولا أن ساقني القدر إليه لأقنعه بالتمسك بالحياة و زرع الأمل وشحذ العزيمة و استنهاض الهمة في انتظار الفرج ....
الكاتب الأستاذ. : زايد وهنا