🐕 أسر الى أجل غير مسمى 🐕
اليوم الثلاثاء السابع من أبريل 2020 ، حيث أصبح وضع الكمامات اجباريا ، ابتداء من هذا اليوم ، ما دام يتزايد عدد المصابين و يرتفع عدد الضحايا .
في هذا الصباح شعرت بشد في عضلات جسمي من كثرة الاستلقاء على ظهري و أحسست بتعب في عيناي و لا أنكر أنني أن الذي أتعبتها وأنا أقلبها بين الكتاب حينا و التلفاز حينا و الهاتف المحمول أحيانا كثيرة ، لذلك قررت أن آخذ قسطا من أشعة الشمس إذ أصبح جسمي في حاجة إليها بعد أن استنفذ مخزونه منها طيلة هذه الأيام الماضية من الحجر و حظر الخروج .
فتحت نافذة غرفتي بالطابق العلوي ، و سرحت ببصري في كل الاتجاهات ، المدينة يسودها صمت رهيب و الشارع خال من المارة ، فانتابني إحساس بالرعب و كأن الناس غادروا المدينة عن بكرة أبيهم ، و لولا وجود أفراد أسرتي معي لاعتقدت جازما أنني الوحيد الذي بقي في هذه الدنيا ، و في نفس الوقت أعجبت بالوعي الذي عبر عنه المواطنون حيث حصنوا أنفسهم و التزموا بيوتهم آخذين بالأسباب للحد من تفشي هذا الداء الفتاك ، متضرعين الى الله سبحانه و تعالى أن يجعل لهم من الضيق مخرجا.
أسندت رأسي الى الشباك الحديدي ، كسجين وراء القضبان لا يعلم كم سيدوم سجنه لأن الأمر بيد القاضي كرونا و هذا القاضي المقيت لا يفصح عن مدة الأسر .
رفعت بصري نحو السماء فرأيت سربا من الطيور يحلق في الجو محدثة أصواتا غريبة أهي تغريد غناء أم أنين بكاء و من يدري ، فلم أزل على تلك الحال أسمع صوتها و هي تبتعد ، حتى
استرعى انتباهي مواء قطتين مستلقيتين جنبا الى جنب على سطح سيارة و كأنهما يتهامسان عن سر خلو الشوارع من المارة فلاحظت أنهما أحستا بنظراتي تخترقهما ، إذ رفعتا رأسيهما نحوي و كأنهما تقولا لي انظر ما فعلت بنفسك أيها الإنسان المغرور .
أشحت بوجهي عنهما و تعمدت أن ألقي نظرة أخيرة على الشارع ، فإذا بقطيع كلاب يعبر الشارع أمامي يتقدمه كلب ضخم شرس و البقية تسير خلفه في هدوء تام و كأنها دورية تتفقد أحوال المدينة ، فلم أدر أي حاسة نبهت الكلب الى وجودي إذ رفع رأسه نحوي و أطال النظر إلي ، حرك ذيله و فتح فمه حتى بدت أنيابه الحادة ، فإذا به يرمقني بنظرات غريبة ربما لم يسبق له أن رأى إنسانا يضع كمامة على فمه و أنفه ، طأطأ رأسه ثم رفعه ثانية و لسان حاله يقول مستهزئا :
" أنا كذلك يضعون لي الكمامة اتقاء شراستي و خوفا من عضاتي ، أما أنت أيها الانسان فقد وضعتها و أنت خائف مرتعد من عدو لا يرى ، سجنك في بيتك و منعك من التجول و حرمك من صلة الرحم ، و فقدك حريتك التي كنت تنعم بها ، و أثار فيك الهلع فأصبحت مستسلما تترقب الموت في كل ساعة ، و تبحث عن شعرة أمل تتمسك بها لتنجو بنفسك ، ما كان يخطر ببالك يوما أنك ستعيش مثل هذا الموقف ، أتدري لماذا ؟ لأنكم يا بني البشر صنفان ، صنف منكم يدعي التقدم الاقتصادي و التحرر و الهيمنة على العالم و يريد استعباد الشعوب ، فانساق وراء حضارة زائفة و اغتر بتكنولوجيا براقة ، فدمر البيئة وأشعل الحرب في كل مكان و قتل الأبرياء و شرد المستضعفين .
و الصنف المتخلف منكم أصبح تابعا للأول ، و يرى فيه القدوة و الخلاص فأمسى بيدقا تتلاعب به القوى العظمى ، فاستباح الحرام و شجع الفساد ، بل لم يأخذ مثل أسياده أسباب التقدم المادي و لم يهتم بالبنى التحتية من تعليم و صحة و عدل و إعلام و غيرها من القطاعات الحية التي عليها تنبني أسس البلاد بل انجرف وراء المصالح الذاتية و لتحقيقها شجع الفساد و الظلم و الشعوذة و رفع من شأن التفاهة ، و نسي أن في السماء ربا قاهرا لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفؤ أحد ، أمره بين كاف و نون . أتدري الآن لماذا أصبحتم خائفين واجلين لأن اسخلافكم في الأرض لم يقدم شيئا يذكر لدنياكم و لا لأخراكم ، و لعل هذا الوباء الذي خلخل حضارتكم و أثبت عجزكم قد يكون إنذارا من الله سبحانه و تعالى لتراجعوا أنفسكم
و تغيروا من سياستكم العقيمة ، فمهما تكون خسائركم البشرية و المادية فهي درس و عبرة ، فإن تماديتم في غيكم ولم تستوعبوا هذا الدرس و تعتبروا مما وقع ، فالله يمهل و لا يهمل وربما القادم أدهى و أمر ."
صحوت من غفوتي و نظرت نحو الكلب لأشكره على درسه القيم و لكنه كان قد غادر و بقي صوته يرن في أذني ، حينها ذرفت عيناي دمعة ساخنة ، فغلقت النافذة و استلقيت على سريري أنظر في ذهول الى سقف الغرفة في انتظار وجبة الغذاء .
📚 مذكرات أسير في الحجر زايد وهنا 📚
اليوم الثلاثاء السابع من أبريل 2020 ، حيث أصبح وضع الكمامات اجباريا ، ابتداء من هذا اليوم ، ما دام يتزايد عدد المصابين و يرتفع عدد الضحايا .
في هذا الصباح شعرت بشد في عضلات جسمي من كثرة الاستلقاء على ظهري و أحسست بتعب في عيناي و لا أنكر أنني أن الذي أتعبتها وأنا أقلبها بين الكتاب حينا و التلفاز حينا و الهاتف المحمول أحيانا كثيرة ، لذلك قررت أن آخذ قسطا من أشعة الشمس إذ أصبح جسمي في حاجة إليها بعد أن استنفذ مخزونه منها طيلة هذه الأيام الماضية من الحجر و حظر الخروج .
فتحت نافذة غرفتي بالطابق العلوي ، و سرحت ببصري في كل الاتجاهات ، المدينة يسودها صمت رهيب و الشارع خال من المارة ، فانتابني إحساس بالرعب و كأن الناس غادروا المدينة عن بكرة أبيهم ، و لولا وجود أفراد أسرتي معي لاعتقدت جازما أنني الوحيد الذي بقي في هذه الدنيا ، و في نفس الوقت أعجبت بالوعي الذي عبر عنه المواطنون حيث حصنوا أنفسهم و التزموا بيوتهم آخذين بالأسباب للحد من تفشي هذا الداء الفتاك ، متضرعين الى الله سبحانه و تعالى أن يجعل لهم من الضيق مخرجا.
أسندت رأسي الى الشباك الحديدي ، كسجين وراء القضبان لا يعلم كم سيدوم سجنه لأن الأمر بيد القاضي كرونا و هذا القاضي المقيت لا يفصح عن مدة الأسر .
رفعت بصري نحو السماء فرأيت سربا من الطيور يحلق في الجو محدثة أصواتا غريبة أهي تغريد غناء أم أنين بكاء و من يدري ، فلم أزل على تلك الحال أسمع صوتها و هي تبتعد ، حتى
استرعى انتباهي مواء قطتين مستلقيتين جنبا الى جنب على سطح سيارة و كأنهما يتهامسان عن سر خلو الشوارع من المارة فلاحظت أنهما أحستا بنظراتي تخترقهما ، إذ رفعتا رأسيهما نحوي و كأنهما تقولا لي انظر ما فعلت بنفسك أيها الإنسان المغرور .
أشحت بوجهي عنهما و تعمدت أن ألقي نظرة أخيرة على الشارع ، فإذا بقطيع كلاب يعبر الشارع أمامي يتقدمه كلب ضخم شرس و البقية تسير خلفه في هدوء تام و كأنها دورية تتفقد أحوال المدينة ، فلم أدر أي حاسة نبهت الكلب الى وجودي إذ رفع رأسه نحوي و أطال النظر إلي ، حرك ذيله و فتح فمه حتى بدت أنيابه الحادة ، فإذا به يرمقني بنظرات غريبة ربما لم يسبق له أن رأى إنسانا يضع كمامة على فمه و أنفه ، طأطأ رأسه ثم رفعه ثانية و لسان حاله يقول مستهزئا :
" أنا كذلك يضعون لي الكمامة اتقاء شراستي و خوفا من عضاتي ، أما أنت أيها الانسان فقد وضعتها و أنت خائف مرتعد من عدو لا يرى ، سجنك في بيتك و منعك من التجول و حرمك من صلة الرحم ، و فقدك حريتك التي كنت تنعم بها ، و أثار فيك الهلع فأصبحت مستسلما تترقب الموت في كل ساعة ، و تبحث عن شعرة أمل تتمسك بها لتنجو بنفسك ، ما كان يخطر ببالك يوما أنك ستعيش مثل هذا الموقف ، أتدري لماذا ؟ لأنكم يا بني البشر صنفان ، صنف منكم يدعي التقدم الاقتصادي و التحرر و الهيمنة على العالم و يريد استعباد الشعوب ، فانساق وراء حضارة زائفة و اغتر بتكنولوجيا براقة ، فدمر البيئة وأشعل الحرب في كل مكان و قتل الأبرياء و شرد المستضعفين .
و الصنف المتخلف منكم أصبح تابعا للأول ، و يرى فيه القدوة و الخلاص فأمسى بيدقا تتلاعب به القوى العظمى ، فاستباح الحرام و شجع الفساد ، بل لم يأخذ مثل أسياده أسباب التقدم المادي و لم يهتم بالبنى التحتية من تعليم و صحة و عدل و إعلام و غيرها من القطاعات الحية التي عليها تنبني أسس البلاد بل انجرف وراء المصالح الذاتية و لتحقيقها شجع الفساد و الظلم و الشعوذة و رفع من شأن التفاهة ، و نسي أن في السماء ربا قاهرا لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفؤ أحد ، أمره بين كاف و نون . أتدري الآن لماذا أصبحتم خائفين واجلين لأن اسخلافكم في الأرض لم يقدم شيئا يذكر لدنياكم و لا لأخراكم ، و لعل هذا الوباء الذي خلخل حضارتكم و أثبت عجزكم قد يكون إنذارا من الله سبحانه و تعالى لتراجعوا أنفسكم
و تغيروا من سياستكم العقيمة ، فمهما تكون خسائركم البشرية و المادية فهي درس و عبرة ، فإن تماديتم في غيكم ولم تستوعبوا هذا الدرس و تعتبروا مما وقع ، فالله يمهل و لا يهمل وربما القادم أدهى و أمر ."
صحوت من غفوتي و نظرت نحو الكلب لأشكره على درسه القيم و لكنه كان قد غادر و بقي صوته يرن في أذني ، حينها ذرفت عيناي دمعة ساخنة ، فغلقت النافذة و استلقيت على سريري أنظر في ذهول الى سقف الغرفة في انتظار وجبة الغذاء .
📚 مذكرات أسير في الحجر زايد وهنا 📚
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق