العربية لغة البيان

 العربية لغة البيان 


      لقد أصبح من المعتاد لدى الكثير في الخطب كما في المقالات أن يخاطبوا الناس أو يتحدثوا عنهم بنوع من التمييز بين الإناث و الذكور ، كقولهم على سبيل المثال لا الحصر :

أيتها المسلمات أيها المسلمون

أيتها التلميذات أيها التلاميذ

أيتها الزميلات أيها الزملاء

إلى آخره من مثل هذه التعابير التي تصنف الجمع إلى مؤنث و مذكر ، و كثيرا ما نصادفها فيما ينشر من مقالات .

و الحقيقة أن هذا الأمر يحتاج إلى تمحيص و تدقيق ، خصوصا و أن هذا الفرز في مخاطبة الجموع مستحدث في لغة العرب ، فإذا رجعنا إلى أسمى كتاب و هو القرآن الكريم ، المعجزة الربانية في اللغة و البيان نجده سبحانه و تعالى

يخاطبنا بصيغة جمع المذكر و الحكم ضمنيا يشمل الذكور 

و الإناث على حد سواء كقوله تعالى : 

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين. )

( يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون.)

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون.)

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين.)

( إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون * والذين هم بآيات ربهم يؤمنون * والذين هم بربهم لا يشركون * والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون في الخيرات )

( إن المجرمين في ضلال )

( إن الله مع الصابرين )

و لو شاء الله سبحانه و تعالى لقال :

 إن الله مع الصابرات و الصابرين ، و لكنه جلت قدرته لم يقل ذلك لأن صيغة المذكر تشمل كذلك النساء و هو أمر واضح لا يحتاج إلى تكرار .

فإذا كان الحكم نفسه يهم الذكور و الإناث فإن الخطاب يأتي بصيغة المذكر و يشملهما جميعا ، و لكن إذا كان الأمر الذي يهم الذكور يختلف في حكمه عن الأمر الذي يهم الإناث ، أو إذا كان الأمر يحتاج إلى التأكيد على كلا الطرفين ،فهنا نجد نوعا من التخصيص في الخطاب ، كقوله تعالى :

[واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ءاياتِ الله والحكمة]

﴿ المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ﴾ [ التوبة: 67

( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا 

        كما أن خطب الرسول صلى الله عليه و سلم و ما أكثرها ، كما وردت مجموعة في كتاب العلامة محمد خليل الخطيب ، لم يذكر فيها الإناث و الذكور في نفس الوقت إلا إذا كان الأمر فيه حكما يهم هؤلاء و أولئك ، و يمكن الرجوع إلى القرآن و السنة ليتبين ذلك جليا .

خلاصة القول أن المتحدث أو الخطيب يخاطب الناس بصيغة جمع المذكر و القول و الغاية تشمل جمع الإناث ضمنيا اللهم إن كان من أمر تخصيص كل طرف بحكم أو تأكيد حكم حتى لا يظن الإناث أنهن مستثنيات منه .

و لعل هذه التعابير التي تلح على ذكر الإناث بجمع المؤنث السالم و الذكور بجمع المذكر السالم في أمور مشتركة لا استثناء فيها ، هو أمر مستحدث في لغة العرب ، جاء به دعاة تحرير المرأة المطالبين بمساواتها مع الرجل في كل شيء ، 

و هذا أمر محمود فللمرأة مكانتها المحترمة و قد تفوق الرجل في سياقات خاصة ، و هذا  ما أقره ديننا الحنيف في حقها ، فكرمها خير تكريم و جعل الجنة تحت أقدامها ، و لكن هذا

لا يعني أن نستثنيها في الخطاب ، فهو أمر يمس باللغة العربية و أساليبها الراقية و تعابيرها الجميلة ، و لا عيب أو نقصان في حق الإناث إن كان الخطاب بصيغة المذكر فالكل معني بما جاء فيه .

فعند قولنا : ( أولياء التلاميذ ) فذاك يعني 

( الأمهات و الأباء و الوصاة الشرعيين عليهم ).

و عند قولنا : ( يا معشر الناس ) فذاك يعني 

( يا معشر الرجال و النساء ) .

و عند قولنا : ( أيها المواطنون ) 

فإنها تجمع المواطنات و المواطنين ، و لا داعي لهذا الفرز الذي ينقص من جمالية اللغة العربية و بلاغتها و رصانة أساليبها .

تهنئة خاصة

              🌹🌷  تهنئة 🌷🌹


         ببالغ الفرحة و الابتهاج تلقيت خبر الخطوبة التي قرر ابننا الخلوق الوسيم حمزة دحو ابن أخي 

و صديقي عبد الحفيظ دحو أن ينهي بها مرحلة العزوبة ، و يبدأ مرحلة جديدة تدخله قفص الزوجية و هو على أتم استعداد لتحمل مسؤوليتها

بحزمه و عزيمته و نبل أخلاقه ، و الحقيقة أنه

جمع فيه من مكارم الأخلاق كل ما تتمناه زوجة في زوجها .

و بهذه المناسبة السارة السعيدة أسأل الله جلت

قدرته أن يجمع بينه و بين زوجته في كل خير ،

و أن يجعل بينهما مودة و رحمة دائمتين ، 

و أن يرزقهما الذرية الصالحة ، إنه على ما يشاء قدير و بالإستجابة جدير .

                              

                          🌱  أخوكم  زايد وهنا  🌱

أدوية قاتلة

 أدوية قاتلة


          لعل أكبر خطإ ارتكبته الحكومة في حق التعليم ، و الذي سيقضي على ما تبقى من بصيص أمل في إصلاحه هو تمديد سن التقاعد إلى ما فوق الستين ، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال لأستاذ قضى أربعين سنة أو أكثر أن يبقى بنفس الحماس و العطاء و المردودية المرغوبة ، لأن مهنة التعليم بالخصوص شاقة و متعبة تستنزف قوى الأستاذ البدنية 

و النفسية و العقلية .

و قرار التمديد هذا صراحة هو آخر مسمار يدق في نعش التعليم ، إذ بموافقة النقابات عليه ، و سكوت الشغيلة التعليمية ، تم وأد أي خطة للإصلاح و الخروج به من الأزمة التي أرقت و تؤرق مضجع الغيورين عليه .

لماذا لا يمكن تمديد سن التقاعد في هذه المهنة بالخصوص ؟ 

لأنها و بكل موضوعية تعتبر المهنة الأكثر مشقة و صعوبة بالنسبة للمهن و الوظائف الأخرى . 

ذلك أن الأستاذ يتحمل مسؤولية تربية و تعليم عدد كبير من التلاميذ ، يختلفون من حيث الذكاء و الطباع حسب نوع التربية التي تشبعوا بها في أسرهم و بيئاتهم ، لذلك هو ملزم بأن يكون قدوة لهم في كل شيء في سلوكه و نظافته 

و هندامه ، لا يمكنه مغادرة قسمه إلا لظرف قاهر ، لا يليق به أن يأكل أو يشرب أمامهم ، يراقب جيدا تصرفاته حتى لا يصدر منه ما يتنافى و أصول التربية الحسنة ، داخل المؤسسة و خارجها مما يجعل عليه حصارا يحد من حريته الشخصية ، فهو يحسب ألف حساب قبل أن يقدم على أي تصرف ، و لا يقدم عليه حتى يتيقن بأنه لا يخل و الرسالة السامية الملقاة على عاتقه ، تجده يصل النهار بالليل في التحضير و التصحيح ، فهو  المربي و المرشد و المصلح الاجتماعي و الطبيب النفساني و الحارس الأمين على سلامة تلامذته ، يدرس و يمتحن و يصحح و يقيم و يقوم 

و يتدارك التعثرات و يتواصل مع الأسر ، يساعد من ماله الخاص المحتاجين من التلاميذ ، يقتني من ماله الخاص بعض لوازم العمل و وسائل الإيضاح و غير هذا كثير من المهام التي تثقل كاهله و لا تظهر للعيان . 

بينما الوظائف المدنية الأخرى لا تشترط في موظفيها ذلك الالتزام و الانضباط و الحرص الشديد الذي يطوق الأستاذ ، فأي موظف يمكنه الحديث مع زميله أثناء العمل و قد يضع على مكتبه فنجان قهوة يرتشف منه من حين لآخر ،

و قد يتوقف عن العمل متى شعر بالتعب فيضع القلم 

و الأوراق أمامه على المكتب ، و يأخذ لنفسه قسطا من الراحة ، و ليس هناك من يحاسبه عن ذلك التوقف ، كما يمكنه أن يغادر مكتبه إلى مكتب آخر لغرض أو بدون غرض ، له الحرية في ارتداء ما يرتاح فيه من لباس ، لا يجد حرجا في التفوه بأي كلام مع زملائه و المزاح معهم  ، ماداموا كلهم كبارا و ليس معهم أطفال ، كل شيء لديه متوفر لا يقتني شيئا من ماله الخاص .

و غير ذلك من أمور هي مسموحة للموظفين عموما و لكنها ممنوعة على الأستاذ الذي هو تحت المجهر مراقب من طرف تلاميذ المؤسسة في الصغائر قبل الكبائر و في خارج المؤسسة قبل الداخل . و لا يقتصر الأمر على مهمته التربوية بل تتعداها إلى الحياة الاجتماعية مع الناس بحيث يحاسب على كل تصرف صدر منه و لو كان طفيفا و يعاتب عليه لا لشيء إلا لأنه أستاذ ، بينما لا أحد يعلق أو يعاتب موظفا في قطاع آخر و لو صدر منه ما هو أبشع مما صدر من الأستاذ .

فكيف بمن قضى أربعين سنة أو أكثر في التربية و التعليم  على هذه الوتيرة الملتزمة أشد الالتزام و المقيد بشروط الاستقامة في كل شيء أن يمدد في سن تقاعده إلى ما بعد الستين ، دون مراعاة لظروفه الصحية و النفسية ، إنه لظلم كبير في حقه و في حق التلاميذ الأبرياء و عائق أمام أي إصلاح يتمشدقون به .

الحكومة تبرر موقفها بالعجز الذي يعرفه صندوق التقاعد ، 

و لم تجد حلا لهذه المعضلة إلا على حساب صحة و جيوب رجال و نساء التعليم ، و هذا حيف كبير و تحطيم لمعنويات المدرس فالقانون المعمول به و الذي على أساسه التحق

المدرسون بهذه المهنة هو الإحالة على التقاعد عند بلوغ سن الستين ، و الغريب في الأمر أن النقابات وافقت على قرار الحكومة رغم أنها تعرف تمام المعرفة أن هذا التمديد إجحاف في حق رجال و نساء التعليم و ضربة قاضية للمنظومة التربوية .

و الواقع أنه كان من الواجب على الحكومة أن تدبر أمورها بمراقبة و محاسبة القيمين على هذا الصندوق قبل وقوع الكارثة ، أما و أنها لم تفعل فلتبحث عن حلول بديلة لتمويل الصندوق دون اللجوء إلى هذه الحلول الترقيعية التي لا تزيد وضع التعليم  ببلادنا إلا انحطاطا و تسير به من سوء إلى أسوأ .

فأي إصلاح هذا الذي ينادون به ، و هم ممن ينطبق عليه المثل العامي المغربي الذي يقول :

 ""  جا  يبوسو  و  عماه "" 

أو "" جا  يحبو  و  عماه "".

            خلاصة القول أن قطاع التربية و التعليم ببلادنا

يعاني من أمراض خطيرة ، ظهرت عليه أعراضها منذ عقدين من الزمان ، و مما زاد حالته سوءا و خطورة هو أن الساهرين على علاجه لم يلتجئوا إلى التحليلات المخبرية و التشخيص الدقيق لحالته و لكنهم و بكل عشوائية يمدونه بأدوية

و مسكنات لا علاقة لها بمرضه ، فازدادت حالته خطورة 

و دخل في غيبوبة ، مما استوجب نقله على وجه السرعة إلى غرفة الإنعاش .

فهل يا ترى سيتم تشخيص حالته بدقة و توصف له أدوية ناجعة ليستفيق أم سيبقى طرح الفراش في غيبوبته إلى أن يسلم الروح إلى بارئها .