دعيت ليتني ما دعيت
دعاني أحد أعضاء الجمعية الثقافية بمراكش مشكورا لحضور حفل قراءة في ديوان شعري جديد لإحدى الشاعرات ، و ما دام الرجل يعلم من خلال أنشطة سابقة اهتمامي و ولعي بالشعر و الأدب عموما ، فقد
رآها مناسبة لدعوتي ، و من باب الصواب أن أجيب من
دعاني .
استقبلني الرجل بحفاوة بالغة و طلب مني الجلوس في
الصف الأمامي المخصص لثلة من المثقفين و المهتمين.
صعد المنصة ثلاثة رجال و امرأة ، و اتخذ كل منهم المقعد المخصص خلف اسمه المكتوب بخط بارز أمامه ،
و إلى جانبهم تجلس الشاعرة المراد قراءة و توقيع ديوانها الشعري .
وزع القيمون بعض النسخ على الجالسين بالصف الأمامي ، و كنت ممن استلم نسخة من هذا الديوان قصد الاطلاع و تتبع مراحل القراءة .
افتتح الحفل بالمألوف في كل نشاط ، ثم شرع السادة المكلفون بإبداء مداخلاتهم و ملاحظاتهم حول الديوان ،
بحيث تولى كل منهم جانبا من الجوانب الفنية
و الإبداعية للقصائد الشعرية الواردة في الديوان ،
و من خلال الاستماع لمداخلاتهم لاحظت أن كلا منهم
يمتدح العمل الأدبي لهذه الشاعرة و يشيد بهذا المنتوج الأدبي الفريد من نوعه في نظره ، و لا واحدا منهم
انتقد منه شيئا أو اختلف مع الشاعرة في رؤاها
أو أسلوبها ، في الوقت الذي كانت هي فيه تنتشي
بأرائهم و تظهر نوعا من الفخر و الاعتداد بالنفس ،
و كيف لا و هم يمتدحون عملها دون أن يبدوا ما يستنقص من قيمته الأدبية .
أما أنا فقد كنت أستمع لمداخلاتهم و في نفس الوقت كنت أتصفح الديوان لأقارن بين ما جاء في المداخلات
و ما ينطوي عليه الديوان ، و الحقيقة أنني لم أشم
رائحة الشعر في قصائدها ، و لم ألمس فيها إبداعا
و لا جمالية و لا جرسا على الإطلاق ، كلام ألقي على
عواهنه مليء بالأخطاء النحوية و الإملائية ، كلمات
وظفت في غير مواضعها ، أساليب ركيكة جدا توحي
بجهل صاحبتها و عدم تمكنها من اللغة العربية و آدابها
و قواعدها .
على أي ما كانت عندي هي الملومة بقدر ما لمت هؤلاء
الأربعة الذين أكثروا المديح من غير تمحيص و لا غربلة
للهراء و اللغو الذي كتبته هذه الشويعرة بل الشعرورة
و هنا حضرني بيت شعري لأحدهم إذ يقول :
سموك شعرورا فما أنصفوا
فياليتهم سموك بعرورا
و مما زاد الطين بلا حين طلب منها أن تتحف الحاضرين بقصيدة أو قصيدتين من ديوانها عفوا من
قمامتها ، فقامت في انتشاء و عجرفة ، و طفقت تنهق
بكلام لا هو بالشعر و لا بالنثر ، ينصب فيه الفاعل
و يرفع فيه المفعول ، عبارات و ألفاظ لا ترابط
بينها ، مجرد لغو يستحيي الإنسان أن يسميه شعرا .
الطامة الكبرى هو أن الشخص المسير لهذا المأتم
الثقافي فتح باب المداخلات في وجه الحاضرين ،
عندئذ لاحظت أن صاحبي الذي دعاني ينظر إلي
و كأني به يريد مني أن أدلي بكلمة في حق الشاعرة
و هو الأمر الذي لن أقبله ، لأنني سأجد نفسي بين
مطرقة النقد البناء و سندان التملق و النفاق ، لذلك
قررت أن أغادر المكان تحت أي ذريعة تجنبا لأي
موقف محرج مخجل قد أضع فيه نفسي ، وضعت النسخة بل الوسخة التي كانت بين يدي ، و بدأت أتململ في مكاني باحثا عن مخرج مما أنا فيه ،
و لحسن حظي رن هاتفي فخرجت من القاعة مسرعا
و الهاتف في أذني حتى يعلم صاحبي أنني مضطر للمغادرة ، و ما أن رأيت وجه السماء حتى انطلقت أعدو نحو سيارتي ، و أنا أردد : دعيت ليتني ما دعيت .