💣حشف و سوء كيل💣

بسم الله الرحمن الرحيم
 حشف  و سوء  كيل
قد تظن عزيزي القارئ أو المستمع أن ما أكتبه هو من باب المبالغة و المزايدة ، غير أنه الحقيقة وكأنك تراها بأم عينيك ، و لا يمكنني أن أخون ضميري و أعرض نفسي لغضب الله افتراء و كذبا ،بل هو الواقع المرالذي ابتلينا به ، و لشدة مرارته ألتمس لك العذر إن لم تصدقه ، فأنا نفسي ما زلت مدعورا متعجبا ، إذ سأخبرك عن إنسان ليس فيه من الإنسانية غير الإسم و الصورة ، أما ما سوى ذلك من القيم النبيلة و المبادئ السامية ، فلا تعرف إلى نفسه سبيلا ، و أنى لها أن تلتمس طريقها إليه و قد عجت ثناياه بكل ضروب الرذائل و النقائص ، التي تأبى حتى الحيوانات العجماء من أن تتصف بها ، و يخجل الحمقى عن فطرة من الإتيان بمثلها ، و الأمر هو عندما تجمعك بهذا الصنف الهمجي ظروف العمل التي تحتم عليك رؤيته و التحدث إليه و لو على مضض ، فتشعر في قرارة نفسك بخزي و كأنك تقترف جريرة عظيمة ، و الأدهى من هذه المرارةهو أن يكون مثل هذا المستبد في مركز المسؤولية ، و هي مسؤولية لا يدركها إلا المتمرسون المحنكون ، و مما يزيد الطين بلا إذا كان القطاع الذي يجمعك به قطاعا حساسا يتطلب إلى جانب التمرس و الحنكة ،القدوة والكفاءة والإخلاص والتواصل و هي التي ينعدم وجودها في قاموس صاحبنا حتى اقتنع الجميع أن تولي مثل هؤلاء هكذا مناصب يعتبر من علامات الساعة ، و رغم هذه و ذاك نتناسى و نغض الطرف سترا لأعراضنا ظنا منا أن مقابلة الإساءة بالإحسان قد تشفي مرضه العضال و تغير شيئا من واقعنا البئيس ، فترانا نتصنع الإبتسامة المزيفة الباهتة عسى أن تتحرك عجلة العمل ، فيعتد هو بنفسه ، مزهوا بضعفه ،  مفتخرا بجهله ،متطاولا على أسياده ،و نسي الطين يوما أنه طين ، بل نسي الدرن يوما أنه درن فلا يسعك إلا أن تقول ما قاله الشاعر عمر أبو ريشة :
أمتي  كم  صنم  مجدته  *****     لم يكن يحمل طهر الصنم
ولو أن كل المسؤولين في هذا القطاع على شاكلته –وهذا غير ممكن إذ يستحيل أن تجد لهذا الخسيس شبيها – فكبر على هذا القطاع أربعا و اقرأ الفاتحة ترحما عليه، فقد ضاع العلم و المتعلم، و لعل من أسباب انحطاط المستوى وجود مثل هؤلاء المخبولين فيه، فكان قليلا ما يبدي ظاهرا متبلجا نفاقا و تلاونا ، و يضمر باطنا متجهما ، فيذكرك بقول الشريف الرضي :
     فأبدى كروض الحزن رفت فروعه  ***  وأضمر كالليل الخداري مظلمـا
     ولو أنني كشفتــــه عن ضميـــــره  ***لأقمت على ما بيننا اليوم مأتما
و كم كانت المآتم كثيرة و متكررة ، حتى فاح ريحها النتن ، و انتشر زكمها في كل الأوساط إذ لم يبق من لم يصله من عفنها نصيب ، فقام بعض الغيورين من ذوي البر و أولي النهى ناصحينا واعظين إياه ، لكن سرعان ما انصرفوا يائسين بعدما تبين لهم أنه لا و لم ولن يتعظ و يتراجع عن غيه ، و سألوا الله لنا الصبر و السلوان و انقطعوا حتى من زيارتنا على غير عادتهم  من قبل ، وكيف يتعظ من لم تنهاه صلاته ، إذ في مثله يقول أحمد شوقي :
قالوا و خير القول رأي العارفين *** مخطيء من ظن يوما أن للثعلب دينا
كل هذا و لا فكر صاحبنا يوما في مراجعة نفسه و مجاهدتها على نبذ الشر و الخبث اللذان استحوذا عليها ،عساه يستجلب بدلهما الخير و السعادة رحمة بنفسه و بمحيطه و صدق الشاعر حين قال :
وكم صاحب كالرمح لانت كعوبه *** أبى بعد طول الغمــز أن يتقــوم
قال بعضهم ليس من العيب أن يعرض المريض نفسه على طبيب بل أطباء نفسانيين لعلهم يحرروا  و لو جزءا يسيرا من عقده المرضية ، غير أنني أعلم علم اليقين أنهم و لو اجتمعوا سيحارون في تحليل شخصيته، بل سيعجزون أمام هذه الظاهرة البشرية المعقدة و سيستسلمون لا محالة،إذ لم يسبق لهم أن رأوا مثلها عند البشر و أي أدوية مهما كانت فعاليتها لن تجدي نفعا في مثل هذه الحالة المستعصية.
أما أنا و بعد عدة محاولات يائسة فقد سقط من عيني، و أصبح أرذل الناس في نظري و كان رأس ما أرذله عندي خبثه و مكره ونفاقه و كبره،و هي نقائص أورثها إياه الجهل، فلا يقبل ما لا يفهم ولا يعترف إذا أفهمته ، بل يتعالم فيما يجهل ، و لا يحقق شيئا مما يدعي أنه يعلم ، فهو أشبه بالدخان يعلو تجبرا و هو وضيع ، لذلك كنت أقصد العمل و رجلاي لا تطاوعاني ، أبتسم لمن يلاقيني مكابرة علي أخفي عن الناس توتري، لا الناس تعرف ما خطبي فتعذرني و لا سبيل لديهم في مواساتي، فتورت الصدور غيظا و تجرعت الأنفس غصة، حتى قال بعضهم إنكم طيبون مجدون ، فلم توانيتم في مواجهة هذا السرطان ، لله درهم و كيف تواجه سفيها أسندت إليه الأمور من غير أهلية و لا استحقاق ، إذ لم يكن شيئا مذكورا من قبل و لا من بعد ، فاعتبر المنصب تشريفا لإرضاء غواية نفسه لا تكليفا للقيام بالواجب على الوجه المرغوب ، و كيف تواجه من لم يصن عرضا و يخشى خلقا و يستحيي مخلوقا ، فأصبح الأمر كما قال الشريف الرضي :
كعضو رمت فيه الليالي بفـــادح *** و من حمل العضو الأليـم تألم
 إذا أمر الطب اللبيب بقطعـــــــه  ***  أقول عسى ظنا به و لعلــــــم
     دع المرء مطويا على ما ذممته ***  ولا تنشر الداء العضـال فتندم
و هكذا اجتمعت و تأصلت فيه مساوئ الخلق ، فأضحى الإنتقام غايته في إثبات الذات ضعفا لا غلبة ، إذ أفة الشر لا تغدو تفارقه ، و عنتريته البلهاء حتى مع الأطفال كالهر يحكي انتفاخا صورة الأسد ، ثم ما يلبث أن يجد نفسه في مأزق بجهله و اندفاعه ، فيتلجلج في حبائله و يتلمس الخلاص لنفسه متوسلا تارة و مستعطفا أخرى ، و ما ينفك يخرج من الشرك حتى يستأسـد مرة أخرى ، و قد نسي البليـد خضوعـه بمذلـة و احتقار في موقف الأمس ،أما فيما يخص العمل المجدي و المصلحة الفضلى التي وضع من أجلها ، فلا يهمه منها إلا ما يفرض عليه قهرا و إلزاما من الجهات العليا خوفا لا حبا في الجد ، هذه الجهات التي لا يهمها هي الأخرى إلا أن تسد الخصاص و تملأ الفراغ بمن يناسب و من لا يناسب ، و ما عدا ذلك فهو المتهاون المهمل المتغيب في أغلب الأحيان بعد أن سد جميع الأبواب و احتجز كل الوسائل المساعدة في العمل فأصبحت ملكا خاصا له يتصرف فيها كيف يشاء ، و كما يحلو له دون رقيب، و من غير أن يستفيد منها الذين وضعت من أجلهم.
لمثل هذا يذوب القلب من كمد *** إن كان في القلب إسلام و إيمان
و لاأخفيك عزيزي القارئ ، أنه في أحيان كثيرة نتساءل : أي ذنب اقترفناه لنبتلى بهذا الوضع الغير المريح ؟، اللهم إن كان هذا ابتلاء منك فنحن به راضون و لقضائك خاضعون، فقد ضقنا ذرعا و قاسينا ما فيه الكفاية للتكفير عن أي جرم ارتكبناه ، فارفع عنا مقتك ، إنه من شر ما خلقت و اجعل لنا من أمره مخرجا ،إنه لا حول لنا و لا قوة إلا بك ، إنك تعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور، و اختتم بهذه الأشعار في انتظار أن يجعل الله من أمره يسرا :
    أنا الذي ضاع لي عامان من عمري *** باركت وهمي و صدقت افتراضاتي
عامان ما رف لي لحن على وتـــــــر *** ولا استفاقت على نور سماواتــــــي
أعتق الصبر في قلبي فأعصـــــــــره *** فيورق الشوك ينمو في حشاشاتـــــي
لو أردت المراكز ما استعصت علــي *** و لكن حب العلم و التعلم غاياتــــــي
خانك  التكليـــف  فاستسمنت  ذا ورم ***أم غرك المركز الخداع هيهــــــــات
من لي بحذف طيفك المسخ من خلدي *** إذن ستمسي بلا ذليل قصيداتــــــــي

ليس من شيمي أن أذكر عيوب الناس ، لأن لي عيوبي ، غير أن العيوب إذا استفحلت و وصلت الحد الذي لا يطاق ، فإنها تتفجر و لو على الورق ، و أنا  أكتبها فإن نفسي تتمزق إربا إربا إذ طالما تمنيت أن أكتب العكس تماما ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، فالذنب على من كان سببا في كتابتها و لو شاء الله أن يغير سلوكه الى الأحسن لكنت أول المهنئيين المسرورين و أعدك عزيزي القارئ أن أكتب مقالا مفصلا عن فضائله ،  و لكن لا أظنه يتغير، فقد صدق من قال  : " من شب على شيء شاب عليه " ، وكما يعرف الكل أن الدنيا مآلها إلى الزوال ، و أن حالها لا يدوم على شأن ، و أن الفراق محتوم بين الناس ، و ليس لك من الدنيا حيا كنت أم ميتا إلا الذكر الحسن ، فازرع ما يذكرك به الناس فهو رأسمالك منها .
    و عاشر الناس بخلق حسن  **** تحمد عليه زمن التفــــــرق
اللهم بصرنا بعيوبنا و اجعل التواضع سبيل تعلمنا يا أرحم الراحمين يا رب العالمين
و صلى الله و سلم و بارك على من هو على خلق عظيم و آله و صحبه و من سار على نهجه إلى يوم الدين .
              و السلام عليك أخي القارئ و رحمة الله و بركاته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق