🛇حلقة مفرغة🛇

***   حلقة مفرغة   ***
لا تكاد تمر لحظة دون أن أتلقى تهنئة من أحد المعارف بحلول السنة الميلادية الجديدة مع متمنياته أن تكون سنة حب و سلام و أمن
و رخاء ، فلا يسعني إلا أن أتقبل التهنئة و أنا ملزم بردها و لو على مضض محاباة و مراعاة لشعور المهنئ و حفاظا على العلاقات الاجتماعية الطيبة التي تجمعني بالكثير منهم ، و لا أخفيكم سرا أن شعورا غريبا ينتابني و أفكارا تتزاحم لتفضي عما يختلجني من أحاسيس غير أني أكتمها و أكبتها حتى لا يظن أحدهم أنني صددت الباب في وجهه ، عندها أكون قد أسأت الأدب و درأت مفسدة صغرى بمفسدة كبرى قد يترتب عنها فساد العلاقات الاجتماعية علما أن هذه العلاقات فوق كل اعتبار ما دامت  تربطني بأصدقاء طيبين ، لهذا لم أجرؤ أن أبوح بأحاسيسي إلا لأحد الأصدقاء المقربين الذي طالما صارحته بأشياء كثيرة و لم يحدث قط أن عاتبني أو اتخذ موقفا سلبيا اتجاه علاقتنا ، كان يتفهم و يتقبل بكل أريحية بل كان يشاطرني الرأي في كثير من المواقف ، لهذا قررت أن أفتح له قلبي و أطلعه عما يؤرقني و أنا أسمع عبارة
 " سنة سعيدة " ،
و كم تمنيت و أتمنى لو استبدلنا هذه الجملة ب
" حياة سعيدة "
و لا يهنئ بعضنا بعضا بها إلا إذا جعلنا الحياة حقا سعيدة في أعين الجميع .
كيف نريد من السنة أن تكون سعيدة إذا لم نسعدها نحن ، تمر علينا الأيام و الشهور و الأعوام و تتقلب الفصول بين حر و قر و اعتدال و نحن لم نغير من أنفسنا شيئا ،
 كيف نطلب من الزمن أن يكون سعيدا و يسعدنا ، و كيف يليق بمثلنا أن يحتفل برأس السنة ، و هي لا رأس لها و لا ذيل هي مجرد أيام متشابهة تتوالى و تمر و نحن في غفلة من أمرنا ،  و لا فكرنا يوما أن  نأخذ بأسباب السعادة ،
أمتنا العربية تعيش التخلف و التقهقر في جميع المجالات ، حروب هنا و هناك ، دماء الأبرياء تسفك ، تفرقة و تشردم بين قاداتها و أحزابها ،
 من أين لنا بالسعادة و الفساد قد استشرى و أصبح مباحا نتباهى به و نحقق به المصالح  الشخصية دون أن نستحضر الخوف من عذاب الله و تأنيب الضمير الذي أماته الجشع ...
 كيف نسعد و البطالة تزداد يوما بعد يوم و حالات الانتحار تتضاعف و ظاهرة التسول في تزايد مستمر و الحمقى و المجانين يملؤون الأزقة
 و الشوارع ...
كيف نسعد و جميع القطاعات تعاني الأزمات
و التدني في الخدمات ...
كيف نسعد في بيئات انتشرت فيها الخرافة
 و الشعودة بشكل ملفت ، و انساق الناس شبابا
 و كهولا وراء التفاهات و سفاسفة الأمور ، يرفعون من شأن التافهين و يحطون من قدر المجدين ...
كيف و كيف و كيف .....
ألسنا نحن السبب في كل ما جرى و ما يجري لنا
و علينا ، فكيف نطلب من سنة هي كسابقاتها
و كلاحقاتها أن تكون سعيدة و نحن على ما نحن عليه ، ألم يان لنا أن نجمع كلمتنا في كل الأقطار العربية و الاسلامية و ندع النزاعات العرقية
والطائفية المصطنعة ، و ننهض بتعليمنا كركيزة أساسية لكل تقدم إذ بدون تعليم هادف و ثقافة راقية و أخلاق فاضلة لا يمكننا أن نتقدم خطوة واحدة الى الأمام ، و نرتقي  بجميع القطاعات الأخرى كذلك بنفس الجدية  ، و نقر العدل
و المساواة و نضمن العيش الرغيد في أمن و آمان لكل مواطنينا ، و نأخذ بيد الأيتام و الأرامل
 و المسنين و الحمقى فنمسح دموعهم و نوفر لهم ملاجئ تليق بهم ينعمون فيها ما داموا أحياء ...
 و ، و ، و .....
و باختصار نجعل كرامة المواطن فوق كل اعتبار ، أظن أنه لو تحقق هذا كله أو جله  لتكلمت السنة بلسان حالها  و قالت لنا :  " إنسان سعيد "
 عوض أن نقول نحن :     " سنة سعيدة "
  عندئذ نكون فعلا كما قال سبحانه و  تعالى :
 "  كنتم خير أمة أخرجت للناس ...."
لأننا أخذنا بالأسباب و بجواب الشرط الوارد في الآية الكريمة :
 " تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر " .
           ختاما أوصي نفسي أولا و أحبتي و أبناء وطني و كل عربي مسلم بأن نغير سلوكنا
 و نستيقظ من سباتنا ، فقد نمنا ما فيه الكفاية  ،
 و نعترف بعيوبنا و ضعفنا و نحاول أن نتجاوزه بالجد و العمل الصالح و ننافس بكل ما أوتينا من قوة لنجعل لأنفسنا مكانة في مصاف الدول الرائدة ، و نسترجع عزتنا و هيبتنا التي تعفرت بالتراب ، و نرتقي سلم الحضارة خصوصا و أن شعوبنا لا ينقصها الذكاء فأدمغتها المهاجرة
و طاقاتها الفكرية تسير و تدبر قطاعات هامة في أعتى الدول رقيا ، و هذا ليس بالعزيز علينا إذا عقدنا العزم و تجردنا من الأنانية و جعلنا المصلحة العامة فوق كل اعتبار ، لأن الله وعدنا إن علم في قلوبنا خيرا يوتينا خيرا ، و لعمري ذاك هو الاحتفال الحقيقي الذي يسعدنا في دنيانا و أخرانا .

⚀ألا نخجل من أنفسنا⚀

ألا نخجل من أنفسنا
ألا نخجل من أنفسنا إذا كنا ندعي أننا نسعى لتربية أبنائنا تربية حسنة و تعليمهم العلم النافع و نحن أنفسنا نشجع التفاهات و نعلي من شأن التافهين عبر وسائل الاعلام و عبر المواقع التواصلية و نجعل منهم قدوة لأبنائنا ، في حين نتجاهل الأعمال الجادة و نهمش أصحابها و كأن عصرنا لم يعد في حاجة الى مفكرين و مخترعين و مكتشفين و أئمة و أدباء ، علما بأن مثل هؤلاء هم سر تقدم الأمة و رقيها ، و لعل ما نراه سائدا بين شبابنا من تقليد للتافهين و محاولة السير على نهجهم لدليل قاطع على طفو التفاهة و السفاهة حتى أضحت هي الغاية الكبرى و الهدف المنشود لدى السواد الأعظم من شبابنا ، و لعل كذلك عدم إقباله على الدراسة و التحصيل المفيد هو ثمرة هذا التوجه العفن ، فكيف نرتقي بتعليمنا رغم المجهودات المبذولة و نحن نسوق عبر قنواتنا للتفاهة في الأدب الرديء و الغناء الساقط و الرقص الماجن و غير ذلك مما يخدش الحياء و يميت المواهب الجادة و الأدهى أننا نشيد بأصحابها و كأنهم أبطالا حققوا ما لم يحققه غيرهم ، ألسنا مسؤولين أمام الله و أمام ضمائرنا عن مآل هذه الأجيال التي زغنا بها عن جادة الصواب و ضللناها في فيافي الجهل.
أليس من الأجدر و المفيد لأنفسنا و لمجتمعنا زرع روح المنافسة في كل ما هو هادف و نافع و نشجع الطاقات الواعدة و ندعمها بما أوتينا من إمكانيات في مجالات العلوم و الآداب و الفنون و لا نقبل من أحد كيفما كان أي عمل غير متقن ، و غير منضبط لضوابط الشرع و العقل و الملكة الابداعية ، فلا ننشر إلا القصائد الشعرية الرائعة ذات المعاني الراقية و لانستمع إلا للأغاني الجميلة ذات الكلمات الهادفة و الألحان الرائعة و الأداء المتزن الرزين و ننبذ السفاهة و التفاهة و لا نقبلها من أصحابها و لا نفسح لهم مجالا لتداولها ، و بذلك نكون قد أغلقنا منافذ التفاهة و فتحنا منافذ الجد و التباري فيه ، و نثمن المجهودات المثمرة التي تعود على شبابنا بالخير العميم و على أمتنا بالتقدم و النماء .
ماذا نرتجي من شباب يدرس في الجامعات و الثانويات يجهل دينه و تاريخه و لا يعرف شيئا عن علمائه و مفكريه و لا يحسن التحدث بلغته العربية و لا بلغات أخرى و لا يتقن مجال اختصاصه ، في حين تجده ملما بسير المغنيين و المغنيات و الراقصين و الراقصات و اللاعبين و أنواع الوشم و آخر صيحات قصة الشعر و غيرها من سفاسفة الأمور .
فإذا كنا نريد حقا الرفع من مستوى تعليمنا فينبغي أن ننتقي له من الطلبة نوابغهم و نكونهم تكوينا بيداغوجيا و معرفيا تاما يلائم مجال عملهم حتى يتمكنوا من تربية و تعليم الناشئة تعليما قيما فيتخرج على أيديهم طلبة على جانب كبير من التربية و المعرفة التي يتطلبها العصر و التي تنافس الدول التي تعتبر نفسها رائدة في مجال العلم و أكثر تحضرا من غيرها ، فالإنسان العربي معروف بذكائه منذ القدم و التاريخ يشهد بذلك ، فعلماؤنا قديما أبهروا العالم بعلومهم في كل المجالات ( الفقه ، الشعر ، النثر ، الفلسفة ، الرياضيات ، الكمياء ، الهندسة ، الطب ، الفلك ....) و قد استفادت أمم أخرى من علوم العرب و طورتها و شجعت البحوث و البعثات و سارت في الاتجاه الصحيح في حين تخلى العرب عن ريادتهم و انشغلوا بالتوافه من الأمور و أصبحوا يتذيلون الأمم بعد أن كانوا يترأسونها .
ألم يان لنا أن نستيقظ من سباتنا العميق و من لهونا و انشغالنا بالتفاهة و تهزنا الغيرة على ديننا و عروبتنا و أوطاننا فنضع لأنفسنا أهدافا مضمونا نجاحها و نضحي بالغالي و النفيس من أجل تحقيقها حتى إذا وافتنا المنية نفارق هذه الدنيا و نحن مطمئنون على أبنائنا و حفدتنا بل على خلفنا عموما ، أما إذا استمر الوضع على ما هو عليه فلا نراه إلا سائرا نحو الهاوية و لن يذكرنا التاريخ و لا الأجيال الآتية إلا باللعنات فلا نحن رغذنا في دنيانا و لا نحن ربحنا أخرانا ، فلا حول و لا قوة إلا بالله .