✏ لماذا لا نستغرب كما استشرقوا ✏
كان قطارنا حتى نهاية الخلافة العباسية و ما بعدها بقليل يسير سيرا حثيثا على سكة ثابتة متينة تقوده قاطرة القيم الإنسانية النبيلة التي تجر خلفها عربات الرياضيات
و الهندسة والطب و الفلك و الفلسفة و الفقه و الأدب ، و كان في كل عربة من هذه العربات أعلام برعوا في هذه العلوم
و الفنون و ذاع صيتهم في مشارق الأرض و مغاربها ؛
في حين كان قطار الغرب المهترئ متخلفا عن قطارنا كثيرا يسير سيرا بطيئا كالسلحفاة إذ كانت تقوده قاطرة الكنيسة العمياء تجر خلفها عربات الصكوك و الاقطاعيةوالعبودية
و العنصرية و الفساد الأخلاقي و كان من بين ركاب قطارهم قلة قليلة من المفكرين الذين لاحظوا ابتعاد قطارنا عنهم بمسافة كبيرة ، فاستنهضوا هممهم و ثاروا على الكنيسة فأزاحوها عن قيادة القاطرة و استبدلوها بالعقل و كلفوه بالقيادة و كان لزاما عليهم أن يستبدلوا عربات القطار كلها لتتوافق مع العقل ، و أن يضعوا سكة من معدن الحرية
و الديمقراطية و العدل و كرامة الإنسان و هو ما حتم عليهم الانفتاح على علوم و آداب القطارات الأخرى و خصوصا القطار العربي الإسلامي الذي كان آنذاك يشق طريقه في المقدمة نحو المجد . فأوكلوا مهمة الاطلاع و الاستطلاع
و نقل العلوم إلى فئة من مثقفيهم هم المستشرقون الذين كرسوا حياتهم لهذه الغاية ، و شيئا فشيئا تم لهم ذلك إذ انهالوا من علوم الخوارزمي و الرازي و ابن سينا و ابن النفيس و جابر بن حيان و ابن رشد و الغزالي و الفرابي
و غيرهم كثير في مختلف العلوم و الفنون و عملوا على تطبيقها و تطويرها فازدهرت بذلك كل قطاعات الحياة العلمية و الصحية و الاقتصادية و الاجتماعية عندهم ،
و ما هي إلا مدة من الزمن فإذا بقطارهم يتجاوز قطارنا و قد صار يطوي المسافات كلمح البصر ، غير أنهم بسوء نيتهم
و مكرهم تركوا عربة في مؤخرة قطارهم خصصوها لأولئك القلة من الأفراد الأغبياء في مجتمعاتهم الذين انساقوا وراء المجون و التفاهة و الانحلال .
أما قطارنا نحن فبموت أولئك العلماء أصبح بطيئا جدا لا يكاد يسمع له هدير ، فقد فرطنا فيما تركوه لنا من علوم و لم نكلف أنفسنا عناء البحث فيها و تطويرها ، بل انبهرنا بسرعة قطارالغرب الذي مر بقربنا مسرعا ، و لسرعته الفائقة لم نر منه إلا العربة الأخيرة حيث يوجد التافهون الفاسدون المنحلون ، فحسبنا أن تلك التفاهة و ذلك الفساد و الانحلال هي أسباب سرعته و تطوره ، فما كان منا إلا أن قلدنا ما رأيناه في مؤخرة قطارهم ظنا منا أنه السبيل في تقدمنا نحن كذلك ،
و لكن وقع عكس ما كنا نأمل إذ ازداد قطارنا بطء و تلاشت معظم قطاع غياره و اهترئت تجهيزاته و لم يعد الركوب فيه مريحا و لا آمنا ، لكثرة أعطابه التي طالما توقفنا لإصلاحها
و لكن من غير ميكانيكيين بارعين سرعان ما تتكرر الأعطاب ويدوم التوقف و تتسع الهوة .
كل هذه الفواجع التي ألمت بقطارنا كانت من فعل أيدينا لأننا استبدلنا قاطرة القيم الانسانية النبيلة بقاطرة الفساد ، و استبدلنا عربة العلم بالتفاهة و السفاهة و عربة العدل بالظلم و الزبونية و عربة الفنون بالعفون و عربة الحرية بالقمع و عربة التكافؤ بالتهميش و عربة الأمن بالخوف ، فصرنا جميعا نتلمس الخلاص لأنفسنا من هذا الوضع و لكن بآليات مختلفة و بقناعات متباينة لا تبث إلى جوهر المشكل بصلة ، حيث طغت المصلحة الشخصية إذ تم التهافت على ما يحمله القطار من خيرات مما خلق فوارق طبقية بين ركاب عرباته ، فانقسم الناس على أنفسهم و أضحى الصراع و التدافع بينهم لأسباب تافهة كالطائفية في بعض البلاد أو اللغة و اللهجة في بلدان أخرى فمنهم المؤيدين الذين يسايرون الوضع مسترزقين من فتات أسيادهم بالتملق تارة و الخضوع أخرى ، و منهم قلة معارضة ، يناضلون من أجل عدالة اجتماعية ، وبين هؤلاء و أولئك أشباه مثقفين يغردون خارج السرب ، يتعصبون للغتهم و لهجتهم و يزدرون ما عداها .
و لو افترضنا أن الشعب كله أصبح يتقن الأمازيغية نطقا
و كتابة ، هل سيغير ذلك شيئا من الوضع المزري ؟ أليس من الأجدر و الأولى أن نهتم بالبحث العلمي و نشجع العلوم التي يطلبها العصر ، فإذا كان المستشرقون قد لعبوا دورا كبيرا في نقل الكثير من العلوم من أسلافنا ، فلم لا نكون نحن كذلك مستغربين و نرسل البعثات العلمية في شتى المجالات للاطلاع و التكوين و نقل التقنيات الحديثة عند الغرب ، فنبني حضارتنا على أسس متينة خصوصا و أن الكثير من أفراد شعبنا يتميزون بالذكاء و لعل وجودهم في كثير من دول الغرب يمتهنون بها وظائف ذات صبغة علمية لأكبر دليل على نبوغهم ، و لو عقدنا العزم على أن ننافس الغرب ما عز علينا ذلك إذا وضعنا المصلحة العامة فوق كل اعتبار ونبذنا وراء ظهورنا تلك التوافه التي شغلتنا لزمن طويل و لم تزدنا إلا تخلفا .
إن قطارنا في حاجة إلى علماء و مفكرين و مخترعين لإصلاح أعطابه و ليس إلى تافهين يقضون العمر في مناقشة سفاسفة الأمور .
إذن حان الوقت لننهض من سباتنا و نتصالح مع ذواتنا
و نتشبت بعقيدتنا و نعمل بشرائعها ، و نجعل العلم و الجد
و النظام و الانضباط هو شعارنا ، و لا نتعصب للغة دون أخرى فكل اللغات التي تمكننا من تحقيق نهضة علمية و اقتصادية وجب علينا تعلمها و اقتباس معارف أهلها و علومهم و العمل على تطوير هذه العلوم وفق بيئتنا و خصوصياتنا ، و لا يهنأ لنا بال حتى نرى أنفسنا في مصاف الدول القوية الراقية التي تصدر أكثر مما تستورد ، و التي لا يجرأ أحد على المساس بها خوفا من بطشها ، لأن لا مكان و لا كرامة في عالم اليوم لكل متخلف مستهلك تابع .
💼 أحلام يقظة بقلم زايد وهنا 💼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق