لعل أخطر الأمراض النفسية انتشارا و أكثرها شيوعا في أغلب أناس عصرنا ، نقيصتان اثنتان تثيران التقزز
و الاشمئزاز في نفوس الأسوياء و هما الأنانية و الطمع ، صحيح أن كل القيم الإنسانية النبيلة السامية التي يدعو إليها الدين الإسلامي و التي دأب الناس منذ القدم على التمسك بها قد انحلت أواصرها و أصبحت في نظر هؤلاء تخلفا
و رجعية ، و لكن تبقى الأنانية و الطمع لدى الأغلبية صفتين طاغيتين أكثر من غيرهما ، و لا غرو إذا صنفنا الأنانية في المقام الأول ، لأنها إذا تملكت نفس الإنسان تقوده إلى الطمع مباشرة ، و منه إلى النفاق فتراه يميل حيثما مالت مصالحه الشخصية و لو على حساب حقوق الآخرين ، و هو ما نلاحظه في المعاملات اليومية بين الناس ، لأن المبتلى بالإنانية لا يرى إلا نفسه و امتيازاتها و لا يهمه من أمر العامة شيئا إذا لم يكن له فيه مصلحة ، بل قد يمتد به الأمر إلى معارضة المصلحة التي لا يرى فيها لنفسه نفعا ، و يؤيد المفسدة إذا رآى فيها لنفسه عائدا .
و الجدير بالذكر أن هذين المرضين هما السبب الرئيس في فقدان الثقة بين الناس في كثير من المعاملات ، إذ أصبح إنسان عصرنا يشك في كل شيء من حوله و يحتاط ألا يقع في شباك النصب و التدليس ، حتى فاعل الخير أمسى مرتابا مما قد يترتب على عمله الخيري من عواقب لم تكن في الحسبان بفعل المكر و الخداع ، و هذا ما أثر سلبا على الكثير من العلاقات الاجتماعية التي كان من المفروض أن تنبني على الثقة و حسن المعاملة .
إذن بفعل الأنانية و الطمع ضاعت الكثير من القيم الحميدة
و حلت محلها النقائص و المكائد بشتى أنواعها ، و بالتالي غابت الثقة و غاب معها الهناء ، و فقد التراحم و قلت أعمال البر و الإحسان .