حب العمل مبعث الإبداع

 حب العمل مبعث الإبداع

          قرأت في تدوينة أحدهم هذه القولة :

 ( علمني أبي حرفة و لم يعلمني أن أحبها )

فأثارتني و انتابتني رغبة ملحة في إبداء رأيي المتواضع فيها ، إذ وجدت في معانيها ما ينطبق على واقعنا البئيس .

لا شك أن الكثير من الناس قد يشاطرونني الرأي و نحن نرى أن أغلب الوظائف يتقدم إليها شبابنا مكرها ، لا رغبة له فيها و لكن اضطرته الظروف لأن يلجها رغما عنه لينجو من مخالب البطالة ، هدفه الأسمى في ذلك أن يعول نفسه و أسرته .

إذن كيف تريد ممن لا يحب وظيفته أو مهنته أن يبدع فيها 

و يطورها و يعطي المردود المرغوب و قد سيق إليها مكرها مما يولد لديه عدم الاهتمام  ، و لعل أكثر القطاعات تضررا من هذه الظاهرة هو قطاع التعليم ، لكونه الأصل في صناعة الأجيال تربية و تعليما و تذوقا ، لهذا  لا يمكن لأي كان أن يبدع فيه و يفيد إلا إذا كان يعشقه عشقا جما ، و لكن الواقع الحالي يثبت عكس ذلك إلا في حالات نادرة إذ  أصبحنا نرى اليوم أعدادا كبيرة من الطلبة الذين سدت في وجوههم أبواب رغباتهم ، يلجأون إلى هذا القطاع لأنه الملجأ الأخير و المنقذ الوحيد من البطالة ، خصوصا و أن الدولة تحتاج في كل سنة إلى أعداد كبيرة لتوظيفها في هذا القطاع الحساس من مختلف الشعب و التخصصات ، بل الأغرب أن أغلب خريجي الجامعات ليسوا على ذلك المستوى الثقافي 

و الرصيد المعرفي و الاتزان الخلقي الذي يؤهلهم للقيام بمهمة التربية و التعليم ، فترى بعضهم يشارك في مباراة التوظيف في شعبة لا تتلاءم و تكوينه الجامعي ، لأنه يرى الطلب عليها كبير فيضطره هذا الخصاص لأن يجتاز  المباراة و لو في غير تخصصه ، فإذا حالفه الحظ و نجح ، تجده يعاني من عدم قدرته على تدريسها بنجاعة ، إضافة إلى أن التكوين الذي يتلقاه في أشهر قليلة لا يكفي لأن يلم بأسرار الشعبة التي اختارها على مضض ، كما أن جودة التكوين خلال هذه المدة الوجيزة لا تؤهل المتدربين للتمكن من العدة البيداغوجية ، و هذه كلها عوامل تنضاف إلى غيرها   مما لا يغرس في نفس المدرس المتدرب حب المهنة 

و إتقانها مادام يشكو تعثرا فيما أسند إليه ،  لأن فاقد الشيء لا يعطيه .

 هذا من جهة و من جهة ثانية فالسواد الأعظم من الشباب لم يختر هذه المهنة عن حب و رغبة و إنما ساقته إليها الظروف مكرها ، إذن ثمة سؤال يطرح نفسه بإلحاح :

ترى هل سيؤدي هذا و أمثاله الرسالة على الوجه الأكمل . و هل سيعطون  المردود المطلوب و النتيجة المتوخاة ؟ .

 الجواب بكل بساطة إذا كنا فعلا نروم إصلاح التعليم باعتباره القاطرة الأساس في كل تنمية ، أن نختار له الكفاءات العالية معرفيا و أخلاقيا و نرفع من شأنهم ماديا و معنويا و نوفر لهم كل الوسائل التي تيسر العمل و تشجع الإبداع ، معتمدين في ذلك على المناهج و البرامج المفيدة التي تساير مستجدات العصر .

إضافة إلى هذا فلن تتحقق النتائج إلا  بالقدوة أولا و الكفاءة ثانيا و الإخلاص ثالثا و حسن التواصل رابعا ، و هذه الشروط الأربع من الضروري أن يلم بها كل مدرس في أي سلك كان ، و أي خلل في أحدها ، ينعكس على العملية التربوية التعلمية و هذه الشروط الأربع لا تتوفر إلا في شخص يحب هذه المهنة حبا كبيرا ، مدركا لغاياتها النبيلة ، مفتخرا بانتمائه لها ،  مستعدا للتضحية في سبيل تنوير عقول الناشئة و تحقيق أهداف أمتنا الدينية والوطنية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق