الحقيقة المرة
الحقيقة التي لا ينكرها عاقل أننا نعيش فترة تاريخية لم تشهد البشرية أسوأ منها ، فكل الفترات الزمنية السابقة لها محاسن
و مساوئ ، و هذا أمر طبيعي في حياة البشر ، غير أن هذا العصر الذي نعيشه اليوم جمع كل نقائص الفترات السابقة و أدار ظهره للعديد من محاسنها ، و هو ما نلحظه على جميع الأصعدة و في جميع مجالات الحياة اليومية البئيسة التعيسة ، فقد ظهرت في عصرنا هذا أمور لم تكن لتخطر على بال أحد ، بل يعتبرها ذوو العقول السليمة من باب المستحيلات أن تنتشر في أوساط بني البشر ، و لكن للأسف ها هي تحدث في عصرنا ، مما جعل الأسوياء يستغربون من هذا الكائن الذي ميزه الله بالعقل و النطق أن يأتي مثل هذه السلوكات الغريبة و المخزية التي تستحيي البهائم العجماء أن تأتي مثلها ، و لا داعي لعد هذه النقائص الخبيثة مادامت معروفة لدى الجميع ، يقرها الخبثاء و يتبرأ منها الصلحاء و لو أن المصلحين قليلون ، و لا يكاد يسمع لهم صوت في الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر ، و كان الأجدر أن يكون عصرنا راقيا بكل المقاييس لأنه عرف طفرة علمية و تقدما تكنولوجيا حبذا لو سخرا في تحضر الإنسان و سعادته ،
و لكن للأسف الشديد فهذا التطور العلمي صاحبه تخلف و تدني أخلاقي لم يسبق له مثيل ، و هذا راجع لعدة أسباب يأتي في مقدمتها الابتعاد عن النهج الرباني و الفطرة السليمة التي هي الأصل في سعادة الإنسان ، و التي من أجلها استخلف الإنسان في الأرض ، غير أن أنسان عصرنا تمرد على هذه الفطرة فتجرد من إنسانيته و انبهر بحضارة الغرب المادية في ظاهرها و المنخورة أخلاقيا في جوهرها ، فانجراف مع تيارها اللاديني المعادي للإسلام في انحلاله الخلقي و استهتاره بالقيم مما أفقد الناس بوصلة الحق و أضلهم عن الطريق السوي ، فانتشر الفساد و عم جميع القطاعات ، و أصبح الإجرام و الطمع و العري و التفاهة
و غيرها من الفواحش هي العملة الرائجة ، و أضحى السلوك المتزن هو الحالة الشاذة ، فاستبدل العلم و الثقافة بالجهل
و الخرافة و الفن الهادف بالتفاهة الساقطة ، و العدل بالظلم ،
و الاستحقاق بالزبونية و المحسوبية ، و الواجب بالاستهتار ،
و ... و ... و ... إلخ مما يثير الغثيان و تشمئز النفس لذكره .
فرطنا في قيمنا الإسلامية الراقية ، و فرطنا في تراثنا بكل أشكاله و تنوعاته ، و تجردنا من خصوصياتنا التي تتبث هويتنا
و انتماءنا ، و شغلتنا المصالح الشخصية عن القيام بالواجب على أحسن وجه ، فأصبح كل ذي منصب يسعى إلى الثراء و لو بأساليب ملتوية ، مما انعكس سلبا على القطاعات الحيوية التي تعتبر عماد التقدم و التنمية و في مقدمتها قطاع التعليم و الصحة
و العدل و غيرها ، و عدم التدبير المحكم لموارد البلد التي عوض أن تخصص لهذه القطاعات الحية ، أصبحت تصرف على التوافه
و الكماليات التي لا تزيد البلد إلا تأزما .
فمتى تستيقظ الضمائر ، لنتصالح مع ذواتنا ، فنأتمر بأوامر ديننا
و نتنهى بنواهيه ، و نتشبت بهويتنا و خصوصياتنا و لا ننساق مع التيارات الخارجية الماجنة و أن نبني وطننا من خلال إصلاح قطاعاتنا الحيوية ، و أن نجعل كرامة المواطن فوق كل اعتبار ،
و نتصدى للفساد و المفسدين ، و نقطع مع التفاهة و التافهين ،
و هذا يقينا ما سيجعلنا على السكة الصحيحة لبناء هياكل هذا الوطن على أسس متينة ، نتنعم بها و نورثها لأجيالنا القادمة ، فإن لم نفعل ، فنحن المسؤولون عن كل ما سيؤول إليه هذا الوضع المزري الذي لم يعد يرضي صغيرا و لا كبير ممن يملكون ضمائر حية و عقول نيرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق