بؤسا له من زمان ؟؟؟!!!
قلما تجد شخصا في أيامنا هذه ، يستعذب الحياة و يستلذ متعها ، فقد تكالبت على الناس الهموم
و متاعب العيش التي أصبحت معقدة إلى حد لا يطاق ،
فحيثما ولى الإنسان وجهه تعترضه الصعوبات و تقف في وجهه المطبات و ذلك جراء ما يشهده المجتمع من تحولات و تغيرات ، صعبت الحياة على الإنسان
و أرهقت سعيه في جميع مناحي حياته ، و مما زاد من معضلاتها ثقل المسؤوليات و كثرة المساطر المعقدة
و الاجراءات الشاقة التي تعترض إنسان يومنا هذا في كل تحركاته ، إذ لم تعد الحياة بسيطة كما كانت من ذي قبل ، إضافة إلى ما يراه من فساد و انحلال خلقي و نبذ للقيم النبيلة التي بلغت حدا لم يسبق له مثيل فيما مضى من العقود السالفة ، لذلك نقص مؤشر السعادة عنده بل كاد ينعدم و ارتفع مؤشر الكآبة بصورة واضحة ، إذ :
■ كيف يرتاح إنسان يومنا هذا ؟
و هو كلما قصد إدارة من الإدارات العمومية لقضاء مأرب من مآربه الحياتية إلا و يصطدم بعدد من الوثائق التي هو ملزم بإحضارها ، و هذا ما يجعله يتنقل بين الإدارات لجمعها و في ذلك مشقة كبرى و ضياع وقت طويل ، قد يفوت عليه فرصا مصيرية في حياته ، هذا ناهيك عن النفقات الإضافية التي قد يعجز عن توفيرها سيما إذا كان يشكو ضيق اليد .
■ كيف يطمئن إنسان يومنا هذا ؟
على سلامة و صحة بدنه ، و هو يرى أن المستشفيات العمومية مهترئة لا توفر له و لغيره أدنى خدمة ، و مما يزيد من حزنه و ألمه عدم استطاعته المادية ولوج المصحات الخاصة نظرا لتكاليفها الباهضة .
■ كيف يستبشر إنسان يومنا هذا خيرا ؟
و هو يرى أبناءه يدرسون في مؤسسات تعليمية تنتهج مناهج تعليمية عقيمة تخرج أفواجا من محاربي الأمية ، مما لا يبشر بالخير في بلوغ الأبناء الغاية التي يتمناها الوالدان .
■ كيف يحصن إنسان يومنا هذا أبناءه ؟
و هو يرى تفاهة وسائل الإعلام التي غزت البيوت ببرامج
أقل ما يقال عنها أنها تهدم أسس التربية السليمة و تخرب العلم النافع بتشجيعها للتفاهة و التافهين ، إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحى صغارنا و كبارنا ، ذكورنا و إناثنا مدمنين على ما تنشره من تفاهات ، معرضين عن الجوانب الايجابية في استعمال التكنولوجيا
بما يعود عليهم بالنفع .
■ كيف يأمن إنسان يومنا هذا في سربه ؟
و هو يسمع في كل حين تعرض أناس أبرياء للأذى من طرف المجرمين الذين يعترضون سبيل الناس فيسلبونهم متاعهم ، هذا إذا حالفهم الحظ و لم يعتدوا عليهم ضربا قد يفضي إلى عاهة مستديمة ، و قد يصل حد القتل أحيانا .
■ كيف يسعد إنسان يومنا هذا ؟
إذا كان ذا ضمير حي و نفس أبية و هو يرى المتسولين
و الحمقى يجوبون الشوارع ، و لا أحد يرأف لحالهم
و كأنهم ليسوا بشرا .
■ كيف يهدأ إنسان يومنا هذا ؟
و هو يرى أن عدد الكلاب الضالة يوشك أن يتساوى
و عدد السكان ، مما يشكل خطرا على الناس و خصوصا الأطفال ، و مثل هذه الحوادث قد وقعت و مازالت تقع يوميا في المدن و القرى .
■ كيف يثق إنسان يومنا هذا ؟
و هو يرى و يسمع عن الغش و التدليس و التزوير الذي يكتنف كثيرا من المعاملات في البيع و الشراء
و الشراكة و التي ذهب ضحيتها الكثير ممن تم النصب عليهم ، بل حتى المعاملات البسيطة طالها الغش
و الخداع ، إذ لم يعد الإنسان يثق في شراء مواد بسيطة كعسل أو زبدة أو لبن أو زيت أو غيرها من المواد المماثلة التي يريدها الإنسان حرة خالصة ، فهو و إن أدى عنها ثمنا باهضا ، يراوده الشك في جودتها .
■ كيف يتفاءل إنسان يومنا هذا ؟
و هو يرى شبابا في مقتبل العمر و العطاء قد صيره الإدمان عالة على أسرته و مجتمعه ، يتفنن في تقليد المظاهر المخزية التي لا تبث لخصوصياتنا بصلة
و يقترف كل الرذائل المنهى عنها شرعا .
■ كيف يبدع إنسان يومنا هذا ؟
و يسعى بجد في طلب العلم النافع للبلاد و العباد و هو يرى أن عقلاء القوم المجدين الغيورين مهمشون
و السفلة التافهين مكرمون منعمون ، فيزداد غيظا على غيظ ما سبق ذكره .
■ كيف يهنأ إنسان يومنا هذا ؟
و هو يرى الخرافة و الشعوذة قد استشرت في أوساط بعض الجهلة من الناس الذين عميت بصائرهم ، يعتقدون الخلاص في الأضرحة ، فيقترفون المنكرات من نصب
و احتيال و سحر ، من أجل إلحاق الضرر بالآخرين
و منهم من يبحث عن كنوز وهمية قد تنتهي أحيانا كثيرة بجرائم بشعة .
■ كيف يحلو لإنسان يومنا هذا العيش؟
و هو يسمع ما يسمع عن مدونة الأسرة و ما تحمله من بنود قد تهدم كيان الأسرة أكثر مما تبنيه ، و يرى أن البحث عن الزوجة الصالحة أضحى أمرا عسيرا بل شبه مستحيل في زمن العري و الخلاعة و الاستهتار ، و هو نفس شعور المرأة الصالحة التي ترغب في زوج يقدس الحياة الزوجية ، وهكذا أصبح التخوف من بنود مدونة الأسرة و من التقلبات في طباع أحد الطرفين ( الزوج أو الزوجة) دافعا لعزوف الكثير من الشباب عن الزواج
و حافزا يشجع على اقتراف الفاحشة .
■ كيف يتنعم إنسان يومنا هذا ؟
و هو يرى ما يحل بإخوانه في الدين من إبادة و تجويع
و تعذيب و إجلاء في حق الشيوخ و النساء و الشباب
و الأطفال ، و مما يحز في النفس و يملؤها أسى أن الأمم الكافرة قد تكالبت و أمدت العدو بالدعم في مقابل خذلان الأمة الإسلامية و جبنها و سكوتها مرضاة لأسيادها الغزاة ، حتى أمسى الكل يتوجس خيفة لما يكيده الصهاينة
و أتباعهم في الكواليس ، مما لا يبعث على الاطمئنان في المقبل من الأعوام .
و كيف و كيف وكيف .... إذن باختصار شديد استشرى الفساد و صار العيش ضنكا و فقدت القناعة
و غابت السعادة التي هي أسمى معاني الحياة الطيبة المستقرة ، و أضحى عصرنا هذا بحضارته الزائفة عصر كآبة بامتياز ، و لعل السبب الرئيس هو الابتعاد عن الشرائع السماوية ، و التفريط في القيم السامية ، و استعمال التكنولوجيا في جانبها السلبي ، فكانت النتيجة كما نراها اليوم ، تخلف و جهل و انحطاط مما جعل السواد الأعظم من الناس و خصوصا منهم ذوي الضمائر الحية يصابون بالكآبة و التعاسة و لا يجدون لعيشهم غاية في ظل هذه الظروف البئيسة ، و لا سبيل لديهم في تقويم هذه
السلوكات المنحرفة لأنهم قلة لا يكاد يسمع لهم صوت
وسط هذا الاجتياح الكبير للفساد و للتفاهة و السفاهة ،
عزاؤهم الوحيد هو الحنين إلى ذلك الماضي و تلك البساطة حيث تكمن السعادة و الطمأنينة .