الجفريات
الجفريات هي أحد أغراض شعر الملحون ، و هذا الغرض معروف في أوساط المهتمين و الباحثين أنه نظم يتنبأ بما قد يقع في المستقبل ، انطلاقا طبعا مما يعيشه الناظم و ما يعاينه من تحولات في مظاهر شتى من حياة الناس ، و عليها يبني تصوره لما سيترتب عنها من أحداث مستقبلية ، و قد نظم الكثير من شيوخ الزجل في هذا الغرض و أبدعوا فيه ، بل صدقوا فيما توقعوه و عاينه من أتى بعدهم ، و لعل أشهر نظام شعر الملحون في غرض الجفريات هو الشيخ الحاج أحمد الغرابلي .
و ما دمت مولعا بالشعر عامة فصيحه و زجله ، قديمه و حديثه ،
و هنا أقصد الأشعار الهادفة في مضمونها الراقية في نظمها ، و لو أن هذا النوع الراقي قليل جدا -- للأسف -- في أيامنا هذه ،
على أي فقد أعجبت منذ زمن بعيد بأغنية ( دبا تشوف و تعذرني ) لمجموعة المشاهب و صنفتها ضمن أزجال الجفريات لما تحمله من تنبؤات مستقبلية قد تطرأ على حياة الناس و الأجيال اللاحقة ، كما أن مجموعة جيل جيلالة لها أغنية عنونتها المجموعة بالجفرية ، و هي كذلك عبارة عن أبيات تتنبأ بما سيقع مستقبلا ،
و من جملة ما ذكروا أن الباطل سيحل محل الحق ، و أن الشرفاء سيهمشون و تعود الريادة للئام التافهين ، فلاحظت أن ماقاله أشياخ الملحون في هذا الغرض و ما قالته المجموعتان المشاهب و جيل جيلالة في بعض أغانيهم ، و ما توقعوه قد حصل جله إن لم نقل كله ، و كأني بهؤلاء يعيشون اليوم بيننا و يشاهدون ما آلت إليه الأمور التي سبق أن تحدثوا عنها ، علما بأن أغلبهم فارقنا إلى دار البقاء .
فعندما تقول مجموعة المشاهب :
《 الاسلاف خلاوا وصية أمانة لاجيال اليوم
حكاوا مسائل هي وصلت في الزمن المعلوم
دابا تشوف و تعذرني ، و دابا تشوف
تشوف الزمان الماجي و دابا تشوف
و يهيم حالك أنت و دابا تشوف
كيف هام حالي أنا و جي تشوف
الى ان يقولوا :
و لاو المعقول غيبوه و القوت مرار اطلعت أوزانه
راسي راسي يا لائمي و اعرجات الاعوام
الشباب للي نديرو ف كتافي يا ويلي اجلاوه بالتخذير
ضاع وقتو بقى متلافي من العلو سقط ف البير 》
و في المقطع الأخير من الأغنية تقدم المجموعة نصائح مفيدة للاجيال القادمة عساها تتغلب على ما ينتظرها من صعاب ، و أن تواجه التحولات دون التفريط في القيم .
ختاما نشعر نحن المخضرمون بين تلك الحقبة التي نسميها الزمن الجميل و هذه التي نعيشها اليوم ، بأن ما قاله حكماء ذلك الزمن نرى أثره واضحا في أيامنا هذه ، و كل شيء حذروا منه قد وقع بالفعل ، و لن ينجو من طوفان هذا الزمن إلا من كان متمسكا
بمبادئه الحقة ، صامدا في وجه كل ما يمس بالقيم النبيلة التي يدعو إليها ديننا الحنيف ، و التي يسعى لها عقلاء القوم ، بعيدا عن السفاهة و التفاهة و الميوعة التي صارت عملة رائجة في زمننا هذا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق