النكران
كثير هم الذين تركوا بصمات جليلة في
مجالات العلم و الفقه و الأدب و الفن و أبلوا البلاء الحسن سواء منهم من ساهم في إغناء الثقافة في شتى فروعها أو الذين أبدعوا بمواهبهم الفنية من مسرح و تشكيل و غناء ،
أغلبهم إن لم نقل كلهم انتقلوا إلى دار البقاء
بعد أن تركوا لنا إرثا جميلا مفيدا نتأسى به
في حاضرنا البئيس الذي سادت فيه التفاهة بشكل كبير و عمت جميع المجالات ، مما أحدث قطيعة بين ذلك الماضي المشرق و هذا
الحاضر المظلم ، فلم يعد الإعلام يستحضر
إنجازات أولئك الجهابدة و نقل أفكارهم
و فنونهم و أخلاقهم لهذه الأجيال و إنما اكتفى بنشر التفاهة و الإشادة بالتافهين ،
و هذا ما انعكس على سائر فروع الثقافة
و الفنون ، فتدنى مستوى الوعي و فسدت الأذواق .
إذن أليس من الجحود و النكران أن نطمس
تاريخ علمائنا و فقهائنا و أدبائنا و فنانينا الذين
أجادوا و أبدعوا و أثروا رفوف المكتبات بمؤلفاتهم القيمة أو الذين شنفوا أسماعنا بقصائد من فن الملحون أو أغاني عصرية رائعة تجمع بين الكلمة الرصينة و اللحن الفريد
و الأداء المتميز ، و قد أصبحوا نسيا منسيا لم يعد لهم ذكرا ، حتى أضحى شبابنا اليوم يجهل جهلا تاما ماضيه العريق .
شبابنا اليوم معذور لأن المسؤولية كاملة يتحملها الإعلام الذي انساق وراء التفاهة
و رفع من شأن التافهين و أولاهم كامل الاهتمام ، و صرف نظره عن كل ما هو جدي
و نافع و لم يربط الماضي بالحاضر ليكون الماضي قاعدة يرتكز عليها الحاضر و يجعلها انطلاقة لما هو أحسن ، لكن للأسف الشديد هذا ما لم يحصل و لن يحصل في ظل ما
يسود حاليا ، و لعل هذا التهميش للكفاءات المتميزة جعل تلك القلة القليلة من المفكرين
الجادين الغيورين في يومنا هذا يتنحوا جانبا و يعيشون غربة أفكارهم لأنهم يعلمون أن مصيرهم لن يكون إلا كمصير الذين من قبلهم ، ماتوا و مات ذكرهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق