قلب لا كالقلوب
ما أتعس القلب الحساس و ما أرهفه لاستحضار الذكريات في ثناياه ، قلب أضنته
غربة الأفكار و المشاعر، أحب الطبيعة في بخلها و سخائها ، في رقتها و قساوتها،
مأخوذا بشدو البلابل ، و تراقص السنابل، مسحورا بخرير الماء، مفتونا بسموق النخيل
في اباء، منبهرا بأشعة الشمس اللافحة على الرمال الذهبية، قلب يتوق للجمال في أبهى
صوره، فيهيم في غياهب الأحلام ، قلب طاهر نقشت عليه الحياة بازميل خيرها و شرها، و
رسمت فيه لوحات من جمالها و قبحها، و كتبت عليه سطورا من سعادتها و شقائها ،
فاستمد طهره من خيرها و جمالها و سعادتها، و نفض عنه غبار شرها و قبحها و شقائها،
فلم يبقى فيه مكان لاستنبات غير الجميل، فأصبح يثق في غرائزه الفطرية ، و يأمل أن
يرى الوجود كله سعيدا، و يشمئز أن يرى فيه النقائص، قلب ينفطر لموت فراشة جميلة حسناء،
نسجت أشعة الشمس ذهب جناحيها، و انحنى عليها القمر فترك خيطا رفيعا على غرتها،
فراشة قبلها الليل فترك سوادا في محجر مقلتيها، ماتت الفراشة المسكينة لأنها
استأنست بلهب النار ظنا منها أنه نور الحياة ،و بموتها تلاشى بريق الأمل في هذا
القلب المرهف ، و سرح ينتشي في عالم المثل ولهانا منكسرا، يحدوه الأمل في لقاء
فراشة تشبهها ، و لكن هيهات أن يرى مثلها ثانية، فليس له من عزاء سوى أن يستحضر ذكراها
و ينتظر حتفه عساه في الجنان يلاقيها...
خاطرة من سديم خيال الأستاذ *زايد وهنا *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق