🔵صرخة مؤمن🔵

صرخة مؤمن

سبحان من أخفى الغيب عن خلقه
                   فلا تدري نفس ما يرتجى من أمره
 لطف من ألطاف الغفور حل بعبده
                   و تداركته رحمة و ستر من فضله
لولاهما لكانت أشعاري رثاء لفقده
                   بعدما شمت آية المودة من صحبه
عطفا منك ربي حفت عنايتك به
                  فكأن المبتلى ولد حديثا في مهده
فلا بأسا ترينا فيمن تعلقنا بوده
                 إذ لا أنسا وجدناه يحلو في غيره
فحمدا لك يا مجيب صرخة عبده
                  ما خاب من في السر دعاك وجهره
بحكمتك ابتليته فزدت في أجره
                  فنعم المؤمن عبد الغفور في صبره

           أشعار الأستاذ زايد وهنا مهداة لصديقه عبد الغفور

🔶هذا في يوم العيد🔶

هذا في يوم العيد

         آخر ليلة من رمضان ، بثت الوزارة المكلفة نشرتها بثبوت رؤية هلال شوال ، فاختلط فرح الفطر بالحسرة على مضي الأجواء الرمضانية التعبدية الجميلة ، أخرجت جلبابي الأبيض كعادتي في كل عيد و وضعت كل ما يلزم استعدادا لصلاة العيد ، ذهبت الى فراشي باكرا و لكن حدث أن انتابني أرق وجفا النوم أحداقي ، و أنا أتقلب في مضجعي ذات اليمين و ذات الشمال، و رجعت بي الذاكرة الى أيام الطفولة حيث كنا ننتظر صباح العيد على أحر من الجمر لنرتدي الملابس الجديدة و التي غالبا ما نخصص لها مكانا على الوسادة  و نمسك عليها بأيدينا من شدة فرحنا بها ، حينها تبادر إلى ذهني أن هناك العديد من الأطفال محرومون من هذا الشعور السعيد ، لا لشيء و إنما لأنهم أبناء أسر فقيرة معوزة لم تستطع أن توفر لهم ما توفر لغيرهم ، مما أرقني و زاد من سهادي ، و لم يغمض لي جفن حتى صليت الصبح و طلعت الشمس من مشرقها ، ارتديت ملابسي و تناولت فطوري على سبيل السنية و اتجهت نحو المصلى .
اتخذت مكانا في الصف الأمامي بالمصلى الذي كان فارغا إلا من بعض المصلين هنا و هناك و شيئا فشيئا بدأت جنبات المصلى تمتلئ و الناس يتبادلون التحايا و التهاني ، و أنا جالس أتمتم بما أعرفه من الأذكار ، وبينما أنا كذلك استرعى انتباهي رجل في متوسط العمر و قد جاء يطلب من بعض الجالسين بالصف الأمامي المقابل لمحراب الإمام أن يتنحوا من أماكنهم لأن المكان خاص لثلة معينة من رجال السلطة و خدام الدولة ، يقولها و هو يعتد بنفسه و كأنه يقوم بأمر ذي بال ، و قبل أن يصل إلي و يطلب مني ما طلبه من سابقي ، توالت في ذهني عدة أفكار رجحت منها أن أغير المكان  فذاك أهون علي من أن يطلبها مني ، فقمت للتو و اتجهت الى الصفوف الخلفية و أنا غير مقتنع بما فعلته ، مترددا بين أفكاري و قناعاتي ، صلى الجميع و استمع الجميع للخطبة إلا أنا لم أخشع في صلاتي و لم استمع لجملة واحدة مما قاله الإمام ، فقد كنت مشغولا بإقناع نفسي أنني عملت الصواب .

⭕ العبودية ⭕

العبودية
مخدوع و مغفل من يظن أن عهد العبودية قد ولى و انتهى زمانه ، نعم لم تعد هناك أسواق النخاسة حيث يباع و يشترى العبيد ، و اعتقد الناس أنفسهم أحرارا ، و أنهم قطعوا الصلة بزمن الرق و الاستعباد ، و حقيقة الأمر أن تلك القيود و الأغلال التي صفدت بها أرجل العبيد قديما قد صفدت بها ضمائر بعض البشر حاليا ، إذن  فالعبودية مستمرة و موجودة و أن الذي تغير بين الأمس و اليوم هو الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و ما عرفته القرون الثلاثة الأخيرة من مستجدات و أحداث كبرى قلبت وجه العالم و جعلت الهيمنة الاقتصادية و الرأسمالية المتوحشة الجشعة هي الأساس الذي به تسود الأمم و تتبوأ مقدمة الركب الحضاري ، و لبلوغ أهدافها  اتخذت كافة الأسباب العلمية و التكنولوجية ، و استغلت ضعف بلدان أخرى ، فجعلت منها موردا لكل ما ينقصها من مواد خام ، و هي تعمل جاهدة على أن تبقى هذه الدول المتخلفة رازحة في براثين الجهل و الفقر ، حتى لا تقوم لها قومة ، و تحاول جاهدة أن تسد أمامها أي طريق يمكن أن ينهض بها و يجعلها تتسلق سلم النمو و الرقي ،  و لأجل ذلك فهي تتدخل في أنظمتها و تملي عليها ما يخدم مصالحها هي أولا كقوى عظمى ، فتشجع الريع و الفساد اللذان تستفيد منهما شريحة قليلة في هذه المجتمعات المتخلفة لأن هذه الشريحة ذات الثراء الفاحش هي التي تحافظ و ترعى مصالح الغرب ، فتجد هذا الأخير يقدم  معونات و مساعدات يظهر من خلالها حسن النية ، أما سوء النية فيضمره في قروض يثقل بها  كاهل الشعوب المستضعفة  فيجعلها في تبعية  دائمة له ،  أليست أصفاد  هذه العبودية أشد إذلالا من سابقتها ؟
كن ثاقب الفكر واسع النظر ، و انظر من حولك ترى أشكالا و ألوانا من الاستعباد تختلف صوره و تجلياته بين طبقات الشعوب المتخلفة خصوصا ، يظهر ذلك جليا في الهوة السحيقة و البون الشاسع بين الأقلية البورجوازية في هذه المجتمعات و الأغلبية  الكادحة المغلوب على أمرها ، فتجد العمال يكدحون و يهرقون عرقهم من أجل أجر زهيد لا يكاد يسد ضروريات الضروريات ناهيك عن الكماليات فهي مجرد أحلام بالنسبة لهؤلاء ، في حين ترى الملاك الكبار و أرباب الشركات و ذوي المقاولات الكبرى و أصحاب المناصب العليا ينعمون بالأرباح الطائلة الخيالية و بأقل مجهود بل و بدونه ، فالعبد قديما كان يقوم بالأعمال الشاقة ويسكن زريبة محادية للاصطبل و الحظيرة ، و يقتات على فضلات أسياده ، فأي فرق بينه و بين الكادح في أيامنا هذه ، فهذا كذلك يكتري بيتا جد متواضع هو أشبه بخربة ، و في أحسن الأحوال قد يمتلك بيتا في أحياء الصفيح لا يقيه حر الصيف و لا قر الشتاء ، و يقتات على الحد الأدنى من العيش الذي يتناسب و أجرته الهزيلة ، و هو عيش يسد رمق الجوع بكل ما هو ضروري و رخيص ، و لو كان كسابقه من العبيد يعيش على فضلات الارستقراطيين لكان أفضل بكثير من عيشته الحالية ، لأن فضلات و بقايا طعام الأغنياء في أيامنا هذه هو أفضل و أدسم و أغنى فيتامينات مما يعيش عليه الكادح المقهور ، و الأدهى و الأمر أن بقايا الطعام ترمى في القمامات و لا يستفيد منها ذلك المحتاج ، و لشدة فاقته و احتياجه تجده يتملق بل يرتعد أحيانا أمام مشغله لا لشيء و إنما للحفاظ على ذلك الأجر الزهيد ، و منهم من يستغل العامل خارج أوقات العمل في مآربه الشخصية و العائلية ، أليست هذه عبودية في أبهى صورها بل و في أبشع تجلياتها ؟
لا يخفى على كل متتبع للشأن التعليمي ما وصل إليه المستوى التعليمي في بعض البلدان المتخلفة من تدني و انحطاط نتيجة العشوائية و التبعية للغرب في انتقاء البرامج و المناهج دون مراعاة خصوصيات البلد و دون رسم خريطة طريق يفضي إلى الغايات المنشودة ، و عدم تهييء الجو الملائم من بنيات تحتية و ما يناسبها من مستلزمات ، بل نكتفي باستيراد الدواء دون تشخيص دقيق للداء مما يضيع علينا الكثير من الوقت و الجهد من غير نتيجة تذكر ، و نستغيث بالغرب و مناهجه ، أليست هذه التبعية نوع من العبودية ؟
لقد انساق الناس وراء التقليد في كل شيء دون تفكير فيما يقدمون عليه و دون عرضه على الشرع و العقل ، و كأنهم قطيع يهيم على الأرض لا وجهة لهم و لاغاية ، أليس هذا التقليد الأعمى الأصم الأبكم شكلا من أشكال الاستعباد و التبعية .
ألا يعتبر التلوث السمعي البصري الذي طال الفنون التعبيرية ، و أفسد الأذواق و بلد الحس الجمالي و الوجداني نوع من الاستعباد للتافه من سفاسفة الأمور .
و يأتي أحدنا اليوم و يقول عن جهل إننا ننعم بالحرية ، أي حرية حين لا تطمئن الجنوب في المضاجع ، حين يبيت الكادح المسكين يفكر في كيفية توفير كيس من الدقيق لعياله ، و يا حبذا لو اقتصر الأمر على ذلك ، بل ينشد الأمن و الآمان فلا يجده ، فهو يسمع في كل يوم إن لم نقل في كل ساعة عن الاعتداءات بالسلاح الأبيض التي يتعرض لها الأبرياء من بني شريحته في واضحة النهار ، أما الخروج ليلا فقد أصبح من سابع المستحيلات ، فكيف لا يصاب الناس باليأس و الإحباط و الكآبة و هم يعيشون بين مطرقة الفقر و سندان الإجرام ، أليس الاستعباد المصحوب بالأمن أرحم من الفقر المصحوب بالخوف ؟
اذا قارنا حياة الرقيق قديما بحياة الكادحين حاليا وجدنا تشابها في نمط الحياة ، فقد كان أغلب العبيد يتعرضون لأنواع الإساءة و التنكيل من قبل أسيادهم ، و المحظوظ منهم من أعتق أو استغني عنه ، بل منهم من أقدم على الانتحار إراحة لنفسه من العذاب ، و هو الأمر نفسه يتكرر مع الكادحين من بسطاء القوم في يومنا هذا و إن لم يكن بنفس الحدة التي كانت لدى العبيد ، فتجد السواد الأعظم منهم صابرين متحملين ضنك العيش ، و القلة القليلة منهم ساعدهم الحظ و أراد  الله بهم خيرا ففتح لهم سبل العيش في بلدان المهجر التي تجعل كرامة الإنسان أولى أولوياتها ، و تؤمن بالديمقراطية قولا و فعلا ، حتى بات العبور نحو هذه الجنان حلم كل مقهور ، و أصبح الشباب يجازف بحياته في قوارب الموت عساه ينعم بعيش كريم ، غير أن أغلب المهاجرين السريين كانوا طعاما للحيتان الجائعة ، فلما شبعت الحيتان من جثثهم ، عافتها ، و إذا البحر يلفظها نتئة على الشواطئ ، فأي قهر هذا الذي يدفع بالانسان في عرض البحر و هو يعلم أن فرص نجاته ضئيلة جدا ، إنه حقا انتحار معنون ببصيص من الأمل لا أقل و لا أكثر ، في حين يرى البعض أنه لا داعي للانتحار غرقا ، فينتحرون شنقا أو بأي وسيلة تريحهم من عذابهم ، و هم بذلك لا يختلفون عما كان العبيد يفعلونه ، و لعل هذا أكبر دليل على استمرار الاستعباد نتيجة الفوارق الفضيعة .
ما قيل لا يعتبر إلا غيض من فيض ، و لا حصر للأمثلة في هذا السياق ، فمتى يمكن أن نجزم القول بأننا قطعنا مع العبودية و الاستغلال هو عندما نرى أن الهوة بين الطبقتين قد تقلصت ، و أن المواطن مهما كان عمله أو وظيفته ينعم بالعيش الكريم و أن جميع الضروريات متوفرة له و لا يجد مشقة في اقتنائها ، و لم لا بعض الكماليات البسيطة ، وفوق هذا و ذاك ان ينعم بالأمن و الآمان يتجول حيث يشاء و يجلس حيث يطيب له الجلوس دون أن يتعرض للأذى ، نعم الفرق وارد و معقول بين شرائح المجتمع ولكن المطلوب أن يكون هذا الفرق في الكماليات ، فأذا كان الارستقراطي يسكن القصور و الفيلات وهو أمر عادي ، فينبغي أن يسكن العامل أو الموظف البسيط منزلا لائقا يرتاح فيه مع أسرته فهو لا يطمع في أكثر من ذلك ، و إذا كان البورجوازي يأكل الفواكه و الأسماك و اللحوم الباهضة الثمن فلا بأس بذلك ،  غير أن ذلك البسيط ينبغي أن يأكل الفاكهة و السمك و اللحم الرخيص ، إذا كان الغني يقضي عطله خارج البلاد ، فلا ضير أن يقضيها المواطن البسيط داخل البلاد ، إذا كان الميسور يمتلك عددا من السيارات الفارهة ، فذلك الموظف و العامل البسيط تكفيه سيارة واحدة من النوع الرخيص جدا ، و هكذا يكون الفرق بين الناس غير ملحوظ و ليس له نفس التأثير الذي نراه اليوم ، أما والحالة هذه فلا أظنها إلا عبودية و استغلالا ، مما يزيد الغني غنى و تسلطا و استبدادا  و يزيد الفقير فقرا و خنوعا و إذلالا فلا تستغرب إذا قلت أن استعباد البشر ما زال مستمرا في غياب الأخذ بعين الاعتبار كرامة الانسان فوق كل اعتبار ، و هو في الخفاء يتشكل بأشكال السياسة و يتلون  بألوان الاديولوجية ، ليخفي الشمس بالغربال و لكن الكثير من الناس منخدعون ببعض المظاهر و الشعارات البراقة ، من قبيل حقوق الانسان و التنمية المستدامة و الاصلاح الاداري و ربط المسؤولية بالمحاسبة ، و المقاربة التشاركية و غيرها من المصطلحات الرنانة ، و كلها شعارات خادعة لا وجود لها على أرض الواقع ، و إنما تدر الرمد في العيون ، ليتعلق الكادحون بآمال وهمية ، و يستمرون في طاعة الميسورين مقابل لقمة العيش ، و إن كانت على حساب كرامتهم و انسانيتهم ، و لكن هيهات أن ينخدع  كل ذي عقل راجح و فكر حر ، يرى الأمور بمنظور المنطق السليم ، و ختاما إذا اجتمع الجهل و الفقر و الخوف فتلك عبودية كاملة الأركان و لا مجال للجدال في ذلك ، لهذا إذا كان الإنسان الأبي لا يرضى أن تكبل يداه و رجلاه ، فكيف يرضى أن يكبل ضميره .

🌺التأويل المقيت🌺

اللهجة العامية بين المنطوق السليم و التأويل السقيم

اخترت هذا العنوان لمشهد عاينته معية صديقين أثناء زيارتهما لي ، و حيث أنهما تأثرا بهذا المشهد فقد طلب مني أحدهما أن أكتب عن هذه الظاهرة ، و نزولا عند رغبته و نظرا لمكانته في نفسي خصوصا أنه من المعجبين بكتاباتي لم أتردد في تلبية طلبه و قررت أن أحكي لكم القصة كاملة كما شهدناها و لكم الحق في التعليق و التعقيب ...غير أني سأستعمل الكلمات باللهجة العامية المغربية كما وردت على لسان المتحاورين دون نقص أو زيادة لأكون أكثر تدقيقا و صدقا من ناحية و من ناحية أخرى لكي يتمكن القارئ من الحكم بنفسه إذ المراد من القصة هو لهجتنا العامية و استعمالاتها ...
كنا نحن الثلاثة جالسين بمقهى نحتسي الشاي قريبا من دكان خضار ، فجاء زبون يختار " الدلاح " ويسأل الخضار عن جودته ، فقال الخضار من غير تردد و لا سوء نية - كما جرت العادة على لسانه -
"الدلاح " ذو جودة عالية ، و إن رغبت في واحدة ، ف " سأطبعها لك " ، فرد الزبون على الفور و الشرر يتطاير من عينيه " إطبعها لأمك ، ماشي لي " و أضاف كلاما نابيا يستحيي القلم أن يكتبه و المكان يعج بالزبناء رجالا و نساء ، و رغم أن الخضار حاول أن يقنعه بحسن نيته و أن كلامه عادي لا تأويل فيه ، إلا أن الزبون تمادى في القذف و الشتم مما لم يجد معه الخضار صبرا ، فانقلب الموقف الى مشابكة و عراك بالأيدي لولا تدخل الحاضرين لكانت عواقبه وخيمة ....
هذه هي القصة كاملة ، و هي مشهد من مشاهد حياتنا اليومية التي يمكن أن تتكرر في أي مكان و بأي أسلوب ، و هنا نطرح الأسئلة التالية :
من المسؤول عن مثل هذه التفاهات ، هل العيب في لهجتنا أو في عقليتنا ؟
لماذا نفوسنا مريضة الى هذا الحد ، فلا نفكر إلا سلبيا و لا نضمر إلا سوء ؟
إن لهجتنا العامية المغربية من أرقى اللهجات غنية بتنوعها و بلاغتها ، لكن العيب في نظري يكمن في النفوس المريضة التي تؤول الكلام عن غير موضعه ، و إذا كنا نؤول أي كلام نسمعه فلهجتنا مليئة بمثل هذه المواقف ، و الأمثلة كثيرة و لكن يستحيي القلم أن يدلي بها ، فلنأخذ الكلام على ظاهره و لا تذهب بنا نوايانا المريضة الى غير معناه الظاهر ، و إن صادفنا أحد السفهاء و هو   يقصد غير ما يقول ، فلا نجيبه على سفاهته لأننا إن أجبناه نكون سفهاء مثله ، و سكوتنا عنه شرف لنا و تحقير له ....
و السلام عليكم