☚ عودوا إلى رشدكم
الكلام موجه إلى أولئك القيمين على قطاع التربية و التعليم ، الذين يدعون إصلاحه
و يتمشدقون صباح مساء بالوقوف على مكامن ضعفه و ترديه ،و يحاولون حسب اعتقادهم الرفع من مستواه الذي وصل إلى درجة من التدني يندى لها جبين كل الغيورين المحبين لهذا الوطن .
فمنذ أزيد من عقدين و هم يخبطون خبط عشواء
يبنون و يهدمون ، يضيفون و يحذفون ، مثلهم في ذلك كمثل المنزل الذي كتب عنه توفيق الحكيم
و سماه :
" بيتنا الذي لم يتم "
و رغم ذلك لم يعترفوا بفشلهم و لم تتم محاسبتهم على ما أهدروه من ميزانيات و ما فوتوه على التعليم طيلة هذه المدة ، و لازال مسلسل الارتجال و العشوائية مستمرا ، و ما زلنا
نتذوق مرارته .
فلهؤلاء أقول إن كنتم فعلا تريدون خيرا بهذا الوطن و أهله و لديكم حسن النية لإصلاح أعطاب التعليم و الرفع من مستواه ، ضعوا نصب أعينكم خصوصيات بلدنا و بيئتنا ، فربما ما يصلح في بلد آخر قد لا يجدي نفعا في بلدنا ، فلا نتكل على الغير ، و قد أثبتت التجارب فشل العديد من تلك
المحاولات .
لذلك ينبغي التركيز على هويتنا و ديننا وخصوصياتنا و مقدساتنا و أمجاد تاريخنا و لغتنا و نجعلها منطلقا لاستشراف مستجدات العصر
و مسايرة الركب الحضاري العالمي و الاستفادة من
حسناته و نبذ مساوئه .
كما ينبغي أن يضع هؤلاء ( المصلحون ) في حسبانهم أن جميع القطاعات تستمد قوتها و نموها من قطاع التعليم لأنه هو المغذي الرئيسي لها جميعا و هي بدورها بمثابة روافد تصب في المجرى الكبير الذي هو التعليم ، فيحدث التناغم
و الانسجام إذ لا يمكن أن يؤتي إصلاح التعليم أكله بمعزل عن باقي القطاعات الأخرى .
إذن بكل حرقة و غيرة أود أن أدلي بوجهة نظري التي أرى فيها الصواب و الخلاص و التي استنبطتها من خلال تجربتي في هذا الحقل لأكثر من ثماني و ثلاثين سنة ، خذوا منها ما ترونه صائبا و دعوا عنكم ما ترونه غير ذلك و بالله التوفيق .
⚫ لا إصلاح دون استشارة أهل الخبرة
و التمرس من رجال و نساء التعليم و الأخذ برأي
المحنكين منهم .
⚫ الاهتمام بالبنية التحتية ، و توفير جميع مستلزمات العمل التربوي التعلمي ، دون تهميش
للمناطق النائية .
⚫ تحسين وضعية رجال و نساء التعليم المادية
و المعنوية ، و إرجاع الهيبة و القيمة المعنوية التي كانت قديما عند المربي .
⚫ لا يتقدم لهذه المهنة الشريفة المتعبة
و الرسالة النبيلة إلا ذوو الكفاءة العلمية و السلوك الحسن ، بحيث يتم الانتقاء وفق هذين الشرطين دون محسوبية أو زبونية ، و لا يهم السن إذا توفرت في صاحبه هذه الشروط مادام لم يتعد سنه الخامسة و الأربعين .
⚫ ينبغي ألا تقل مدة التكوين عن سنتين ، يتلقى فيها المتدربون العدة الكافية ، ليتخرجوا
و هم على مسكة عظيمة من الطرائق البيداغوجية
و حمولة كبيرة من علم النفس و معارف دقيقة شاملة .
⚫ توفير الجو الملائم للمربي للقيام بعمله بعيدا
عن الضغوطات و تخفيف العبء عليه ، إذ لا يصح
تكليفه بمهام إضافية كالحراسة و غيرها .
⚫ التخفيف من ساعات العمل بالنسبة للمربي
و المتعلمين الذين يعملون أكثر من أربع و عشرين ساعة في الأسبوع ، مع مراعاة ظروف سن المتعلمين .
⚫ الاهتمام بالمواد الأساسية التي يتطلبها
العصر دون إغفال التربية الاسلامية لأنها أكثر المواد التي تقوم السلوك ، خصوصا و أن سلوكات
أغلب شبابنا قد شابها الانحراف ، شعارنا في ذلك
" لا تعليم بدون تربية "
⚫ إرجاع الهيبة للمؤسسات التعليمية ، بحيث
لا يقبل من أي كان أن يمس كرامة العاملين بها
أو يخرب تجهيزاتها ، و تطبيق العقوبات الزاجرة الرادعة لكل من سولت له نفسه الإخلال بالنظام العام .
⚫ لا ينتقل من مستوى إلى أخر إلا المجدون
الذين حصلوا على المعدل باستحقاق ، و لو كانوا
قلة ، دون اعتبار للخريطة المدرسية التي كانت
تفرض نسبة نجاح كبيرة دون استحقاق ، و هو
الأمر الذي أفرز أفواجا عديدة من حملة الشهادات ، أغلبهم يجهل أبسط الأمور في تخصصه ، ناهيك أن يعرف شيئا خارجه ، فما معنى أن يكون الطالب مجازا مثلا في الأدب العربي و هو لا يتكلم لغة سليمة و كتاباته خطها يكاد لا يقرأ ، مليئة بالأخطاء النحوية و الإملائية ، لا علم له بمؤلفات القدامى و المحدثين ، فكيف حصل مثل هذا على الإجازة ؟ و كيف يفيد غيره ؟
لهذا ينبغي ألا تمنح الشهادات سواء الباكلوريا
أو الإجازة أو الماستر أو الدكتورة إلا إلى من يستحقها عن جدارة بكفاءته و تمكنه و إلمامه .
⚫ التراجع عن تمديد سن التقاعد إلى ما كان
عليه سابقا ، إذ لا يمكن للمربي الذي قضى بين خمسة و ثلاثين سنة و أربعين سنة في هذه المهنة
الشاقة أن يعطي العطاء المرغوب ، ليس تماطلا
منه و لكن لظروفه الصحية التي باتت عاجزة عن
تقديم الدروس بنفس الجدية التي كان عليها ،
مما ينعكس سلبا على المردودية وبالتالي يتضرر
المتعلم الذي هو محور العملية كلها .
⚫ العناية بفئة المتقاعدين الذين أفنوا زهرة
شبابهم في خدمة هذا الوطن ، فهم في أمس الحاجة إلى المساعدة و لا ضير في منحهم بعض
الإمتيازات و التسهيلات لقضاء مآربهم في سائر
الإدارات .
⚫ تقديم المساعدة الكاملة لرجل التعليم عند
قضاء مآربه في الإدارات العمومية الأخرى ليتسنى له الالتحاق بعمله دون إضاعة لوقت المتعلمين .
⚫ تعيين أستاذ مساعد للمدير في مهام الإدارة
و تكليفه بالتدريس في حالة غياب اضطراري
لأحد الأساتذة .
⚫ تحفيز رجال التعليم بالترقية في الدرجات
و الرتب و تكون تعويضاتها مشجعة ، مع فتح باب
الترقي إلى خارج السلم للذين استوفوا شروط الترقي ، و يشمل ذلك جميع الأسلاك التعليمية .
⚫ ينبغي أن يعيد الإعلام النظر في برامجه
لتكون في خدمة التربية القويمة و العلم النافع .
و ذلك بتقديم برامج إعلامية تلفزية و إذاعية مكثفة تهدف إلى توعية الأسرة بدورها الكبير في تربية أبنائها .
⚫ تشجيع البحوث العلمية و الأدبية الهادفة ،
و مكافأة أصحابها ليكونوا قدوة لغيرهم في الجد
و العمل الذي يرفع شأن الوطن بين الأمم ،
و القطع مع التفاهات التي يشجعها الإعلام حتى باتت هي النموذج في سلوك شبابنا .
⚫ الرفع من قيمة المنح الدراسية بالنسبة لطلبة
الجامعات و المعاهد ، و تقديم العون للمعوزين
من التلاميذ بجميع الأسلاك ، للحد من الهدر المدرسي .
⚫ تشجيع المتفوقين من التلاميذ و الطلبة
بجوائز قيمة تشجيعا لهم و تحفيزا لزملائهم .
و غير هذا مما قد أغفلناه في هذا المقال ، و من
شأنه أن يساهم في الإصلاح .
لهذا أعتقد اعتقادا راسخا أننا لو أخذنا بهذه الأمور
نكون قد وضعنا القاطرة على السكة الصحيحة
و لن تمر إلا سنوات قليلة حتى نجد أنفسنا قد
تبوأنا المنزلة الرفيعة و تسلقنا سلم الحضارة
العالمية ، و هذا لن يعجزنا إذا أخلصنا النية
و تجندنا بكل ما أوتينا من قوة و طاقة لتحقيقه ،
و غير هذا لا أظنه يوصلنا إلى المبتغى و سنظل
نتعثر و لن يزيد ذلك الارتجال الحال إلا سوءا ،
و هذا ما لا يتمناه عاقل غيور على بلده و أهله .
💼 بقلم زايد وهنا 💼