تأملات

             تأملات

 عندما تختار مكانا هادئا ، تختلي فيه بنفسك

لتكسر رتابة الحياة ، لا شك أن هذا المكان الجميل يذكرك بأمكنة أخرى كان لك فيها من الذكريات أبهجها و قد تركتها خلفك ، و لم يبق منها في ذاكرتك إلا أثر من ذلك الأنس ، فترى أن هذا المكان و إن كان يتميز بطبيعته الخلابة التي يقصر الوصف عن جمالها ، يبقى بالنسبة لك مكانا لا روح فيه ، بعكس الأمكنة التي تحتفظ بها في ذاكرتك حيث تتجانس الطبيعة و مجالس الفكر و الأدب ، و تتناغم مجاريها المائية و مجالس الطرب ، و تتآنس أزهارها و أطيارها و مجالس اللهو و الترف ، كل شيء فيها من حولك كان في وقت مضى ينبض بالحياة ، يروح عن النفس و يبعث في جلسائها البهجة و الحبور .

أما في هذا المكان البعيد ، و رغم جمال طبيعته ، فأنت تشعر بالغربة ، تتأمل في أرجائه الهادئة و لا يحرك فيك ساكنا بل تسرح بتفكيرك مستعرضا أشرطة ذلك الزمن الجميل ، فلا تشعر إلا و أنت تسأل نفسك ، تلك الأمكنة من ذلك الزمن لم تغير مواقعها ، و لكن لماذا فتر نبضها و تلاشى بريقها ، و ناحت بلابلها ، لأنه و بكل بساطة غاب عنها جلساؤها  منهم من قضى نحبه ، و منهم من تقاذفته أمواج الحياة و رمته بعيدا ، كما فعلت بك ، أما القلة ممن بقي منهم لم يعد له ارتباط بالمكان كما كان من ذي قبل .

و بينما أنت كذلك شارد في أحلامك ، فإذا بمن 

يلتقط لك هذه الصورة على حين غرة و دون سابق إنذار ، فيوقظك من حلمك الجميل ، فتقول في نفسك ليته ما جاء و ليته ما فعل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق