المشهد السادس
*** التدليل المقيت ***
إذا كان الأطفال هم المقصودون بالتربية و حسن التنشئة من قبل الكبار سواء كانوا أباء أو أمهات أو مربين ، فإن تربية الكبار أنفسهم هي المعضلة ، فقد صدق من قال :
" ما أصعب فطام الكبير "
و النموذج من هذه الحكاية التي عاينتها بإحد البساتين حيث الأشجار الوارفة الظل ، تغرد على أفنانها طيور و عصافير بأحلى الأنغام و نباتات مخضرة و أزهار مختلفة الألوان و الأشكال تحوم حولها فراشات جميلة ، وبمحاداة البستان قناة واسعة عميقة يتدفق الماء فيها بغزارة و ينساب انسيابا جارفا يحدث هديرا مرعبا ، و هذا ما يزيد المكان بهجة و جمالا و يغري الساكنة بارتياده قصد الترويح عن النفس و قضاء لحظات جميلة في أحضان الطبيعة الخلابة .
اخترت مكانا ظليلا و جلست استمتع بجمال الطبيعة ، فتحت كتابا كنت قد أشرفت على إتمام قراءته ، غير أن هرج و مرج طفلين صغيرين كانا يلعبان على مقربة مني حال دون تركيزي في المطالعة ، تركت الكتاب جانبا و بدأت أشاهد هذين الصغيرين يمرحان ، و لكن ما حز في نفسي أن الطفلين عاثا فسادا في البستان يقطفان الأزهار و يبعثرانها و يدوسان على أخرى فيكسرا سيقانها أمام أنظار والديهما الجالسين في الجهة المقابلة ، و لا أحد منهما يحرك ساكنا بنهيهما أو زجرهما بل بالعكس يشاهدان ذلك و يبتسمان مما يشعر الطفلين بالحماسة و الاستمرار في التخريب ، حينها نفذ مني الصبر فتدخلت بالحسنى قائلا :
" لا تفعلا ذلك يا أبنائي فالبستان ملك للجميع "
ظننت بتدخلي هذا أنني أثرت انتباه الوالدين لما يقترفه أبناؤهما ، ليضع حدا لتصرفهما و لكن لا حياة لمن تنادي ، بعد ذلك رأيت الطفلين يتجهان الى القناة الهادرة يقفان على حافتها و يرميان فيها ما تحمله أيديهما من أعشاب و أزهار ، هنا أدركت بحدسي الذي غالبا ما يصدق أن نهاية هذين البريئين قد اقتربت ، فزلة قدم قد تهوي بأحدهما أو كليهما إلى قاع القناة المتدفق ماؤها و لن يستطيع أحد مهما أوتي من قوة و حيلة إنقاذهما ، و الغريب في الأمر أن الأبوين غارقان في الضحك و المزاح و هما ينظران إلى صغيريهما قاب قوسين أو أدنى من هلاك محقق ، تعجبت و تأسفت و عرفت أن العواقب ستكون وخيمة ، فقررت أن أغادر المكان قبل وقوعها ، و لكن شيئا بداخلي ينازعني لتدارك الموقف ، فما كان مني إلا أن قمت من مكاني و اتجهت صوب الطفلين و أخذت بيديهما و التفتت نحو الأب معاتبا إياه ، فما كان جوابه إلا أن طفليه ذكيان نبيهان لن يسقطا في القناة ، حينها امتلأ صدري غيضا و شكرته على جوابه عوض أن يشكرني و ذهبت إلى حال سبيلي و لا أخفيكم سرا أن في تلك اللحظة تمنيت لو وقع الأسوأ ...لا للبريئين و لكن تمنيته للكبيرين...
سبحان الله ، كيف يربي أمثال هذين الأبوين أبناءهم على الدلع و التدليل المبالغ فيه و اللامبالاة اتجاه الأخطار التي قد تحدق بالصغار ، ترى من المسؤول عند وقوع حادثة لطفل صغير في حضور والديه ؟
لهذا أقول أحيانا ما أحوج الكبار الى تصحيح مفهوم التربية و ليعلموا أن الأبناء أمانة في رقابهم ما داموا صغارا و أي ضرر يلحقهم من الاهمال و كان من الممكن تلافيه يعتبر الأبوان آثمين مقصرين
في حق فلذات أكبادهم ، فلا للتدليل و الدلع المبالغ فيه فربما قد يعود بالضرر حينها يندم المقصر حيث لا ينفع الندم .
الكاتب : الأستاذ زايد وهنا
*** التدليل المقيت ***
إذا كان الأطفال هم المقصودون بالتربية و حسن التنشئة من قبل الكبار سواء كانوا أباء أو أمهات أو مربين ، فإن تربية الكبار أنفسهم هي المعضلة ، فقد صدق من قال :
" ما أصعب فطام الكبير "
و النموذج من هذه الحكاية التي عاينتها بإحد البساتين حيث الأشجار الوارفة الظل ، تغرد على أفنانها طيور و عصافير بأحلى الأنغام و نباتات مخضرة و أزهار مختلفة الألوان و الأشكال تحوم حولها فراشات جميلة ، وبمحاداة البستان قناة واسعة عميقة يتدفق الماء فيها بغزارة و ينساب انسيابا جارفا يحدث هديرا مرعبا ، و هذا ما يزيد المكان بهجة و جمالا و يغري الساكنة بارتياده قصد الترويح عن النفس و قضاء لحظات جميلة في أحضان الطبيعة الخلابة .
اخترت مكانا ظليلا و جلست استمتع بجمال الطبيعة ، فتحت كتابا كنت قد أشرفت على إتمام قراءته ، غير أن هرج و مرج طفلين صغيرين كانا يلعبان على مقربة مني حال دون تركيزي في المطالعة ، تركت الكتاب جانبا و بدأت أشاهد هذين الصغيرين يمرحان ، و لكن ما حز في نفسي أن الطفلين عاثا فسادا في البستان يقطفان الأزهار و يبعثرانها و يدوسان على أخرى فيكسرا سيقانها أمام أنظار والديهما الجالسين في الجهة المقابلة ، و لا أحد منهما يحرك ساكنا بنهيهما أو زجرهما بل بالعكس يشاهدان ذلك و يبتسمان مما يشعر الطفلين بالحماسة و الاستمرار في التخريب ، حينها نفذ مني الصبر فتدخلت بالحسنى قائلا :
" لا تفعلا ذلك يا أبنائي فالبستان ملك للجميع "
ظننت بتدخلي هذا أنني أثرت انتباه الوالدين لما يقترفه أبناؤهما ، ليضع حدا لتصرفهما و لكن لا حياة لمن تنادي ، بعد ذلك رأيت الطفلين يتجهان الى القناة الهادرة يقفان على حافتها و يرميان فيها ما تحمله أيديهما من أعشاب و أزهار ، هنا أدركت بحدسي الذي غالبا ما يصدق أن نهاية هذين البريئين قد اقتربت ، فزلة قدم قد تهوي بأحدهما أو كليهما إلى قاع القناة المتدفق ماؤها و لن يستطيع أحد مهما أوتي من قوة و حيلة إنقاذهما ، و الغريب في الأمر أن الأبوين غارقان في الضحك و المزاح و هما ينظران إلى صغيريهما قاب قوسين أو أدنى من هلاك محقق ، تعجبت و تأسفت و عرفت أن العواقب ستكون وخيمة ، فقررت أن أغادر المكان قبل وقوعها ، و لكن شيئا بداخلي ينازعني لتدارك الموقف ، فما كان مني إلا أن قمت من مكاني و اتجهت صوب الطفلين و أخذت بيديهما و التفتت نحو الأب معاتبا إياه ، فما كان جوابه إلا أن طفليه ذكيان نبيهان لن يسقطا في القناة ، حينها امتلأ صدري غيضا و شكرته على جوابه عوض أن يشكرني و ذهبت إلى حال سبيلي و لا أخفيكم سرا أن في تلك اللحظة تمنيت لو وقع الأسوأ ...لا للبريئين و لكن تمنيته للكبيرين...
سبحان الله ، كيف يربي أمثال هذين الأبوين أبناءهم على الدلع و التدليل المبالغ فيه و اللامبالاة اتجاه الأخطار التي قد تحدق بالصغار ، ترى من المسؤول عند وقوع حادثة لطفل صغير في حضور والديه ؟
لهذا أقول أحيانا ما أحوج الكبار الى تصحيح مفهوم التربية و ليعلموا أن الأبناء أمانة في رقابهم ما داموا صغارا و أي ضرر يلحقهم من الاهمال و كان من الممكن تلافيه يعتبر الأبوان آثمين مقصرين
في حق فلذات أكبادهم ، فلا للتدليل و الدلع المبالغ فيه فربما قد يعود بالضرر حينها يندم المقصر حيث لا ينفع الندم .
الكاتب : الأستاذ زايد وهنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق