دار الغرور

      

     👌  فمن يغتر بالدنيا فإني

                        لبست بها فأبليت الثيابا 👌


           إذا كنت ممن لبس من الدنيا و أبلى الثياب كما جاء في قصيدة  " سلوا قلبي " لشاعرها أحمد شوقي ، و غصت متأملا في استجلاء كنه هذه الدنيا الفانية ،  و أمعنت النظر في تعاقب أزمنتها و استطلعت أحوال الأقوام التي مرت بها 

و غادرتها ، و تبينت من خلال ما تراه و تعيشه من تقلبات أحوالها بين عافية و سقم ،بين فقر و غنى، بين قوة و ضعف ، بين وفاء و غدر ، بين وصال 

و هجر ، بين صلاح و فساد ، بين حياة و موت ، أدركت يقينا أن هذه الدنيا في أحسن أحوالها شبيهة بالسراب ، لأنها قليلة السرور ، كثيرة الشرور ، دائمة الغرور ، سريعة المرور .

أما في أسوأ أحوالها كما نرى في عصرنا هذا حيث تجرد الإنسان من إنسانيته التي فطره الله عليها ، فاستبدل الفضائل بالرذائل ، و عمت المآسي ، 

و ملئت القلوب غيضا ، و استشرى الفساد و رفع الحياء ، فلا رغبة للعاقل فيها و لا لذة له في عيشها .

المؤمن الكيس الوقور في أيامنا هذه لا يشعر بالرضى و الحبور ، مما آلت إليه الأمور من الخلاعة 

و السفور ، إذ لا يرى من تصرف الغالبية إلا الفسق

و الفجور ، و كلما تقدم به العمر  لا يزيده إلا المقت و النفور ، ينتظر على مضض ساعة العبور ، و لا يغبط أحدا بقدر غبطته أهل القبور ، فالدنيا بالنسبة له مستنقع لا مكان فيه للمقهور ، لذلك يحاول جاهدا أن يساير المقدور ويتجنب المحظور ، حتى إذا نقر في الناقور ، و حانت ساعة البعث و النشور ، أوتي بيمينه كتابه المسطور ، فيستبشر خيرا بالوعد المذكور ،  و قد نال الفضل من الله الغفور .

الجاهل المغرور بالدنيا و زخرفها ، منساق وراء سرابها ، يسبح في مستنقعها ، لا يفرق بين حلالها و حرامها ، يمني النفس بدوامها ، و لا يدرك حقيقة أمرها إلا و هو ينزع النزع الأخير منها ، يسترجع حياته و سرعة زوالها ، و كأنه ما لبث فيها إلا  عشية أو ضحاها ، حينها تتراءى له تفاهتها ، يستحضر ما قدمت يداه فلا يرى إلا سوادها ،  فتتقد في دواخله نار الحسرة و الندم على ضياعها و لكن أنى يجدي الندم و قد فات أوان إصلاحها . 

 

          اللهم نسألك يا ذا الجود و الإحسان ، 

و نحن على مشارف شهر رمضان ، شهر الرحمة 

و الغفران ، ألا تجعل الدنيا اكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، ولا إلى النار مصيرنا ، وأجعل الجنة هي دارنا و قرارنا .


   💼   خاطرة ارتجلها و كتبها و نقلها إليكم الراجي عفو ربه  زايد وهنا  بالقرب من مقبرة   💼

المفتاح المفقود

 🗝  المفتاح المفقود  🗝


            أول ما بدأت أعي ما حولي ، وقر في نفسي حب جدي و جدتي طيب الله ثراهما ، فمنذ تلك السن المبكرة تعلقت بهما تعلقا فاق تعلقي بوالداي ، حتى صارت أسعد أوقاتي تلك التي أقضيها في حضنهما أو بالقرب منهما .

كان جدي و جدتي لا يفترقان ، يجلسان بمحاداة بعضهما 

و قليلا ما ترى أحدهما منفردا عن شريكه ، و لا يكون ذلك إلا لضرورة كوضوء أو صلاة .

كنت كلما رجعت من المدرسة ، أطوي الطريق جريا لأرتمي في أحضانهما ، و أبدأ في سرد كل ما لقننا إياه المعلم من آيات قرآنية و أناشيد ، فكانا رحمهما الله يصغيان لما أقول رغم تفاهته الصبيانية و هما يربتان على ظهري ، مبديان إعجابا مبالغا فيه لإرضائي و تشجيعي على الدرس 

و التحصيل ، و في المساء أنتظرهما بفارغ الصبر حتى ينهيا صلاة العشاء فأرتمي في حضن جدتي لتسمعني حكاية جديدة أو تتمم حكاية الأمس التي غالبني النعاس و حرمني متعة أحداثها الشيقة ، و لعل هذا كله ما جعلني أرتبط بهما ارتباطا ، يغنيني عن بقية أفراد أسرتي بما فيهم أبي و أمي .

كنت رغم صغر سني ألاحظ الفرق بين العلاقة التي تربط جدي بجدتي و بين تلك التي تربط أبي بأمي ، فتجدني أقارن و أسائل نفسي دون أن يهتدي عقلي الصغير إلى جواب .

لماذا لا يجلس أبي بالقرب من أمي كما يفعل جدي بجدتي ؟.

لماذا لا يبتسم أبي لأمي أو تبتسم له هي كما يفعل جدي 

و جدتي لبعضهما ؟.

لماذا جداي متفاهمان و ما حدث يوما أن تجادلا  أو رفع أحدهما صوته على الآخر ، في حين أن والداي كثيرا ما يتجادلان بصوت مرتفع يوحي للسامع أن أحدهما لا يطيق الآخر ، و لا يكن له أدنى تقدير ؟.

لماذا والداي لا يتحدثان معي و يسلياني كما يفعل جداي ؟.

لماذا جدي و جدتي لا يمتلكان الهاتف المحمول ، بينما أبي 

و أمي و إخوتي الكبار لكل منهم هاتفا يتصفحه في صمت 

و لا يحيد بصره عنه إلا نادرا ، بل منهم من يتصفحه و هو يأكل ؟.

لماذا أبي و أمي ليسا بنفس سعادة جدي و جدتي رغم امتلاكهما لكل وسائل الراحة و الرفه ؟.

كانت هذه الأسئلة و غيرها بمثابة مطارق تدق في رأسي ، 

و تكبر معي يوما بعد يوم ، و لكن في أحد الأيام قررت أن أطرحها على جدي ، فهو لا يتضجر من أسئلتي عساني أشفي غليلي منها و أطوي صفحتها التي باتت تؤرقني .

كان الفصل صيفا ، و لا يحلو التنزه إلا وقت الأصيل حيث تنفطر الحرارة ، و يهب نسيم عليل ينسينا لفح الضحى ، طلبت من جدي أن يصاحبني إلى الحديقة المجاورة لبيتنا ، استحسن الفكرة إذ كان هو أيضا في حاجة لمثل تلك الفسحة .

اقتعدنا أريكة في مكان ظليل ، أخرج جدي سبحته التي لا تفارقه و طفق يمرر حباتها بين سبابته و إبهامه ، يحمدل تارة و يسبحل أخرى بصوت خافت ، انتظرت حتى مرر آخر حبة من السبحة ، فاستوقفته قائلا :

 " جداه ، أراك و جدتي تنعمان بالهدوء و السكينة ،متفاهمان ، منسجمان ، تغمركما السعادة رغم أنكما بلغتما من الكبر عتيا ، و لا تمتلكان ما يمتلكه والداي من أسباب الرفه التي من المفروض أن تجعلهما أكثر سعادة و سكينة " .

نظر إلي نظرة المستغرب ، إذ لم يكن يتوقع أن يصدر هذا الاستفسار من طفل لم يتجاوز عمره الثالثة عشر ،  اعتدل في جلسته و هو يضمني إليه بيد و يربت بالأخرى على ركبتي ، صمت برهة و كأن لسان حاله يقول لم تعد ذلك الصبي اللعوب ، فقد بلغت من النضج و الذكاء ما يمكنك من فهم بعض الأمور في الحياة ، ضمني إليه في حنان مرة أخرى 

و قال :

" يا بني لا تقاس السعادة بما يمتلكه الإنسان ، فقد عشت 

و جدتك عمرا طويلا في زمن لم نكن نملك آنذاك منزلا فخما و لا سيارة فارهة و لا ملابس فاخرة و لا هواتف و لا أي شيء مما جاد به زمانكم من المخترعات ، و لكن كنا نملك مفتاح السعادة ألا و هو القناعة .

 عشنا حياة بسيطة يغشاها الحب الصادق و التمسك بالقيم النبيلة ، من احترام و صبر و تسامح و تعاون ، كنا قانعين 

و مقتنعين بما لدينا و لا ننظر إلى ما في يد الآخرين ، و تلك

القناعة أكسبتنا سعادة لا تضاهيها سعادة .

أما أنتم فقد استبدلتم تلك القيم السامية بما جد في عالم التكنولوجيا ، و أصبحتم تتنافسون على الثراء و امتلاك مثل ما يمتلكه الأثرياء رغم محدودية طاقاتكم المادية ، فضيعتم بهذا التهافت على أنفسكم أسباب السعادة ، و أصبحتم تركضون ركض الوحوش في البرية تطاردون الماديات فغابت عنكم الروحانيات ، إذ استشرى الطمع و الجشع و رمى بالناس في براثين الفساد ، فضاع الصدق و العفة و الحياء 

و الاحترام ، و فقدت لذة العيش ، فعمت الكآبة و التضجر 

و السأم ، حتى أصبح الزوج لا يطيق زوجته و لا هي تطيقه ،

و لا الأبناء ينصاعون لأوامر أبائهم و لا الأباء أصلا يهتمون بأبنائهم لأن طوفان العصر جرفهم و انساقوا وراءه كمن يطارد خيط دخان .

أعرفت الآن يا بني سبب شقاء أجيالكم ؟ "

أومأت برأسي موافقا و مؤيدا ، و سكتت برهة أسترجع فيها كل ما قاله ، و تزاحمت الأفكار في ذهني ، لقد اكتشفت للتو أمورا كانت غائبة عني و قررت في نفسي أن تكون هي موضوع الإنشاء الحر الذي أمرنا المعلم بإنجازه .


                💼  بقلم   زايد  وهنا  💼

ماذا تنتظرون

            🕭  ماذا تنتظرون ؟ 🕭


☚ ارتفاع مهول في أسعار المحروقات .

☚ غلاء مخيف في ضروريات العيش .

☚ فرص الشغل قليلة جدا تكاد تنعدم .

☚ قطاع التعليم في تدني مستمر لأسباب عديدة أهمها الفهم الخاطئ لحقوق الإنسان ، مما نتج عنه  الفوضى و التسيب و الانحلال الخلقي في أوساط التلاميذ .

☚ ضرب قدسية التعليم و تجريد رجل التعليم من هيبته مما أحبط العزائم .

☚ التلاعب بأموال صناديق التقاعد ، و عدم محاسبة المتلاعبين .

☚ حل الأزمة على حساب صحة رجل التعليم ، 

    و ذلك بتمديد سن التقاعد . 

☚ قطاع الصحة يعانق الحضيض ، فالمرضى       كثيرون والمستشفيات قليلة ، تفتقر للتجهيزات    الضرورية ، تسودها اللامبالاة و تدني الخدمات .

☚ مصحات و مختبرات خاصة تغتني على حساب المواطن دون رقيب .

☚ الانصياع لإملاءات صندوق النقد الدولي ، الذي أثقل البلد بالديون .

☚ إعلام مستعبد و مستبعد عن دوره ، يشجع

     التافهين و يجعل منهم قدوة للشباب .

☚ مصير ثروات البلاد مجهول .

☚ تبذير الأموال الطائلة على الكماليات التوافه .

☚ التقشف و رفع اليد على تمويل الأساسيات .

☚ انعدام الشفافية و المحاسبة . 

☚ غلو في فرض الضرائب على كل صغيرة 

      و كبيرة . 

☚ تدني مستمر في خدمات كل القطاعات .

☚ تعقيد المساطر الإدارية عند تقديم الخدمات .

☚ الشطط في استعمال السلطة .

☚ الرشوة و المحسوبية و الزبونية هي العملة     الرائجة .

☚ أحكام قضائية غير عادلة في بعض النوازل للأسباب المشار إليها في النقطة السابقة .

☚ استعمال سيارات الدولة في مهام شخصية .

☚ عدم احترام أوقات العمل في الإدارات ،

و الاستهتار بمصالح المواطنين .

☚ استفحال ظاهرتي التشرميل و الإجرام .

☚ أعمال شغب مجانية في الملاعب و الشوارع .

☚ عقوبات مخففة يليها العفو عن المجرمين ، في حين تكون مشددة على معتقلي الرأي .

☚ تشجيع التفاهة و التافهين من غير منفعة .

☚ تهميش المجدين الغيورين و إحباط هممهم .

☚ انتشار ظاهرة التسول بشكل مخجل .

☚ النصب و الاحتيال بددا الثقة لدى المواطن في جميع العمليات و المعاملات التي يريد الاقدام عليها .

☚ عدم الاهتمام بالمختلين عقليا و ذلك بوضعهم

في مارستانات لرفع الأذى عنهم و عن المواطنين .

☚ أغلب حوادث السير يرجع الى بنية الطرقات 

و تهور بعض السائقين خصوصا أصحاب الدراجات النارية من الشباب .

☚ بعض المناطق مهمشة لا تسترعي انتباه أحد 

     و كأنها لا تنتمي لهذا البلد .

☚ أعداد كثيرة تموت يوميا في عرض البحر .

☚ و ☚ و ☚ و ☚ و ☚ و ☚ و ☚ ....

هذه و غيرها كثير تجعل الشعب في غليان و قلق دائمين ،  فالمواطن الغيور يلاحظ و ينتقد و يندد و يقترح و لا شيء يتغير في الواقع ، بل يزداد الوضع سوءا ، و لا من يحرك ساكنا من المسؤولين. ترى ماذا ينتظرون ؟ فالأوضاع المزرية الحالية تدق ناقوس الخطر ، و لا مجال بعد للاستهتار 

أو التأجيل فكل يوم يمر إلا و يزيد الوضع احتقانا و ينفذ صبر المواطن  ، مما  ينذر لا قدر الله بكارثة قد تعصف بأمن البلد ، و الله نسأل أن يلطف بنا ، 

و يلهم الجميع سبيل الرشاد لتدارك الموقف و انقاذ ما يمكن إنقاذه .

قاعة الانتظار

 


                 📆    قاعة الانتظار   📆


          سحبت التذكرة من الجهاز القابع بباب التعاضدية فإذا هي تحمل رقم واحد و ثلاثين ، رغم أنني وصلت باكرا لأكون من الأوائل ، فقد سبقني ثلاثون منخرطا ، كانوا جالسين ينتظرون ظهور أرقامهم على شاشة الشباك لتقديم أوراق المرض التي يتأبطونها ، منهم المتقاعد الذي أنهكته سنوات العمل الطويلة التي قضاها في مهنة المتاعب وقد أخذت من صحته و بصره الكثير و لم تدع له إلا قليل قوة يكابد بها مشاكل الحياة ، و منهم الذي ما زال يمارس المهنة  وقسمات وجهه توحي بثقل الهموم التي تكالبت 

و تتكالب عليه .

 جلست كغيري  أنتظر دوري ، استرق النظر من حين لآخر إلى الشاشة و كأنني أستعجلها ، فورائي مآرب أخرى يجب القيام بها قبل أن يدركني وقت العمل لحصة الزوال .

و بينما أنا كذلك استرعت انتباهي سبورة معلقة

على الحائط بالقرب من مكان جلوسي ، رفعت بصري نحوها و شرعت في قراءة الإعلانات الملتصقة بها عساها تحمل جديدا ، و لكن لا جديد

يذكر فيها ، غير أن إحداها أثارت حفيظتي ، تلك

التي تخص الوثائق التي ينبغي الإدلاء بها من قبل الأرامل عند وفاة أزواجهن المنخرطين للاستفادة من المنحة التكميلية التي تسلمها لهن التعاضدية 

بعد توصلها طبعا بالوثائق كاملة غير منقوصة ، لكن الغريب في هذا أن هذا الملصق الذي به هذا الإعلان يحمل من الوثائق المطلوبة ما لا تستطيع

الأرملة و أبناؤها توفيره ، فهي عبارة عن لائحة طويلة و معقدة لن تجمع إلا بعد وقت طويل    ومشقة كبيرة و جهد مضني ناهيك عن الأموال التي تصرف من أجل الحصول عليها .

تعجبت لهذه المساطر المعقدة التي تثقل كاهل الناس ، و التي تثير قلقهم ، حتى أن بعضهم يفضل ألا يستفيد ما دام الأمر معقدا و عسيرا .

أخيرا و بعد طول انتظار ممل ظهر على الشاشة الرقم واحد و ثلاثون  فقمت متوجها نحو الشباك و أنا أقول في نفسي ، كان الله في عون المنخرط 

يعاني و هو حي ، فإذا مات انتقلت المعاناة إلى  أرملته . 


          💼  بقلم المنخرط   زايد وهنا  💼

  

المرحوم

                         🌷 المرحوم 🌷


           بعض الناس  كالأشجار المثمرة ، تقتات من ثمارها اللذيذة ، و تتفيأ في ظلالها الوارفة ، و تمتع نظرك بخضرتها ، و تستنشق طيب أزهارها ، 

و لا ينقطع عطاؤها حتى بعد موتها ، فجذوعها تصير خشبا فتتحول أبوابا و نوافذ و موائد 

و خزانات و سبورات و كراسي و مكاتب و دعامات لأسقف المنازل ...  .

أما أغصانها اليابسة فتصير حطبا في مدفأة تطهو الطعام و تدفئ المرتعد من البرد و تجمع حولها الأسرة و الأحبة ، فتبعث فيهم دفء المودة ، 

و تفتح شهيتهم للسمر و المذاكرة  .

         فكذلك هو الإنسان الطيب ، متى لازمته حيا 

استفدت من علمه و نهلت من مكارم أخلاقه 

و وجدت فيه السند عند الشدائد ، فترتاح لمجالسته و التقرب منه ، فإذا مات و انقطع عن الدنيا ، لا ينقطع ذكره ، و لا تضيع حكمه ، 

و لا يخلو مجلس من ذكره و الترحم عليه ، بما خلفه من أثر طيب في النفوس ،  بل يصبح حتى بعد موته قدوة لمن يسعى في طلب الإستقامة .

          أما البعض الآخر فلا داعي للحديث عنه

و لا سبيل لتشبيهه بشيء مادام لا شيء .


              💼  بقلب لا بقلم  زايد وهنا  💼