قاب قوسين
قد ينسى الإنسان كل مقدور و كل مكروه يمر به ،
و هو أمر طبيعي لأن حياة الإنسان تتقلب بين عسر و يسر بين نعمة و نقمة ، و معلوم أن الأويقات السعيدة و لو كانت قليلة و متباعدة تنسي صاحبها لحظات المحن و الأزمات التي
تتعاقب و تتكالب عليه في بعض اللحظات و ما أكثرها في حياته ،
و قليل منها تلك التي تترك أثرا نفسيا لا تمحوه الأيام خصوصا إذا كان الإنسان مرهف الحس ، ذا شخصية ليس لها من قوة في مجابهة الصعاب إلا قليل ، و هذه الأمور من البديهيات أو البدهيات في سلوك الناس و إن كان تأثيرها يختلف من شخص لآخر و من جنس لآخر ، غير أن ما أريد أن أشير إليه بعد هذه المقدمة هو شعور صادم مرعب يفوق في خطورته و هوله كل المحن التي عاشها الإنسان ، إذ لم يسبق لأحدنا أن تعرض لمثله أو
خبر شدة هوله ، هذا الشعور يضعك في موقف ترى فيه
نفسك قاب قوسين من موت محقق هو نصب عينيك و لا
منقذ منه إلا الله عز وجل ، فتصغر الدنيا في عينيك و لم يعد
يهمك منها ما جمعت يداك من أموال و ثروات ، و لا تبحث إلا عن مخرج عساك تنجو بنفسك و أهلك .
نعم هذا الشعور الذي يعجز العقل عن وصفه هو ما تعرض له أولئك الذين ضرب الزلزال مدنهم و قراهم و أنا واحد منهم .
تصور أن تكون جالسا في بيتك ليلا مع أفراد أسرتك ، كل فرد منشغل بما تهوى نفسه ، و تجدك تفكر في كل شيء يخطر ببالك ، و لكن الذي لم يخطر ببالك أن تهتز الأرض بغتة تحت
قدميك و تميل بك غرف المنزل بكامله و كأنك في سفينة تتقاذفها الأمواج ، فيتوقف تفكيرك تماما و لا ترى إلا الموت
أمامك يتربص بك ، كل هذا في ثوان قليلة و بسرعة فائقة
لا تترك للعقل مجالا كي يتصرف و كيف يتصرف و قد أفقده
الهلع و الرعب كل طاقة للتفكير ، فلا يملك لنفسه و لا لأهله
شيئا من قوته و حيلته إلا التشهد و الهروب من المنزل تاركا
كل غال و نفيس و قد حانت النهاية ، أما النساء و الأطفال
فيصرخون و يستنجدون و هم يعرعون خارج البيوت ،
و أنى يجدي الفرار لو لم يتداركنا الله بلطفه و رحمته ، لكنا
جميعا تحت الركام و لكن شاءت حكمته أن ننجو من موت محقق حدق بنا في لمح البصر ، فأصبح جميع السكان يبيتون في العراء خوفا من الارتدادات الزلزالية ، و لا يهمهم من ملذات الدنيا شيئا إلا أن ينجوا بأنفسهم ، غير أن القرى القريبة من بؤرة الزلزال تضررت كثيرا حيث تهدمت البيوت على رؤوس ساكنيها و مات منهم عدد كبير ممن وافاهم الأجل المحتوم ،
كما أصيب منهم مثل ذلك العدد بل و أكثر ، و لا يسع الجميع أمام هول الفاجعة إلا قول " إنا لله و إنا إليه راجعون ".
لذلك أعود و أقول أنني لا أظن أن أحدا ممن عاش لحظات
هذه الفاجعة ، قد عاش مثلها من حيث خطورتها و هولها
و خوفها ، لهذا فمهما عاش بعدها من أوقات طيبة ، فلا شك
أن أثر هذه الصدمة القاسية ستبقى خالدة في ذهنه تتناقلها الألسن و يحكيها الأجداد للأحفاد .
ختاما نسأل الله جل في علاه الرحمة و المغفرة للموتى
و الصبر و السلوان لأهاليهم و الشفاء العاجل للمصابين
و العوض للمتضررين ، و أن يجنبنا الفواجع ، و أن يكتب لنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
هكذا عاش زايد وهنا تلك اللحظات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق