بين الأمس و اليوم

 بين الأمس و اليوم 


                     عشت مخضرما بين القرن العشرين و القرن الواحد و العشرين ، و لا أنكر أن الأربعين سنة التي عشتها في القرن الماضي أجمل و أسعد من هذه الثلاثة و العشرين سنة التي عشتها و أعيشها في هذا القرن .

قد يقول قائل أن الزمان في تطور مستمر و متزايد ، و قد تغيرت أشياء كثيرة ، و ظهرت مستجدات جديدة في هذين العقدين الأخيرين ، لم تكن معروفة من قبل .

أرد عليه قائلا : أوافقك الرأي أن هذين العقدين عرفا تطورا كبيرا في مجالات الإتصال و التواصل و التكنولوجيا بمختلف

قطاعاتها ، و لكنهما في المقابل عرفا انحلالا في القيم 

و الأخلاق و العلم و المعرفة ، و انتشرت ظواهر غير طبيعية أستحيي أن أذكرها ما دام الجميع يعلمها .

أفضل الحياة البسيطة التي عشناها في القرن الماضي ، كانت لدينا هواتف عادية تنقل المكالمات ولا شيء غير ذلك ، 

و القليل من الناس من كان يملك واحدا ، كنا نعتمد على الكتب في تحصيل العلم و المعرفة ، كنا نتنافس على الفضيلة و كانت الرذيلة حالة شاذة يتقزز منها الناس و يعيبون على من اقترفها .

كنا نطيع والدينا و نستحيي من كبار السن ، نحترم جيراننا في الحي ،  و نوقر أهل البلدة بأكملها ، نبجل أساتذتنا و نتخذهم قدوة ، لم يحدث قط أن سمعنا عن تلميذ أهان أستاذا أو هدده ، نادرا ما نسمع بحدوث جريمة ، و قد تمر سنوات عديدة دون أن نسمع بها ، و إن حدثت لا تصل في خطورتها و هولها و تكرارها ما تعرفه جرائم اليوم ، حتى بات أناس يومنا هذا يتخوفون ليل نهار من المشرملين الذين يجوبون الشوارع بأسلحتهم البيضاء ، و لا يلقى القبض على أحدهم إلا بعد أن يكون قد ألحق الأذى بأحد المواطنين .

 كان النجاح في أيامنا الماضية باستحقاق إذ لا ينتقل من مستوى الى آخر إلا من كان كفؤا ، لذلك كان المستوى العلمي و المعرفي عند أجيالنا راقيا ، فمستوى الحاصل على الشهادة الاعدادية يومها يوازي بل  يفوق علما و معرفة مستوى الحاصل على الباكلوريا في يومنا هذا ، و قس على ذلك التفاوت الحاصل في باقي المستويات . 

إضافة الى هذا فقد علمتنا الحياة البسيطة فيما مضى عدة مهارات يدوية و فكرية ، مارسنا أعمال الفلاحة و البناء 

و غيرها ، و تحملنا المشاق ، و صنعنا لعبنا بأيدينا ، و اكتسبنا علاقات اجتماعية مع الأقران دامت صداقتها و استمرت إلى اليوم . 

كنا لا نسمع عبر الإذاعة و التلفزة  إلا ما يفيد و يطرب ، برامج ثقافية و علمية و فنية مفيدة ، فلا تذاع إلا الأغاني الراقية ذات كلمات شعرية رائعة سواء بالفصحى أو بالعامية ، مما هذب أذواقنا، و جعلنا لا نقبل التفاهة و السفاهة و الأعمال الأدبية الساقطة .

         هذا باختصار بعض من فضائل القرن الماضي ، و لو أطلقنا 

العنان لذكر ما لم يذكر لطال بنا المقال ، و لاشتد بنا الأسى  

و الأسف على ما آلت إليه الأمور في أيامنا هذه ، لذلك فأنا شخصيا أحبذ ذلك الزمان ببساطته ، و لا أرى لتقدم هذا الزمان أي غاية و أي أثر على سعادة الإنسان ما دام قد ضرب بالأخلاق الفاضلة عرض الحائط ، و همش العلم و العلماء و بجل التافهين 

و السفهاء . 


                         من قناعات زايد وهنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق