لكل قدر يلقاه
فتحت خديجة عينيها على الدنيا في أسرة متواضعة الحال ، و عاشت عيشة بسيطة تكابد
و تناضل و تصارع الفقر علها تفلت من مخالبه ، بنفس قنوعة و وجه بشوش ، ما ثبت يوما أن تضجرت من قساوة الزمان عليها ، فذاقت كل أنواع الخصاص طيلة مسيرتها الدراسية ، تمني النفس بمستقبل قد تتغير فيه أحوالها إلى ما يعوض عليها و على أسرتها بعض الذي عرفوه من غدر الزمان ، و ذاك ما تم لها مؤخرا و بعد لأي طويل حين التحقت بسلك التدريس ، و أصبحت أستاذة للغة العربية بإحدى الاعداديات ، تنفست الصعداء و تنفسه معها كل من يعرف عنها ما عانته من مشاق في حياتها غير أن للقدر رأي آخر ، و كأنه لا يريد لها أن تستمتع إلا بأعوام قليلة ، إذ أصيبت بمرض خطير ، استعصى شفاؤه ، فعادت من جديد تقاسي الآلام و الأوجاع عوض الفقر الذي صاحبها في كل مراحل حياتها ، تقبلت قدرها دون تبرم أو تضجر ، تتضرع في صلواتها لله سبحانه و تعالى بنفس راضية مطمئنة ، ليصرف عنها هذا الابتلاء ، و لكن لله في خلقه شؤون ، إذ استفحل الداء و لم يمهلها إلا أشهر قليلة ، أسلمت الروح بعدها إلى بارئها .
غادرت خديجة الدنيا كما جاءت إليها في صمت و ألم
و لم يبق في نفسي إلا أثر من تلك البشاشة و صدق
المودة التي جمعتني بها و نحن طلبة .
اللهم مالك الملك ، مقدر الأقدار ، عالم الأسرار ، تعلم ما في أنفسنا و لا نعلم ما في نفسك ، أسألك بكل عزيز عندك أن تغفر لها و ترحمها برحمتك الواسعة و اجعل مقامها في جنة النعيم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق