شر البقاع
كثيرا ما يتداول الناس في مجالسهم الحديث الذي رواه الطبراني في المعجم الكبير عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأحدهم بعد أن سأله عن خير بقاع الأرض :
" خير بقاع الأرض مساجدها و شر البقاع أسواقها "
صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كيف لا و هو الذي لا ينطق عن الهوى .
يحضرني هذا الحديث الشريف كلما ارتدت سوقا من
الأسواق الشعبية ، و أقف على شرورها من خصومات
و غش و تدليس و الحلف بيمين الغموس و غيرها مما
جعلها شر البقاع ، و لكن في أيامنا هذه لاحظت أن هناك
بقاعا هي أسوأ و أقبح و أكثر شرا و ضررا من الأسواق
إنها المحطات الطرقية سيما الخاصة بالحافلات هذه التي تعج بكل أنواع ( شماكرية ) إن صح التعبير ، بعضهم يستخدمه السائقون للمناداة على الركاب
و جلبهم إلى الحافلة التي يعملون لصالحها مقابل دريهمات يتبرع بها عليهم السائقون أو مساعدوهم عند مغادرة المحطة ، و بعضهم يحشر أنفه من غير أن يطلب منه ذلك عساه يظفر هو أيضا ببعض الدراهم .
و في خضم هذا الهرج و المرج و المنافسة في استقطاب أكبر عدد من الركاب تقع مناوشات
و معارك طاحنة يترتب عنها التلفظ بالكلام النابي الذي يخدش الحياء و يتأذى منه الركاب خصوصا المصحوبين بأفراد أسرهم ، مما ينغس عليهم متعة السفر ، و هذه السلوكات المقيتة أصبحت مألوفة
و معتادة في كل المحطات و في كل المدن ، بحيث لا تكاد تمر ساعة حتى تنشب المعارك اللفظية بل
و الجسدية أحيانا ، و لو سألت أي مسافر في أي محطة لأبلغك عن امتعاضه و تقززه مما يقع فيها من سلوكات
منافية للتربية السليمة و لقيمنا الاسلامية و الانسانية
لأنه أضحى من سابع المستحيلات أن يمر يوم بل ساعة دون أن ترى و تسمع ما يخدش الحياء و يثير الاشمئزاز
إذن إذا كانت وزارة النقل تنشئ محطات طرقية جديدة بمواصفات عصرية ، فلماذا لا تجعل لها نظاما عصريا
يتماشى مع البناية الحديثة للمحطة ، فلا تباع التذاكر إلا في الأكشاك المخصصة لكل اتجاه ، و أن تفرض على السائق و مساعده ارتداء بذلة خاصة موحدة ، و حثهما
على حسن المعاملة و التصرف اللائق اللبق مع المسافرين ، و لا يسمح لغير العاملين بالمحطة ولوجها تحت أي ذريعة ، إلا لأولئك الذين عينتهم السلطات المعنية لتنظيم الرحلات ، و غير هذا من الاجراءات النافذة التي تقطع الطريق على ( شماكرية ) الذين في الحقيقة أحالوا متعة السفر إلى جحيم لا يطاق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق