راحة الضمير

 راحة الضمير


         كثير هم الأصدقاء و المعارف الذين يسألونني عن إحساسي بعد أن أحلت على المعاش ، و بعد هذا العمر الطويل في مهنة التدريس و الذي يزيد عن أربعين سنة ، قضيتها في هذه المهنة الشريفة و الشاقة في نفس الوقت ، لذلك كنت كلما طرح علي هذا السؤال  أتبسم في وجه السائل ، و قبل أن أجيب أحمد الله في سري أن أطال عمري حتى أدركت التقاعد ، و بعدها أجيبه بأن لكل مرحلة عمرية خصائصها و مميزاتها .

و لكن أحسن ما في مرحلة ما بعد التقاعد و هو ما لا أبديه لأحد بل أحتفظ به لنفسي-- بكل تواضع --  هو ذلك الإحساس براحة الضمير الذي يولد نوعا من الفخر و الاعتزاز جراء ما قدمته أثناء تلك المسيرة الطويلة في التربية و التعليم  من تضحيات 

و إخلاص و مردودية و التي يظهر أثرها جليا على تلامذتي و قد صاروا كبارا و أغلبهم أدرك مبتغاه ، فهم الآن يشغلون وظائف مختلفة في قطاعات مختلفة ، و في مدن مختلفة من وطننا .

 و لعل أكبر و أغلى وسام أتقلده و أبهي تاج أضعه على رأسي هو عندما تجمعني الأقدار بأحد تلامذتي ، فيأتيني مهرولا في استحياء و يعانقني عناقا حارا ، و يذكرني بالأيام الخوالي عندما كان تلميذا في فصلي ، و مهما قلت لن أستطيع أن أعبر عن مقدار الفرحة المقرونة بالاعتزاز في مثل هذا الموقف العظيم بل لا أخفي سرا أنه أحيانا تذرف عيناي دمعا يجمع بين الذكرى و الأثر الطيب و يزيدها تأججا ما هم عليه من خلق حسن و قيم كنت أحثهم عليها و أناضل من أجل غرسها في نفوسهم ، و ها أنا أرى أثرها واضحا في سلوكهم ، و كله بفضل الله و حب المهنة .

و هذا أعظم إنجاز أفتخر به سرا ، و أسأل الله جل في علاه أن يتقبله مني و من أمثالي الذين أفنوا زهرة شبابهم في التربية 

و التعليم بكل إخلاص و تفان ، فصنعوا أجيالا صالحين لأنفسهم 

و أسرهم و وطنهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق