حكى لي أحدهم ما وقع بينه و بين صديق له ، كان يعتبره بمثابة الأخ ، لأن صداقتهما بدأت منذ الطفولة ، و استمرت زمنا طويلا ، يربو عن ثلاثين سنة شعارها الود و المحبة و التآزر ، و لكن حدث مؤخرا ما عكر صفو هذه العلاقة المتينة ، دون سابق إنذار ،
و من غير سبب واضح تغير الصديق و لم يعد كما كان ،
مما حز في نفس هذا المتحدث ، و طلب مني أن أكتب شيئا عن هذا الموضوع ، لأن مثل هذه الأمور كثيرا ما تقع بين الأصدقاء .
استمعت إليه و هو يروي قصته في حسرة و تأفف ،
و بعد أن افترقنا ، كتبت هذه السطور نزولا عند رغبته ، و تمنيت لو جمعتني الصدفة بصديقه لأسمع منه هو كذلك ، و لكن على كل حال هذا كلامه و أنا مجرد كاتب أترجم أحاسيسه بكل حيادية .
●●●●●●●●●●●●●●●●●
■ أعلم أن لي عيوبا ، و أنت تعلمها و تعلم عني عيوبا أخرى لا أعلمها أنا ، لكن أثناء تفتيشك عن عيوبي و إحصائها ، ألم تجد و لو سجية يتيمة قد تكون مختبئة بين هذا الكم الهائل من العيوب ، أم أنك وجدتها و لكن لصغر حجمها أسقطها غربالك و تجاهلتها لكي لا تحصل إلا على ما تريد كشفه و إشهاره ، أظنك تعمدت أن تستعمل هذا الغربال الغير المحايد الذي برمج سلفا لرصد المثالب و إغفال المناقب .
أما أنا فلا أعلم عنك إلا المكارم ، أما عيوبك و إن كثرت فإنني أتغاضى عنها و لا أفتش عنها ، لأن رصدها
و كشفها أعتبره مذمة قد يعصف بالعلاقة ، لذلك لا
أرى فيك إلا الجوانب المضيئة و هي ما يجذبني إليك
أما الجوانب المظلمة فأتمنى ألا أعرفها ، أعرفت لماذا ؟
لكي أبقي على علاقتنا صادقة لا يشوبها ما يعكر صفوها ، لهذا استغربت منك هذا التصرف الذي بدا منك مؤخرا ، فأتساءل لماذا لم تبد كل هذه المثالب إن وجدت من قبل و تسترت عليها كل هذا العمر الطويل ؟ أم هي مستحدثة في سلوكي و قد اكتشفتها مؤخرا ،
و لم تطق صبرا على تحملها ؟ أم لم تعد لك حاجة بي
بعد أن استنفذت كل طلباتك و أغراضك و صرت في
أحسن حال ؟ ، و مهما يكن أليس في مقدورك تنبيهي لعيوبي و تصحيحها إن كنت حقا ترغب في استمرار
الود و المحبة كما عاهدناها منذ طفولتنا ؟ .
لا تجعل التفتيش عن عيوب ملفقة ذريعة للهروب ، كان الأولى بك و قد صممت على تغيير المسار أن تسلك السبيل الذي أعجبك دون أن تثير ما يحز في النفس
و يؤلمها ، و تكون بذلك قد أضفت صفة الذكاء إلى صفاتك الحميدة ، أما و الحالة هذه فقد تصرفت تصرف اللئام ، و عفرت مناقبك في التراب و مرغتها في وحل الخساسة ، بالله عليك لماذا أخفيت كل هذا اللؤم
و استطعت أن تتقن تمثيل النفاق كل هذه السنين ،
أما أنا فلا أذكرك و لن أذكرك بسوء أبدا لأن العلاقة الوطيدة التي جمعتنا طوال هذه المدة أكبر من أن يطالها النكران و تمسح في رمشة عين ،كما أن الحياء يمنعني من أن أعاملك بالمثل ، و هو من صفاتي التي
أغفلتها عمدا و لم تذكرها ، و كيف تذكرها و همك الوحيد هو إبداء مساوئي لا غير .
بعد كل هذا لا عليك فأنت حر في اتخاذ قراراتك ،
و لكن اعلم يقينا أنك لن تجدني إذا ما عاتبك ضميرك
و أردت أن تعيد المياه إلى مجاريها ، فقد شيدت لها
سدا منيعا يحول دون جريانها ، فلا تتعب نفسك ،
و أتمنى لك رحلة سعيدة في طريق سفرك الذي اخترته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق