أنين في الخفاء

                   😌 أنين في الخفاء 😌


        من الطبيعي أن لكل الإنسان في هذه الدنيا  قدر محتوم يلقاه ، و هو من المسلمات التي لا يسلم من خيره و شره أحد مهما كانت عقيدته 

و مهما أوتي من الجاه و القوة و المنصب و المال ، سيان عنده الذكر و الأنثى ، الصغير و الكبير ، الرئيس و المرؤوس ، الغني و الفقير ، القوي 

و الضعيف ،  يفرح تارة و يحزن أخرى ، و لكن الطبيعة البشرية مجبولة على تقبل السراء 

و الإسعاد بها ، و رفض الضراء و الإكراه لها ، غير أن هذه المشاعر  لا تغير من أمرها و مسارها شيئا ، 

و لذلك ليس للإنسان يد فيما هو مقدر عليه ، إلا الشكر عند هذه و الصبر على تلك إن كان حقا يؤمن بالقدر خيره و شره .

         هذا هو الإنسان إذا أتته سراء استبشر بها ، و لا تسعه الدنيا غبطة و سرورا ، فيشرك أهله 

و أحبته فيها يشاطرونه السعادة و يملؤون عليه البيت بالهدايا ، و الحقيقة أنها لحظات قصيرة 

سرعان ما ينتهي مفعول بهجتها لتعود الحياة إلى

روتينها اليومي .

و الأمر نفسه يحصل مع من حلت به مصيبة من بنات الدهر تراه مسود الوجه كظيما لا يرى في الحياة إلا السواد ، فيلتف حوله الأهل و الأحبة يواسونه و يخففون عنه ، فإذا أتاه الفرج انساق مع الروتين اليومي للحياة و قد نسي ما مر به بل يقبل على الحياة يجتني ملذاتها.

هذا حال الإنسان في هذه الدنيا يتذوق حلاوتها

فيسعد و يتجرع مرارتها فيشقى و هكذا دواليك إلى أن يلقى ربه .

و هو أمر طبيعي عند الناس عامة و لا يحتاج إلى مقال مثل هذا ليوضح واضحا و يبين معلوما .

و لكن هناك من الناس من يحمل سرا في جوانحه و لا يعلم بأمره أحد إلا خالقه ، قد يكون مشكلا

عويصا لا يستطيع البوح به و لا يمكنه استشارة أحد فيه ، يعيش في دوامة من العذاب الدائم 

و يرزح تحت ثقل هواجسه التي تؤرقه و تضني جسمه فتلازمه طيلة حياته و لا يسعه إلا أن يحتفظ بها لنفسه حتى تدفن معه .

و هذا في الحقيقة هو أشد و أقسى و أعتى أنواع العذاب النفسي و البدني .

        فاللهم مالك الملك ، رب السماوات و الأرض ، عالم الغيب و الشهادة ، الطف بنا فيما جرت به المقادير ، قبل نزولها و بعد نزولها ،  و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، فنحن عبادك الضعفاء و أنت القوي القدير الفعال لما تريد ، نسألك بأسمائك الحسنى 

و آياتك العظمى ، أن تجعل لنا من أمرنا يسرا ، 

و أن تفرج كرب المكروبين ، و تنفس عن المرضى و المحزونين ، و اجعل الحياة زيادة لنا من كل خير ، و اجعل الموت راحة لنا من كل شر ، و لا تقبضنا إليك إلا و أنت راض عنا ، يا أرحم الراحمين يا رب العالمين .


             👐  اللهم تقبل دعاء  زايد وهنا  👐

نحن السبب

                    🌎  نحن السبب  🌏


         يتساءل الكثير من الناس عن سبب انقطاع حبل الرحمة و المساعدة بيننا و نحن أبناء مجتمع واحد ، نقتدي بتعاليم ديننا الحنيف ، الذي يقول

منزله سبحانه و تعالى :


" و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان " سورة المائدة الآية 2


و قال المنزل عليه صلى الله عليه و سلم :


" من نفَّسَ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَبِ الدنيا ، نفَّسَ اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ . ومن يسّرَ على معسرٍ ، يسّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرةِ. ومن سترَ مسلمًا، ستره اللهُ في الدنيا والآخرةِ. واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه " .

في صحيح مسلم ومسند أحمد و غيرهما


 لا أظن أن أحدا من أبناء جلدتنا يجهل هذه القيم التي يدعو إليها الإسلام و يحث عليها في كثير من المواضع بل جعلها من لب العمل الصالح 

و جوهره ، و هو ما يجعلنا نتساءل عن الأسباب التي أدت إلى عدم الأخذ بها إلا في حالات قليلة تكاد لا تذكر ، و الجواب عن هذا السؤال واضح وضوح الشمس في كبد السماء ،

كيف تطلب من سائق أن يقل راجلا في الطريق 

و قد سمع الكثير من المآسي و المصائب التي وقع فيها غيره ممن قدموا مساعدة من هذا القبيل .

كيف تطلب من شخص ما أن يؤوي إلى بيته متشردا قصد إطعامه و قد سمع الكثير من الأحداث المؤلمة التي وقع فيها من سبقوه لمثل ذلك العمل الإنساني .

كيف تطلب من شخص أن يقبل طعاما من جالسه في الحافلة و قد سمع العديد من المشاكل التي ترتبت عن ذلك لأناس تناولوا طعاما مخذرا و فعل بهم ما فعل .

كيف تطلب من شخص أن يستأمن على وديعة من

أحدهم و هي تضم ما تضم من الممنوعات ، فتنقلب عليه الأمور بالمشاكل التي ربما تقلب حياته راسا على عقب ، و هو الرجل النزيه الذي 

استؤمن على الوديعة بحسن نية .

كيف تطلب من رجل متزن ، متزوج  أن يؤوي امرأة غريبة عن البلدة من الشارع إلى منزله حتى لا تتعرض لسوء ، فيتضح في الأخير أنه هو من تعرض لمكيدة خربت بيته و جعلته أضحوكة بين

الناس و هو الكريم الذي تصرف بحسن نية .

كيف تطلب من أحدهم أن يحسن إلى متسول

مشرد ، فيتضح أن المتسول له من متاع الدنيا 

ما لا يملكه فاعل الخير .

كيف تطلب من الجارة أن تقدم طعاما لجارتها 

و هي تسمع عن الحوادث التي وقعت من مثل 

هذا العمل الخيري و التي انتهت بمآسي محزنة .

كيف تطلب من امرأة صالحة أن تقبل أن تدع عندها امرأة أخرى صبيا لبعض الوقت ، و قد سمعت الكثير من القصص التي كانت عواقبها وخيمة .

و كيف ... و كيف ... و كيف ... ،

الحوادث والمآسي التي تترتب عن أفعال البر 

و الإحسان في عصرنا هذا كثيرة و متنوعة 

و لا حصر لحيل و مكر مرتكبيها في حق أناس

أبرياء كانوا يتصرفون بحسن النية و يتحلون بروح الرحمة و مد يد العون لكل من هو في حاجة إليها غير أن الكثير منهم قوبل إحسانهم بالإساءة

حتى عضوا على أناملهم من الندم و الأسى .

إذن من جعل الرحمة و الثقة و أعمال البر تنعدم بيننا ؟ 

أليس هو تصرفنا المقيت الذي ينطوي على الخداع و المكر و الطمع ، الإنسان هو السبب لذلك لا تلومن أحدا إذا ما مسك يده عن المساعدة ، فربما

تجده قد اكتوى يوما بنار الدسيسة و الخديعة ،

و لعل الأقوال المأثورة عن هذه الظواهر هي أكثر الأقوال شيوعا بين الناس أتعرف لماذا ؟ لأنهم يسمعون دوما عن مثل هذه الجرائم و الحوادث ، لذلك فالسواد الأعظم يحفظها و يستدل بها ،

كقولهم :

  "  اتق شر من احسنت إليه  "

 " إن الأفاعي و إن لانت ملامسها

                  فعند التقلب في أنيابها العطب "

"  ما تدير خير ما يطرا باس "

  " أنا باللقمة لفمو و هو بالعود لعيني "

و غيرها كثير .

        ختاما لا نقرأ هذا المقال المتواضع و نمتنع

كليا عن فعل الخير ، لا أبدا ليس ذاك هو المقصود 

و إنما المراد منه هو الأخذ بالحيطة و الحذر ،

عند تقديم أي مساعدة بحيث تكون عواقبها سليمة

و طرق البر ذات العواقب السليمة كثيرة و متنوعة 

لمن أراد أن يحسن دون أن يتعرض للإساءة .

فالله سبحانه و تعالى نسأل أن يردنا إلى رشدنا 

و أن يهدينا الصراط المستقيم ، و أن يجعل مفاتيح الخير على يدينا متى استطعنا إلى ذلك 

سبيلا ، و أن يحفظ و يستر بستره الجميل كل

إنسان بريء يعمد إلى مساعدة الآخرين ، 

آمين و الحمد لله رب العالمين .


     💼  تأملات في الواقع بقلم  زايد وهنا  💼



خوف اللقاء

                🎻   خوف اللقاء  🎻


     نزولا عند رغبة و طلب أحد الأصدقاء المقربين ، سأتحدث عن اللقاء الذي جمعني أول مرة بالمرحوم الحاج الحسين التولالي .

كان ذلك سنة 1985 ، و هي السنة المفصلية التي تحول فيها عشقي لفن الملحون من مستمع ولوع إلى بدايات البحث في أسراره ، و جمع المعطيات من مصادر أساسية موثوقة مما حتم علي البحث عن رجالات هذا الفن لأستقي من معارفهم ، فكان أول شخص قصدته هو المرحوم الحاج الحسين التولالي بمدينة مكناس و بالضبط في النادي الموجود بحي " لحبول " ، و لم أكن حينها و أنا شاب في الرابعة و العشرين من عمري ، متأكدا من اللقاء به ، إذ كنت أظن أن ذلك أمر صعب على مثلي و أنا البدوي القادم من منطقة تافيلالت ، 

و لكن فوجئت باستقباله لي استقبالا حارا و كأنني

أحد أفراد عائلته خصوصا لما علم أنني زرته قصد

التزود ببعض المعلومات عن فن الملحون ، أجلسني بالقرب منه و بدأ يسألني عن تافيلالت 

و نواحيها و كأن الحديث عنها يحرك فيه مشاعر

خاصة .

كنت كلما سألته عن شيء ، يجيب قدر ما يعرف بكل تواضع و هو يوحي من كلامه أنه فنان 

عصامي ينقل إلي المعارف كما سمعها عن شيوخه 

و عن الباحثين في هذا الميدان ، و في الوقت نفسه يشجعني على البحث و عقد اللقاءات مع المهتمين .

قضيت معه من الوقت زهاء الساعتين ، استفدت منها الكثير و استمتعت بسماع مقاطع من بعض القصائد ، قمت بعدها مودعا شاكرا ، و مما زاد من حب هذا الرجل في نفسي أنه ألح على استضافتي 

بمنزله و لكن اعتذرت و شكرت و انصرفت . 


           💼   من ذكريات   زايد وهنا  💼

الحاج الحسين التولالي

 


 🎻الأداء المتقون في إنشاد قصائد الملحون🎻


🎻المرحوم الحاج الحسين التولالي نموذجا🎻



مشاركة متواضعة مقتضبة مساهمة منا في إحياء ذكرى هرم من أهرامات فن إنشاد قصائد الملحون

بالمغرب الشيخ الحاج الحسين التولالي ، رحمه الله

  تتمحور حول النقط التالية :


    ◾  الحمد و الثناء


    ◾  توطئة


    ◾   نبذة موجزة عن حياته


    ◾  شروط المنشد ( النشاد ) البارع


    ◾  السر الذي جعل المرحوم الحاج الحسين التولالي  يتربع على عرش الإنشاد بالمغرب .    


    ◾  ترى هل يجود الزمان بمثله ؟.  


    ◾    خاتمة


               ◾   الحمد و الثناء   

الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات و الصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير الورى و آله 

و صحبه ، و من اهتدى بهديه الى يوم الدين                

                     ◾ توطئة 

      في هذه  اللحظة التي أبث فيها هذا العرض المتواضع تكون قد مرت  23 سنة على رحيل أحد عباقرة الإنشاد في فن الملحون ، و مازلنا من حين لآخر نسمع صدى صوته يرن في البيوت أو المقاهي أو في الهواتف المحمولة ، و كأن الرجل ما زال بيننا حيا يرزق ، 

و هو في الحقيقة حي في قلوب عشاق هذا الفن الراقي ، لما خلفه للمغاربة جميعا من روائع القصائد التي أنشدها بصوت يشد المولوعين إليه شدا ، 

و يأسر قلوب الناس بأساليب أدائه المتميز . 

إذن فمن هو هذا الرجل ؟


           ◾   نبذة موجزة عن حياته


الحاج الحسين التولالي هكذا يعرفه جميع المغاربة و لكن اسمه الحقيقي هو الحسين دادوح الملقب بالتولالي نسبة لقبيلته تولال بمدينة مكناس التي ولد بها سنة 1924, وهو إبن أسرة محافظة  كانت تهتم بزراعة الورود  فكان و هوطفل  يحمل الورود لبيعها و بذلك كان يتردد على   مقاهي المدينة التي كانت تعج بأجواق طرب الملحون و من هنا بدأ ولعه و شغفه بهذا اللون التراثي ، فتعلم القراءة و الكتابة على يد شيخه  الشاعر أحمد ولد ابا سلام و بعده تعرف على مولاي امحمد الخياطي بو ثابت و تقرب منه و أخذ عنه بعض المبادئ في فن الإنشاد ، و لكن سرعان ما سطع نجمه إذ تعلم العزف على آلة العود و أتقن ملاعبتها كما شهد له ببراعة  الانشاد في مرحلة زمنية كانت فيها الساحة المغربية تعج بمنشدين كبار من أمثال الحاج التهامي الهاروشي و الشيخ بن عيسى الشليوي الفاسي و امحمد بوستة المراكشي و الحاج عبد الكريم كنون و الشيخ الحسين بن ادريس و غيرهم ، و لكنه استطاع بموهبته أن يتربع على عرش الإنشاد بالمغرب وقد تخرج على يديه هو أيضا من الرجال المنشدين المنشد البارع سعيد مفتاحي و عبد الله الرمضاني و عبد العالي الأجراوي و عبد الهادي الراضي و سعيد الادريسي و غيرهم و من النساء تتلمذت على يديه

الفنانة حياة العسري و ماجدة اليحياوي و طارق حكيمة و ليلى لمريني و نعيمة الطاهري و غيرهن .

التحق بالإذاعة الوطنية و سجل بها العديد من القصائد ، كما شارك في بعض الأعمال المسرحية مع الطيب الصديقي ، و كانت له جلسات فنية مع المجموعات الغنائية خصوصا جيل جيلالة ، و أحيى سهرات ملحونية خارج الوطن ، جعلت المستمعين له ينبهرون بأدائه رغم جهلهم باللغة .

كانت هذه بإيجاز بعض المحطات من حياة رجل وهب نفسه لفن الملحون في جانبه الفني أما الجانب الأخلاقي في شخصيته ، فهو الرجل الوقور المتسامح المضياف الذي لايمل الانسان من مجالسته و الاستئناس بحديثه ، و لكن مشيئة الله قضت بأن يلتحق بالرفيق الأعلى في شهر دجنبر من سنة 1998 ، بعد أن ترك لنا إرثا فنيا لا زال صداه يرن في كل البيوت .


           🔼فما الشروط التي تجعل الأداء متميزا عند أي نشاد ؟


          🔽وما السر الذي تفرد به المرحوم زيادة على تلك الشروط جعله يتربع على عرش الإنشاد في فن الملحون بالمغرب ؟      


              ◾شروط المنشد ( النشاد ) البارع


من المعلوم عند أهل الفن و خاصته أن الإنشاد لا يستقيم أمره و لا يقع في النفس موقع الإعجاب 

و الإقبال إلا بشروط لا غنى عنها و هي التي تميز منشدا عن آخر في تحبيب المادة الى المتلقي ، 

و لعل عدم إقبال السواد الأعظم من الشباب على الإهتمام بالتراث يرجع أساسا إلى هذه الشروط ، إذ تبين لنا بعد عدة لقاءات مع الشباب أنهم يميلون إلى المنتوج الذي يروج بالأداء المتميز ، 

لذلك تراهم كلما ذكر فن الملحون يستشهدون بصوت و أداء المرحوم الحاج الحسين التولالي ، 

رغم عدم اهتمامهم بفن الملحون ، و هذا راجع إلى هذه الشروط الضرورية و الأساسية و التي ندرجها كالتالي :


           ☚ الصوت :

تختلف الأصوات بين الناس و لا تتشابه إلا نادرا شأنها في ذلك شأن البصمات تقريبا ، فلكل إنسان صوته الذي وهبه الله له يميزه عن أصوات الآخرين ، ففيها الصوت الغليظ الخشن و الصوت الرخيم الدافئ و كلها أصوات قد تكون محبوبة إذا شفعت بسر القبول و هذا القبول هو هبة ربانية فطرية يهبها سبحانه و تعالى لمن يشاء من عباده 

فيجعل صوته مقبولا محبوبا عند الناس و لو كان صاحبه بعيدا عن أهل الفن ، فما بالك إذا كان يصخر صوته في أداء القصائد و الأغاني و الأشعار عموما ، فتلك الموهبة الصوتية هي أحد أركان الأداء الراقي ، و لولاها لكان كل الناس فنانين بارعين ، و لنا في تاريخ فن الأصوات أمثلة كثيرة ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ، صوت 

المرحوم المقرئ عبد الباسط عبد الصمد في تجويد القرآن الكريم ، و كذا صوت سيدة الطرب العربي أم كلثوم و فيروز و عندنا في المغرب أصوات رواد الأغنية من أمثال عبد الهادي بلخياط و المرحوم محمد الحياني و أصوات أخرى عند أهل الطرب الأندلسي و أهل السماع و المديح ، 

و غير هؤلاء ممن يتميزون برقة الصوت و جماليته مما حبب أداءهم في نفوس المستمعين .


                ☚ اللحن

للحن معاني كثيرة و متشعبة و لكن ما يهمنا نحن في موضوعنا هذا هو المعنى الذي يراد به التلحين و التنغيم و بالخصوص في مجال فن الملحون ، فقصائد شعر الملحون موضوعة في بحور و قياسات لا يمكن الخروج عنها ، و المنشد البارع هو من يلتزم بلحنها الذي وضعت عليه و لا يغيره بآخر و إن أحدهم فعل ذلك فلن يستقيم له الأداء 

و قد تفقد القصيدة قيمتها الفنية .


                ☚ العزف

يعتبر العزف المتزن الرصين أحد الشروط الأساسية في الإنشاد ، فمتى كان العازفون ماهرين يتقنون الصنعة إلا و كان ذلك عاملا مساعدا للمنشد في تحسين أدائه و العكس صحيح .


                ☚ الأداء ( الإنشاد )

هذا الركن هو الشرط الأكثر أهمية و المحور الأساسي ضمن الشروط المذكورة سلفا ، إذ هو اللمسة الأخيرة التي تضفي على المنتوج رونقه 

و بهاءه ، فمن الممكن أن يقع اختلال في أحد الشروط السابقة ولكن الأداء المبهر للمنشد يغطي ذلك العيب مستغلا صوته و ذكاءه و سرعة بديهته.

و المنشد أو النشاد لا يستقيم له الأداء الجيد إلا إذا كان على علم بما يقدم ، و يعرف تمام المعرفة 

معاني و أسرار القصيدة عموما .


  ◾  السر الذي جعل المرحوم الحاج الحسين التولالي يتربع على عرش الإنشاد بالمغرب .

لنكون منصفين في تحليلنا و غير مغالين في قولنا

سنحاول أن نستحضر الشروط المذكورة آنفا أي الصوت و اللحن و العزف و الأداء و نسلط الضوء على مدى إتقانها عند هذا الرجل العصامي ، 

و أشياء أخرى استفرد هو بها دون غيره جعلته يتبوأ هذه المكانة .


  🔹 فمن حيث الصوت ، فقد حباه الله صوتا جميلا يقصر عنه الوصف ، حباه دفئا و رخامة ، 

و هذه هبة فطرية من الله ، و لو جالسته و حاورته لشاطرتني الرأي ، كلامه لين ينساب من فمه حلوا ، تستلذه الأذن و يقبله العقل و تسعد له المشاعر 

و الأحاسيس .


 🔹 أما اللحن فكان رحمه الله يحترم القصائد 

و يعتني بقوالبها أيما عناية ، ما ثبت عنه يوما أن أخل بقياس أو مرمة .


  🔹 من حيث العزف ، يعد المرحوم من العازفين الماهرين على آلة العود ، و يا ما شنف أسماع الناس بتلك الوصلات الاستهلالية قبل الدخول في القصيدة ، كما أن الجوق الذي يعمل معه يضم عازفين بارعين في مختلف الآلات الموسيقية 

و على رأسهم صديقه السيد محمد الوالي العازف على آلة الكمان ، و هذا كله من شأنه أن يساعد المرحوم على إتقان الأداء .


   🔹 يبقى الركن الأساسي الذي هو الإنشاد ، فالمرحوم التولالي يؤدي قصائد الملحون أداء مميزا يجعل المستمع يهيم معه في عوالم القصيدة

و هذا التميز لديه راجع لعدة عوامل قلما تجدها عند غيره من المنشدين بل يمكن أن نجزم القول بأنه يستفرد بها ، و كيف لا و هو من شب على سماع القصائد من لدن أشياخ الملحون على اختلاف مشاربهم و طبوعهم و تولع منذ صغره بهذا الفن حتى أضحى الهواء الذي يتنفسه ، فلا غرو أن يكون إنشاده جامعا لكل محاسن أشياخه ، و مما أهله لينال حضوة الإنشاد و الأداء هي  العوامل التالية :


  ⚫  فصاحة اللسان :


من المعلوم أن أصول المرحوم تعود الى منطقة تافيلالت ، و هي المنطقة الشبه الصحراوية التي يعرف أهلها بفصاحة لسانهم ، و إذا تصفحنا تاريخ الأدب العربي نجد أن البدو العرب  معروفون ببيانهم و طلاقة لسانهم ، و هو ما جعل أشعارهم 

جميلة ، و لهجة أهل تافيلالت العامية تكاد تكون قريبة من الفصحى في أغلب كلماتها ، و بالتالي فهي تصقل لسان أهلها و تكسبهم فصاحة 

و وضوحا ، و هذه الميزة ورثها المرحوم عن أبائه

و أجداده فكانت له عونا و مزية في أدائه بل حتى في نظمه لبعض القصائد و إن كانت قليلة فهي لا تقل قيمة عن قصائد فحول النظام ، استقى معانيها من معينه و رصيده الكبير في حفظ أشعار الأشياخ . 


  ⚫  تشخيص المواقف :


عرف المرحوم التولالي أثناء إنشاده بتقمص المواقف و تشخيصها ، فتراه يهيم بين ثنايا القصيدة حتى تشعر و كأن الشاعر الذي نظم القصيدة هو من يتحدث إليك ، فتجده ينتقل بمقامات صوته بين مقاطع القصيدة و مفرداتها ،

فيلين معها حيث لانت و يقسو معها حيث قست ، 

و يتألم مع ألمها و يسعد بسعادتها ، فيشدك إليه

و يجعلك أسيرا بين يديه ، فتصبح أنت نفسك طرفا تهيم مع خيال الشاعر بفضل المنشد و عنه ينطبق قول الأوائل " الملحون فراجتو ف كلامو "

و هذا الأمر ليس باليسير إلا على من هم على شاكلته في هذا الباب فقط و لا أظنهم إلا قليلون .


  ⚫  تقنية تدارك الأخطاء ( السقطات) :


ليس العيب أن يخطئ الإنسان ، فالخطأ وارد 

و الكمال لله خصوصا في مجال كهذا مترامي الأطراف من حيث بحوره و قياساتها و أغراضه 

و مراميها و طول القصائد و أقسامها ، فلا بد أحيانا من خطإ قد يرد في اختلال العزف أو نسيان في الكلمات ، و هنا تظهر حنكة المنشد بحيث يمتلك آليات فنية و طرق أشبه ما تكون بيداغوجية يوظفها في ستر الخلل فينقذ الموقف بحيث لا يشعر به إلا قلة قليلة من الذين لهم إلمام كبير بفن الملحون ، و صاحبنا رحمة الله عليه يعتبر رائدا بدون منازع في هذه التقنية .


        ◾ ترى هل يجود الزمن بمثل هذا الرجل ؟


لا ننكر أن عندنا في المغرب منشدين بارعين ، 

و لا يمكننا أن نجحد فضلهم في إحياء فن الملحون ، و لو فعلنا لكنا مقصرين في حقهم ، 

و يكون حكمنا غير ذي مصداقية و عقلانية ، 

 منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر ،غير أننا كذلك نكون ظالمين إذا لم نعط كل ذي حق حقه ، و نعترف لأصحاب الفضل بفضلهم .

فالشيخ التولالي اجتمع فيه ما تفرق في غيره ، 

فقد جمع المحاسن كلها و استفرد بأمور زيادة عنها لم يؤتها غيره و قد أتينا على ذكرها .


        ◾    خاتمة

ختاما كنت قد عبرت عن وجهة نظري في شخص هذا الرجل في كتابي الذي صدر لي سنة 2013 بعنوان :

 " ضالة المفتون بالشعر الملحون "

و قلت أنني لا أظن أن الزمان قد يجود بمثل المرحوم الحاج الحسين التولالي في الإنشاد ،

فلامني أحدهم على هذا الجزم ، بقوله ربما قد يأتي من هو مثله أو أحسن منه ، غير أنني لم أقتنع بكلامه و ما زلت مصرا على رأيي ، لأنني أعرف عن هذا الرجل ما لا يعرفه محاوري .

فالله أسأل جل في علاه أن يتغمده برحمته الواسعة و أن يجعل توسلاته في ميزان حسناته 

و أن يسكنه فسيح جنانه و والدينا و والديكم 

و جميع أموات المسلمين و أن يختم لنا بالصالحات أعمالنا ، و السلام عليكم و رحمة الله .  





شعراء زماننا

 🌎 من يدلني على مكمن الخلل أكون له شاكرا🌏


         قد يجد الإنسان نفسه أحيانا عاجزا عن فهم 

و إدراك مرامي بعض القصائد الشعرية من شعر التفعيلة ( الشعر الحر ) ، و هذا النوع من الشعر 

يتدرع به البعض ليقول ما يحلو له ، دون مراعاة 

لضوابط النظم من نسق تعبيري و جرس موسيقي و تناغم الأفكار و الرؤى ، و لعل هذا ما أشكو منه

في أيامنا هذه  ، فرغم اهتمامي بالأدب العربي شعره و نثره قديمه و حديثه و رغم أنني قرأت لعدد كبير من الشعراء عبر العصور الأدبية و أحفظ لهم الكثير من الأشعار ، إلا أنني مؤخرا أقف مشدوها متعجبا أمام بعض الأعمال التي يصنفها

أصحابها شعرا ، أقول البعض و لا أعمم حتى لا 

أكون مجحفا و غير منصف في حق المبدعين

المتمكنين .

فبعض الأشعار أقرؤها و أعيد قراءتها مرات عديدة

لعلني أخرج منها بتصور معين عما يرمي إليه القائل و لكن بدون جدوى حيث أجد نفسي عاجزا

عن فك رموزها ، حتى أصبحت أشك في قدراتي

الفكرية ، فأعود و أوطن نفسي حتى لا تذهب بي الظنون أبعد من ذلك .

أشيح ببصري عن ذلك الهراء و أستحضر مخزوني من الشعر الحر ، فأتذكر قصائد بدر شاكر السياب 

و نازك الملائكةو هارون هاشم رشيد و جميل الجيوسي و نزار قباني و محمود درويش و أحمد

مطر و البرغوثي و هشام الجخ و أنيس شوشان

و غيرهم كثير ممن أبدعوا و أجادوا ، فتجدني 

أتفاعل مع أشعارهم فهما و تذوقا و أسبح في بحار معانيهم ، فتتفتح أمامي كل معاني الحياة و تكبر

في الأحاسيس و المشاعر الجميلة تفرحني تارة 

و تحزنني تارة أخرى ، فأشعر أنني كائن حي يتأثر

بآمال و آلام النفس الإنسانية .

العجب هو أن كل هذا الإحساس يغيب بتاتا عند

قراءة ما يسميه بعضهم شعرا ، فتراني أتساءل ،

و من يدري لعل الخلل في أنا ، أنا الذي ربما أعاني 

قصورا في الفهم و الإدراك ، و لست مؤهلا فكريا

لسبر أغوار كلامهم ، و لكن أعود فأقول هؤلاء

يكتبون باللغة العربية و أنا و الحمد لله و بكل

تواضع و لا أمن على أحد ، أملك من مفاتيحها ما 

يؤهلني لفهم ظواهرها اللغوية و بلاغتها ، إذن

كيف تعجزني ( أشعار ) هؤلاء و أجد مشقة في فهم مراميها و لا تعجزني أشعار الفحول ممن سبق ذكر أسماء بعضهم .

أخيرا لا أنكر أن من بين شعراء أيامنا هذه من أرتاح لأعمالهم الشعرية ، و لكن البعض الآخر 

أراهم يتطفلون على الشعر ، أو أراني أتطفل على

شعرهم و أصدر أحكاما واهية هي من قبيل 

بلادتي و غبائي ، ترى من منكم قراءنا الأعزاء يأخذ بيدي و يدلني على مكمن الخلل ، فأكون له شاكرا  ؟؟؟


            💼   تصورات بقلم   زايد وهنا  💼


تعساء في زمن العولمة

         🌎  تعساء في زمن العولمة 🌏


          لم يعد الزمان كما كان ، قول يردده الكثير من الناس كناية عما آل إليه العصر من متغيرات لا توافق أهواءهم و لا تستسيغها عقولهم ، أو بتعبير أدق أن أولئك الذين تقدم بهم السن لم يعودوا يستطيعون التأقلم و التكيف مع هذا الزمان 

و مستجداته ، و الحقيقة أن لا عيب في الزمان فهو ليل و نهار فصول و أعوام تتعاقب في نظام بديع من مدبر حكيم منذ شاء تعالى لهذا الكون أن يكون ، و إلى أن يقضي سبحانه بفنائه .

و لكن العيب فينا نحن البشر لأن كل ما يجري في عصرنا من أحداث و متغيرات هي من صنع أيدينا .

لهذا فالسواد الأعظم من كبار السن لا يروقهم الكثير من المتغيرات التي أتت بها هذه المدنية 

ما دامت قد أفقدت الحياة جوهرها و أغلى ما فيها 

و هي السعادة و الإطمئنان ، في حين يعتبرها الجيل الحالي تحضرا و تقدما رغم ما يعانيه من ويلاتها ، مما يخلق صراعا بين هؤلاء و أولئك .

فأجيال القرن الماضي إلى حدود الثمانينات أغلبها لها رؤى مختلفة عما يجري اليوم في مجتمعاتنا إذ ترى أن السعادة في القيم الإنسانية النبيلة ، في الأمن و الأمان من غير خوف ، في الحب و الإخاء من غير مصلحة ،  في الكرامة و الشهامة من غير تملق ،  في العفة و الأنفة من غير استجداء ،  في صون الشرف و الغيرة عليه من غير دياثة ، في الإخلاص و التفاني من غير خذلان....

يرفعون من قدر علمائهم المبجلين ، و يحطون من شأن سفهائهم التافهين .

 يفخرون بكتابهم المحنكين و شعرائهم النابغين،

و معلميهم المخلصين ، و أطبائهم المتفانين ، 

و مطربيهم المؤنسين ، و فنانيهم المبدعين ، 

و باقتضاب شديد فهم لا يفسحون للتفاهة 

و الرذيلة مجالا إلا ما جاء قهرا و تلك حالات نادرة في زمانهم ، لا يقيمون لها وزنا .

فكان عصرهم ذهبيا بكل المقاييس -- في نظرهم-- سادته القيم الانسانية و حفته السعادة و الطمأنينة و عمته العيشة الهنيئة و لو على بساطتها .

هكذا يرى كبار السن ماضيهم المشرق ، فيقارنونه

بما استجد عند هؤلاء و يتحسرون على ما آل إليه الوضع الحالي ، إذ يرون التفاهة و الميوعة 

و الفساد و الرذائل بكل أنواعها  قد أرخت سدولها على كل شيء جميل مما ألفوه فأحالته إلى تعاسة

و بؤس ، حتى قالوا ليتنا متنا قبل أن نرى نقائص و صغائر هذا الزمن ، و كأن لسان حالهم يقول :

أي حضارة انسانية هذه التي تتبجحون بها يا أجيال اليوم ، فعلماؤكم صخروا طاقاتهم العلمية 

و الفكرية  في صنع الأسلحة و إشعال نار الفتن  ، دمروا البيئة و لوثوا عناصر الطبيعة ، و لم يكتفوا بذلك بل اصطنعوا الفيروسات الخطيرة التي أتت على الصالح و الطالح و أفقدت الناس الشعور بالأمن و الإطمئنان و نغصت عليهم متعة العيش .

أما أطباؤكم فأغلبهم باعوا ضمائرهم و جعلوا من

مهنة الطب تجارة يتكسبون بها و بين جشعهم 

و طمعهم تضيع صحة المريض المسكين .

تعليمكم تردى إلى ما دون الحضيض و لم يعد يخرج إلا العاطلين الغير المؤهلين ، لأن الأستاذ الذي كان فيما مضى سيد قومه و منقذهم من الجهل ، أحلتموه أضحوكة وسخرتم منه 

و استنقصتم من قدره ، متناسين أنكم بتصرفكم الغبي هذا قد غرزتم مسمار الجهل في عقول أبنائكم .  

هذا ناهيك عن الفساد الذي استشرى في جميع قطاعاتكم حتى أصبح عملة رائجة تتداول جهارا 

و أمسى كل شريف مخلص في نظركم حالة شاذة .

شبابكم انجرف مع تيار الانحراف يتعاطى المخدرات بكل أنواعها و يستغل التكنولوجيا في الجانب السلبي الهدام ، يقلد التافهين حتى أنه لم تعد لديه الغيرة على عرضه ، يجوب الشوارع  

و سوأته بادية للعيان من تلك السراويل المتدلية الممزقة .

أصبح التشرميل عندكم أمرا مألوفا و الإعتداء على الناس و أعراضهم و أموالهم شيئا مرتقبا في كل لحظة لأن وسائل الحماية شبه منعدمة 

و الرادع في أقصى العقوبات هو سجن من خمسة نجوم يتمنى المجرم ألا يغادره ، و إن غادره فهو يعد نفسه بالرجوع إليه حيث الترف و الأنس متوفران داخل أسواره .

فسدت أذواقكم و أصبح كل عاو عندكم  فنانا ، فكثر المتفيهقون و انعدم الابداع ، و زاد الإعلام 

الساقط الطين بلا بتشجيعه للتفاهة و السفاهة .

استبدلتم الطعام الصحي المفيد بالوجبات السريعة من مثل ( البيتزا و الهمبرغر و الطاكوس) 

و غيرها و ضيعتم على أنفسكم لذة العيش بل جلبتم لأبدانكم العلل و الأمراض ، و أضحت الأدوية جزء من معيشكم اليومي .

         كل هذا و غيره مما يستحيي اللسان عن ذكره ، و تظنون أن حياتكم على هذه الحال هي الحضارة و السعادة و طيب العيش ، عجبا لمن يظن ذلك أو يوهم نفسه أنه في الطريق السوي . 

            باختصار هذا رأي الأجيال الماضية فيكم ، و هو ما جعلهم يشعرون بالغربة بينكم ، فقد تغير كل شيء في نظرهم و لم تعد لهم رغبة في حياة انعدم فيها الأمن و الأمان و أصبحت فيها الرذيلة فضيلة و التفاهة سعادة .

 إذن ماذا تنتظرون يا أجيال القرن الواحد 

و العشرين ، استفيقوا من غفلتكم و ردوا عن أنفسكم بطلان ما يدعيه هؤلاء العجزة الخرف ،

-- إن كان فعلا باطلا -- و ادحضوا أفكارهم بالحجة القاطعة و البرهان الساطع ، أليس فيكم رجال راشدون غيورون ينافحون عن كرامتهم و يردون الصاع صاعين ، فإن توانيتم عن ذلك و لم تفعلوا ، فاعلموا أنكم انهزمتم و أنكم حقا سلمتم بصدق قولهم و أقررتم بتعاسة زمانكم . 


               ✏ بقلم المخضرم   زايد وهنا  ✏