الحاج الحسين التولالي

 


 🎻الأداء المتقون في إنشاد قصائد الملحون🎻


🎻المرحوم الحاج الحسين التولالي نموذجا🎻



مشاركة متواضعة مقتضبة مساهمة منا في إحياء ذكرى هرم من أهرامات فن إنشاد قصائد الملحون

بالمغرب الشيخ الحاج الحسين التولالي ، رحمه الله

  تتمحور حول النقط التالية :


    ◾  الحمد و الثناء


    ◾  توطئة


    ◾   نبذة موجزة عن حياته


    ◾  شروط المنشد ( النشاد ) البارع


    ◾  السر الذي جعل المرحوم الحاج الحسين التولالي  يتربع على عرش الإنشاد بالمغرب .    


    ◾  ترى هل يجود الزمان بمثله ؟.  


    ◾    خاتمة


               ◾   الحمد و الثناء   

الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات و الصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير الورى و آله 

و صحبه ، و من اهتدى بهديه الى يوم الدين                

                     ◾ توطئة 

      في هذه  اللحظة التي أبث فيها هذا العرض المتواضع تكون قد مرت  23 سنة على رحيل أحد عباقرة الإنشاد في فن الملحون ، و مازلنا من حين لآخر نسمع صدى صوته يرن في البيوت أو المقاهي أو في الهواتف المحمولة ، و كأن الرجل ما زال بيننا حيا يرزق ، 

و هو في الحقيقة حي في قلوب عشاق هذا الفن الراقي ، لما خلفه للمغاربة جميعا من روائع القصائد التي أنشدها بصوت يشد المولوعين إليه شدا ، 

و يأسر قلوب الناس بأساليب أدائه المتميز . 

إذن فمن هو هذا الرجل ؟


           ◾   نبذة موجزة عن حياته


الحاج الحسين التولالي هكذا يعرفه جميع المغاربة و لكن اسمه الحقيقي هو الحسين دادوح الملقب بالتولالي نسبة لقبيلته تولال بمدينة مكناس التي ولد بها سنة 1924, وهو إبن أسرة محافظة  كانت تهتم بزراعة الورود  فكان و هوطفل  يحمل الورود لبيعها و بذلك كان يتردد على   مقاهي المدينة التي كانت تعج بأجواق طرب الملحون و من هنا بدأ ولعه و شغفه بهذا اللون التراثي ، فتعلم القراءة و الكتابة على يد شيخه  الشاعر أحمد ولد ابا سلام و بعده تعرف على مولاي امحمد الخياطي بو ثابت و تقرب منه و أخذ عنه بعض المبادئ في فن الإنشاد ، و لكن سرعان ما سطع نجمه إذ تعلم العزف على آلة العود و أتقن ملاعبتها كما شهد له ببراعة  الانشاد في مرحلة زمنية كانت فيها الساحة المغربية تعج بمنشدين كبار من أمثال الحاج التهامي الهاروشي و الشيخ بن عيسى الشليوي الفاسي و امحمد بوستة المراكشي و الحاج عبد الكريم كنون و الشيخ الحسين بن ادريس و غيرهم ، و لكنه استطاع بموهبته أن يتربع على عرش الإنشاد بالمغرب وقد تخرج على يديه هو أيضا من الرجال المنشدين المنشد البارع سعيد مفتاحي و عبد الله الرمضاني و عبد العالي الأجراوي و عبد الهادي الراضي و سعيد الادريسي و غيرهم و من النساء تتلمذت على يديه

الفنانة حياة العسري و ماجدة اليحياوي و طارق حكيمة و ليلى لمريني و نعيمة الطاهري و غيرهن .

التحق بالإذاعة الوطنية و سجل بها العديد من القصائد ، كما شارك في بعض الأعمال المسرحية مع الطيب الصديقي ، و كانت له جلسات فنية مع المجموعات الغنائية خصوصا جيل جيلالة ، و أحيى سهرات ملحونية خارج الوطن ، جعلت المستمعين له ينبهرون بأدائه رغم جهلهم باللغة .

كانت هذه بإيجاز بعض المحطات من حياة رجل وهب نفسه لفن الملحون في جانبه الفني أما الجانب الأخلاقي في شخصيته ، فهو الرجل الوقور المتسامح المضياف الذي لايمل الانسان من مجالسته و الاستئناس بحديثه ، و لكن مشيئة الله قضت بأن يلتحق بالرفيق الأعلى في شهر دجنبر من سنة 1998 ، بعد أن ترك لنا إرثا فنيا لا زال صداه يرن في كل البيوت .


           🔼فما الشروط التي تجعل الأداء متميزا عند أي نشاد ؟


          🔽وما السر الذي تفرد به المرحوم زيادة على تلك الشروط جعله يتربع على عرش الإنشاد في فن الملحون بالمغرب ؟      


              ◾شروط المنشد ( النشاد ) البارع


من المعلوم عند أهل الفن و خاصته أن الإنشاد لا يستقيم أمره و لا يقع في النفس موقع الإعجاب 

و الإقبال إلا بشروط لا غنى عنها و هي التي تميز منشدا عن آخر في تحبيب المادة الى المتلقي ، 

و لعل عدم إقبال السواد الأعظم من الشباب على الإهتمام بالتراث يرجع أساسا إلى هذه الشروط ، إذ تبين لنا بعد عدة لقاءات مع الشباب أنهم يميلون إلى المنتوج الذي يروج بالأداء المتميز ، 

لذلك تراهم كلما ذكر فن الملحون يستشهدون بصوت و أداء المرحوم الحاج الحسين التولالي ، 

رغم عدم اهتمامهم بفن الملحون ، و هذا راجع إلى هذه الشروط الضرورية و الأساسية و التي ندرجها كالتالي :


           ☚ الصوت :

تختلف الأصوات بين الناس و لا تتشابه إلا نادرا شأنها في ذلك شأن البصمات تقريبا ، فلكل إنسان صوته الذي وهبه الله له يميزه عن أصوات الآخرين ، ففيها الصوت الغليظ الخشن و الصوت الرخيم الدافئ و كلها أصوات قد تكون محبوبة إذا شفعت بسر القبول و هذا القبول هو هبة ربانية فطرية يهبها سبحانه و تعالى لمن يشاء من عباده 

فيجعل صوته مقبولا محبوبا عند الناس و لو كان صاحبه بعيدا عن أهل الفن ، فما بالك إذا كان يصخر صوته في أداء القصائد و الأغاني و الأشعار عموما ، فتلك الموهبة الصوتية هي أحد أركان الأداء الراقي ، و لولاها لكان كل الناس فنانين بارعين ، و لنا في تاريخ فن الأصوات أمثلة كثيرة ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ، صوت 

المرحوم المقرئ عبد الباسط عبد الصمد في تجويد القرآن الكريم ، و كذا صوت سيدة الطرب العربي أم كلثوم و فيروز و عندنا في المغرب أصوات رواد الأغنية من أمثال عبد الهادي بلخياط و المرحوم محمد الحياني و أصوات أخرى عند أهل الطرب الأندلسي و أهل السماع و المديح ، 

و غير هؤلاء ممن يتميزون برقة الصوت و جماليته مما حبب أداءهم في نفوس المستمعين .


                ☚ اللحن

للحن معاني كثيرة و متشعبة و لكن ما يهمنا نحن في موضوعنا هذا هو المعنى الذي يراد به التلحين و التنغيم و بالخصوص في مجال فن الملحون ، فقصائد شعر الملحون موضوعة في بحور و قياسات لا يمكن الخروج عنها ، و المنشد البارع هو من يلتزم بلحنها الذي وضعت عليه و لا يغيره بآخر و إن أحدهم فعل ذلك فلن يستقيم له الأداء 

و قد تفقد القصيدة قيمتها الفنية .


                ☚ العزف

يعتبر العزف المتزن الرصين أحد الشروط الأساسية في الإنشاد ، فمتى كان العازفون ماهرين يتقنون الصنعة إلا و كان ذلك عاملا مساعدا للمنشد في تحسين أدائه و العكس صحيح .


                ☚ الأداء ( الإنشاد )

هذا الركن هو الشرط الأكثر أهمية و المحور الأساسي ضمن الشروط المذكورة سلفا ، إذ هو اللمسة الأخيرة التي تضفي على المنتوج رونقه 

و بهاءه ، فمن الممكن أن يقع اختلال في أحد الشروط السابقة ولكن الأداء المبهر للمنشد يغطي ذلك العيب مستغلا صوته و ذكاءه و سرعة بديهته.

و المنشد أو النشاد لا يستقيم له الأداء الجيد إلا إذا كان على علم بما يقدم ، و يعرف تمام المعرفة 

معاني و أسرار القصيدة عموما .


  ◾  السر الذي جعل المرحوم الحاج الحسين التولالي يتربع على عرش الإنشاد بالمغرب .

لنكون منصفين في تحليلنا و غير مغالين في قولنا

سنحاول أن نستحضر الشروط المذكورة آنفا أي الصوت و اللحن و العزف و الأداء و نسلط الضوء على مدى إتقانها عند هذا الرجل العصامي ، 

و أشياء أخرى استفرد هو بها دون غيره جعلته يتبوأ هذه المكانة .


  🔹 فمن حيث الصوت ، فقد حباه الله صوتا جميلا يقصر عنه الوصف ، حباه دفئا و رخامة ، 

و هذه هبة فطرية من الله ، و لو جالسته و حاورته لشاطرتني الرأي ، كلامه لين ينساب من فمه حلوا ، تستلذه الأذن و يقبله العقل و تسعد له المشاعر 

و الأحاسيس .


 🔹 أما اللحن فكان رحمه الله يحترم القصائد 

و يعتني بقوالبها أيما عناية ، ما ثبت عنه يوما أن أخل بقياس أو مرمة .


  🔹 من حيث العزف ، يعد المرحوم من العازفين الماهرين على آلة العود ، و يا ما شنف أسماع الناس بتلك الوصلات الاستهلالية قبل الدخول في القصيدة ، كما أن الجوق الذي يعمل معه يضم عازفين بارعين في مختلف الآلات الموسيقية 

و على رأسهم صديقه السيد محمد الوالي العازف على آلة الكمان ، و هذا كله من شأنه أن يساعد المرحوم على إتقان الأداء .


   🔹 يبقى الركن الأساسي الذي هو الإنشاد ، فالمرحوم التولالي يؤدي قصائد الملحون أداء مميزا يجعل المستمع يهيم معه في عوالم القصيدة

و هذا التميز لديه راجع لعدة عوامل قلما تجدها عند غيره من المنشدين بل يمكن أن نجزم القول بأنه يستفرد بها ، و كيف لا و هو من شب على سماع القصائد من لدن أشياخ الملحون على اختلاف مشاربهم و طبوعهم و تولع منذ صغره بهذا الفن حتى أضحى الهواء الذي يتنفسه ، فلا غرو أن يكون إنشاده جامعا لكل محاسن أشياخه ، و مما أهله لينال حضوة الإنشاد و الأداء هي  العوامل التالية :


  ⚫  فصاحة اللسان :


من المعلوم أن أصول المرحوم تعود الى منطقة تافيلالت ، و هي المنطقة الشبه الصحراوية التي يعرف أهلها بفصاحة لسانهم ، و إذا تصفحنا تاريخ الأدب العربي نجد أن البدو العرب  معروفون ببيانهم و طلاقة لسانهم ، و هو ما جعل أشعارهم 

جميلة ، و لهجة أهل تافيلالت العامية تكاد تكون قريبة من الفصحى في أغلب كلماتها ، و بالتالي فهي تصقل لسان أهلها و تكسبهم فصاحة 

و وضوحا ، و هذه الميزة ورثها المرحوم عن أبائه

و أجداده فكانت له عونا و مزية في أدائه بل حتى في نظمه لبعض القصائد و إن كانت قليلة فهي لا تقل قيمة عن قصائد فحول النظام ، استقى معانيها من معينه و رصيده الكبير في حفظ أشعار الأشياخ . 


  ⚫  تشخيص المواقف :


عرف المرحوم التولالي أثناء إنشاده بتقمص المواقف و تشخيصها ، فتراه يهيم بين ثنايا القصيدة حتى تشعر و كأن الشاعر الذي نظم القصيدة هو من يتحدث إليك ، فتجده ينتقل بمقامات صوته بين مقاطع القصيدة و مفرداتها ،

فيلين معها حيث لانت و يقسو معها حيث قست ، 

و يتألم مع ألمها و يسعد بسعادتها ، فيشدك إليه

و يجعلك أسيرا بين يديه ، فتصبح أنت نفسك طرفا تهيم مع خيال الشاعر بفضل المنشد و عنه ينطبق قول الأوائل " الملحون فراجتو ف كلامو "

و هذا الأمر ليس باليسير إلا على من هم على شاكلته في هذا الباب فقط و لا أظنهم إلا قليلون .


  ⚫  تقنية تدارك الأخطاء ( السقطات) :


ليس العيب أن يخطئ الإنسان ، فالخطأ وارد 

و الكمال لله خصوصا في مجال كهذا مترامي الأطراف من حيث بحوره و قياساتها و أغراضه 

و مراميها و طول القصائد و أقسامها ، فلا بد أحيانا من خطإ قد يرد في اختلال العزف أو نسيان في الكلمات ، و هنا تظهر حنكة المنشد بحيث يمتلك آليات فنية و طرق أشبه ما تكون بيداغوجية يوظفها في ستر الخلل فينقذ الموقف بحيث لا يشعر به إلا قلة قليلة من الذين لهم إلمام كبير بفن الملحون ، و صاحبنا رحمة الله عليه يعتبر رائدا بدون منازع في هذه التقنية .


        ◾ ترى هل يجود الزمن بمثل هذا الرجل ؟


لا ننكر أن عندنا في المغرب منشدين بارعين ، 

و لا يمكننا أن نجحد فضلهم في إحياء فن الملحون ، و لو فعلنا لكنا مقصرين في حقهم ، 

و يكون حكمنا غير ذي مصداقية و عقلانية ، 

 منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر ،غير أننا كذلك نكون ظالمين إذا لم نعط كل ذي حق حقه ، و نعترف لأصحاب الفضل بفضلهم .

فالشيخ التولالي اجتمع فيه ما تفرق في غيره ، 

فقد جمع المحاسن كلها و استفرد بأمور زيادة عنها لم يؤتها غيره و قد أتينا على ذكرها .


        ◾    خاتمة

ختاما كنت قد عبرت عن وجهة نظري في شخص هذا الرجل في كتابي الذي صدر لي سنة 2013 بعنوان :

 " ضالة المفتون بالشعر الملحون "

و قلت أنني لا أظن أن الزمان قد يجود بمثل المرحوم الحاج الحسين التولالي في الإنشاد ،

فلامني أحدهم على هذا الجزم ، بقوله ربما قد يأتي من هو مثله أو أحسن منه ، غير أنني لم أقتنع بكلامه و ما زلت مصرا على رأيي ، لأنني أعرف عن هذا الرجل ما لا يعرفه محاوري .

فالله أسأل جل في علاه أن يتغمده برحمته الواسعة و أن يجعل توسلاته في ميزان حسناته 

و أن يسكنه فسيح جنانه و والدينا و والديكم 

و جميع أموات المسلمين و أن يختم لنا بالصالحات أعمالنا ، و السلام عليكم و رحمة الله .  





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق