🌎 تعساء في زمن العولمة 🌏
لم يعد الزمان كما كان ، قول يردده الكثير من الناس كناية عما آل إليه العصر من متغيرات لا توافق أهواءهم و لا تستسيغها عقولهم ، أو بتعبير أدق أن أولئك الذين تقدم بهم السن لم يعودوا يستطيعون التأقلم و التكيف مع هذا الزمان
و مستجداته ، و الحقيقة أن لا عيب في الزمان فهو ليل و نهار فصول و أعوام تتعاقب في نظام بديع من مدبر حكيم منذ شاء تعالى لهذا الكون أن يكون ، و إلى أن يقضي سبحانه بفنائه .
و لكن العيب فينا نحن البشر لأن كل ما يجري في عصرنا من أحداث و متغيرات هي من صنع أيدينا .
لهذا فالسواد الأعظم من كبار السن لا يروقهم الكثير من المتغيرات التي أتت بها هذه المدنية
ما دامت قد أفقدت الحياة جوهرها و أغلى ما فيها
و هي السعادة و الإطمئنان ، في حين يعتبرها الجيل الحالي تحضرا و تقدما رغم ما يعانيه من ويلاتها ، مما يخلق صراعا بين هؤلاء و أولئك .
فأجيال القرن الماضي إلى حدود الثمانينات أغلبها لها رؤى مختلفة عما يجري اليوم في مجتمعاتنا إذ ترى أن السعادة في القيم الإنسانية النبيلة ، في الأمن و الأمان من غير خوف ، في الحب و الإخاء من غير مصلحة ، في الكرامة و الشهامة من غير تملق ، في العفة و الأنفة من غير استجداء ، في صون الشرف و الغيرة عليه من غير دياثة ، في الإخلاص و التفاني من غير خذلان....
يرفعون من قدر علمائهم المبجلين ، و يحطون من شأن سفهائهم التافهين .
يفخرون بكتابهم المحنكين و شعرائهم النابغين،
و معلميهم المخلصين ، و أطبائهم المتفانين ،
و مطربيهم المؤنسين ، و فنانيهم المبدعين ،
و باقتضاب شديد فهم لا يفسحون للتفاهة
و الرذيلة مجالا إلا ما جاء قهرا و تلك حالات نادرة في زمانهم ، لا يقيمون لها وزنا .
فكان عصرهم ذهبيا بكل المقاييس -- في نظرهم-- سادته القيم الانسانية و حفته السعادة و الطمأنينة و عمته العيشة الهنيئة و لو على بساطتها .
هكذا يرى كبار السن ماضيهم المشرق ، فيقارنونه
بما استجد عند هؤلاء و يتحسرون على ما آل إليه الوضع الحالي ، إذ يرون التفاهة و الميوعة
و الفساد و الرذائل بكل أنواعها قد أرخت سدولها على كل شيء جميل مما ألفوه فأحالته إلى تعاسة
و بؤس ، حتى قالوا ليتنا متنا قبل أن نرى نقائص و صغائر هذا الزمن ، و كأن لسان حالهم يقول :
أي حضارة انسانية هذه التي تتبجحون بها يا أجيال اليوم ، فعلماؤكم صخروا طاقاتهم العلمية
و الفكرية في صنع الأسلحة و إشعال نار الفتن ، دمروا البيئة و لوثوا عناصر الطبيعة ، و لم يكتفوا بذلك بل اصطنعوا الفيروسات الخطيرة التي أتت على الصالح و الطالح و أفقدت الناس الشعور بالأمن و الإطمئنان و نغصت عليهم متعة العيش .
أما أطباؤكم فأغلبهم باعوا ضمائرهم و جعلوا من
مهنة الطب تجارة يتكسبون بها و بين جشعهم
و طمعهم تضيع صحة المريض المسكين .
تعليمكم تردى إلى ما دون الحضيض و لم يعد يخرج إلا العاطلين الغير المؤهلين ، لأن الأستاذ الذي كان فيما مضى سيد قومه و منقذهم من الجهل ، أحلتموه أضحوكة وسخرتم منه
و استنقصتم من قدره ، متناسين أنكم بتصرفكم الغبي هذا قد غرزتم مسمار الجهل في عقول أبنائكم .
هذا ناهيك عن الفساد الذي استشرى في جميع قطاعاتكم حتى أصبح عملة رائجة تتداول جهارا
و أمسى كل شريف مخلص في نظركم حالة شاذة .
شبابكم انجرف مع تيار الانحراف يتعاطى المخدرات بكل أنواعها و يستغل التكنولوجيا في الجانب السلبي الهدام ، يقلد التافهين حتى أنه لم تعد لديه الغيرة على عرضه ، يجوب الشوارع
و سوأته بادية للعيان من تلك السراويل المتدلية الممزقة .
أصبح التشرميل عندكم أمرا مألوفا و الإعتداء على الناس و أعراضهم و أموالهم شيئا مرتقبا في كل لحظة لأن وسائل الحماية شبه منعدمة
و الرادع في أقصى العقوبات هو سجن من خمسة نجوم يتمنى المجرم ألا يغادره ، و إن غادره فهو يعد نفسه بالرجوع إليه حيث الترف و الأنس متوفران داخل أسواره .
فسدت أذواقكم و أصبح كل عاو عندكم فنانا ، فكثر المتفيهقون و انعدم الابداع ، و زاد الإعلام
الساقط الطين بلا بتشجيعه للتفاهة و السفاهة .
استبدلتم الطعام الصحي المفيد بالوجبات السريعة من مثل ( البيتزا و الهمبرغر و الطاكوس)
و غيرها و ضيعتم على أنفسكم لذة العيش بل جلبتم لأبدانكم العلل و الأمراض ، و أضحت الأدوية جزء من معيشكم اليومي .
كل هذا و غيره مما يستحيي اللسان عن ذكره ، و تظنون أن حياتكم على هذه الحال هي الحضارة و السعادة و طيب العيش ، عجبا لمن يظن ذلك أو يوهم نفسه أنه في الطريق السوي .
باختصار هذا رأي الأجيال الماضية فيكم ، و هو ما جعلهم يشعرون بالغربة بينكم ، فقد تغير كل شيء في نظرهم و لم تعد لهم رغبة في حياة انعدم فيها الأمن و الأمان و أصبحت فيها الرذيلة فضيلة و التفاهة سعادة .
إذن ماذا تنتظرون يا أجيال القرن الواحد
و العشرين ، استفيقوا من غفلتكم و ردوا عن أنفسكم بطلان ما يدعيه هؤلاء العجزة الخرف ،
-- إن كان فعلا باطلا -- و ادحضوا أفكارهم بالحجة القاطعة و البرهان الساطع ، أليس فيكم رجال راشدون غيورون ينافحون عن كرامتهم و يردون الصاع صاعين ، فإن توانيتم عن ذلك و لم تفعلوا ، فاعلموا أنكم انهزمتم و أنكم حقا سلمتم بصدق قولهم و أقررتم بتعاسة زمانكم .
✏ بقلم المخضرم زايد وهنا ✏
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق