غريب في بلدته

                      غريب في بلدته


لعل من غريب الأمر و أعجبه ، أن تشعر بنفسك غريبا في 

بلدتك التي ولدت و ترعرعت بين أحضانها ، تتلمذت بمدارسها و عملت بها كأستاذ لمدة خمس و ثلاثين سنة ، و لم تغادرها إلا قبل سبع سنوات ليتأتى لأبنائك متابعة دراستهم في المعاهد و المدارس العليا التي تفتقر إليها بلدتنا المهمشة .

و لكن ما يبعث على الاستغراب هو أنك في كل مرة تزورها 

تشعر بنفسك غريبا ، و قد تصادف العديد من الوجوه التي

لا تعرفها ، و قليل ما تصادف أحدا من أبناء البلدة ، و الأغرب

من كل هذا أن نزوح هذه الأعداد الهائلة من الأجانب إلى البلدة سببه الرئيسي هو العمل في ضيعات النخيل التي

أقامها المستثمرون و التي تمتد امتداد البصر ، و لم تترك 

أرضا صلبة إلا و هزت تربتها و أحالتها خصبة لنمو أشجار النخيل ، و ما الإقبال على هذه المنطقة و التهافت على الاستثمار فيها إلا لوفرة مياهها الجوفية و خصوبة تربتها

التي تنتج أجود التمور و ألذها مذاقا و أغلاها سعرا ،

و لعل الحاجة الملحة لليد العاملة هو ما جعل الناس يحجون 

بأعداد كبيرة للعمل في هذه الضيعات ، و بالتالي أصبحت البلدة تعج بالعمال ذكورا و إناثا ، شبابا و كهولا .

و هنا ثمة سؤال يطرح نفسه بإلحاح ، ماذا استفادت البلدة

من كل هذه الحركة الدائبة ؟

الجواب عن هذا السؤال هو أن لا شيء تغير في بنيتها التحتية و لا في مرافقها العمومية ، فهي ما زالت ترزح تحت وطأة التهميش ، اللهم إذا استثنينا ما استفاده بعض أهل البلدة من مدخول شهري جراء كراء بيوتهم للعمال ، و ماعدا ذلك فدار لقمان على حالها ، بل الأدهى أن ذلك الفلاح الصغير الذي كان يعيش على ما تنتجه الواحة ، أصبح يشكو نذرة الماء الذي كانت مياه العيون فيما قبل تروي مزارعه عبر الخطارات ، و السبب أن المياه قد غارت بفعل استنزافها من قبل المستثمرين الذين أقاموا آبارا عميقة تجلب المياه بكميات كبيرة ، تملأ صهاريج كأنها ملاعب كرة القدم .

فإذا كانت الفرشة المائية غنية بهذه المنطقة ، فلا شك أن 

استغلالها بهذه الطرق قد يؤدي إلى تجفيفها مستقبلا ، مما ينعكس سلبا على الجميع  أهل البلدة و خصوصا الفلاح الصغير الذي يعيش على ما تنتجه الواحة ، و قد بدأت بوادر

الجفاف و البوار تلوح على أشجار الواحة و مزروعاتها ، 

فهل من طرق لترشيد استعمال الماء قبل حدوث الكارثة ؟؟؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق