الحية الرقطاء
و جاهلة بسوء الخلق تعتد زهوا
و ما يزهيها إلا الغرور و الغباء
سبحان من ألبسها ثوب الذل
لا تخطئه عين و لا يحجبه رداء
تبدي عن قصد ظاهرا متبلجا
و تضمر دونه زعافا ما له دواء
إذا رأيت خلقتها تفرست شرا
وحدس المؤمن لا تخدعه أهواء
ذمامة خلقة و سوء خلق
وأنى يؤتمن من جمع فيه البلاء
الكبر و الغرور في عرفها رياء
و المكر و النفاق في نظرها ذكاء
من عينين زائغتين ترمي شررا
و تنفث كما تنفث الحية الرقطاء
تتلفع بكل أردية المكر تصنعا
و تتلون خداعا كما تتلون الحرباء
لا تخجل من فحش تأتيه عمدا
و كيف يخجل من غاب عنه الحياء
لا يغرنك لين حديثها و إن بدا
ففي طيه خبث تخفيه الأحشاء
إذا رامت إربا استكانت تملقا
تتوسل بحديث كله ثناء و إطراء
فإذا حضيت به تنكرت لفاعله
و إن خاب مسعاها فبعده الجفاء
فكم من قريب أسدى معروفا
جزي عن فعله شرا فبئس الجزاء
كمن يجعل المعروف في عملس
و ما يرجى من النهشل إلا العواء
لا تأمن شرها لو أحسنت صنعا
ما ينالك من بر اللئيم إلا الغثاء
اسأل سابقيك ممن خدعوا قبلك
يخبروك عن ظاهر تحته الدهاء
مثل ذي الخساسة ما رأت عيني
و لا سمعت مثلها بالنميمة مشاء
تسير بين الناس بالضغينة كلما
أوقدت نار الفتنة هزها الانتشاء
إذا علمت منك سرا أنت كاتمه
أفشته مكذوبا و لم يعد له إخفاء
مهما بلغت عيوب المرء تجد له
خصلة و ذي خير خصالها الإيذاء
غمر الخبث دواخلها ولم يدع
فسحة لصدق ينمو فيها أو وفاء
تأتي النقائص دون استحياء
لا يردعها وازع و لا يمنعها إباء
على أتفه الأمور تصرخ فاشرة
و ما تدري أن رفع الصوت عوراء
من غرور تحسب نفسها حسناء
و ما تدري أنها عند الناس خنفساء
تعلو وجهها القبيح سحنة مقت
تلك هي سمات يعرف بها الأذلاء
تخفي ذمامة خلقتها بالمساحيق
فتزيدها قبحا لا حسن و لا بهاء
كقينة زنجية خضبت يديها
بالحناء فلا سواد خالص و لا حناء
الجميل من غير تبرج تراه فاتنا
والقبيح مهما فعل لا يزينه الطلاء
الطيبة و الجمال في الخلق هبة
فهل تتساوى الضباع و الظباء
إذا فغرت فاها تضوع منه نتن
يزكم أنفاسك و يصيبك الإغماء
قذرة إذا لمس الثوب كدنتها
تأفف من صنان إبطها الكساء
أما قدميها متى انتعلت حذاءا
تشكى و تقزز من عفنها الحذاء
لا تجد النظافة إلى نفسها سبيلا
الخبث يوافق العفن قال الحكماء
لو أن زانيا تغاضى عن ذمامتها
و ضاجعها فجزاء فعله الإخصاء
مع الحسناء تهون المعصية أما
هذه فخير من جماعها الاستمناء
لو كان لها حظ من غنج و دلال
لشفع لها البهاء وإن انعدم العطاء
و لكن لا هذا و لا ذاك يغري منها
كأنها جيفة نتنة عافتها الجراء
افتضحت نواياها فغدت مسخا
منبوذة تستجدي الود ممن ناؤوا
تخفي عقد النقص عساها تكسب
ود الناس فيكون لعيوبها غطاء
و لكن هيهات أن تستتر خلف ود
زائف يكشفه الكذب و الافتراء
لا يغرنك عن بعد بريق القمامة
ففي القرب النتن و العفن و الداء
مكر النساء عبر الأزمان متقلب
و مكرها عجز عن وصفه البلغاء
تكيد النساء و في كيدهن مرونة
و كيدها ليس له في الإنس نظراء
لو طفت المعمور كله ما ألفيت
سفيهة مثلها ممن أنجبت حواء
تراها تفاخر بما ليست أهلا له
و تأتي من الفعل ما يأتيه السفهاء
صارت قرينة الشيطان مطيعة
بل غدت تروضه للشر كما تشاء
من كيدها ولى الشيطان الأدبار
خاضعا لحكمها مبايعا كله ولاء
تعاهد معها الملعون إذ وجدها
منصاعة لكل شر يأتيه الخبثاء
بل صار إبليس نفسه تلميذا
يتعلم كيف تثار الفتن و البغضاء
إذا خطط أحدهما نفذ الآخر لا
فرق بينهما فهما في الشر سواء
يوسوس لها اللعين و تستجيب
له ليس لفتنة عليهما استعصاء
فيا شؤم من رأى خلقتها صباحا
قضى يومه متطيرا تحفه الضراء
إذا لقيتها استعذ بالله من شرها
و اتل ذكرا فخير سلاحك الدعاء
ما كنت أحسبني أبقى إلى زمن
تسيء إلي فيه نذلة غبية خرقاء
تتطاول على أسيادها متعالمة
و مجاراة الرعاع يأباها الشرفاء
ما لم تعلمه السلفعة أنها تتطاول
على فطحل محنك يهابه الأدباء
لو كانت تعلم قدرنا ما تفوهت
و لا يعلم قدر النبيل إلا النبلاء
لو أن ندا أساء إلي كما أساءت
لأدماه سيفي حتى تجري الدماء
و لكن على مثلها لا تسل السيوف
فالخصم ليس كفء و سره الاقصاء
خليقتي و عزتي تمنعني الرد
و سكوتي تحقير لو وعته البلهاء
سلوكها أبى بعد النصح أن يتقوم
و خير حل بعد نفاذ الحيل اتقاء
إذا المرء تمادى في تعنته ولم
ينته فالأسلم أن يكون لوده إنهاء
من حمقها تظن نفسها متحضرة
و تخلفها يعلمه الأقارب و الغرباء
يا من غدا ينتوي الزواج بمثلها
احدر أن يضيع منك البهاء و الهناء
ويحك تصبح و تمسي على قبحها
و أين المفر و قد دام عليك الشقاء
الويل لمن جمعته الأقدار بمثلها
مهما ينآى عنها يعتريه الاستياء
كل الجراثيم بالمضادات تحتوى
و هذا الفيروس داء ما له احتواء
قايضت الفضائل بالرذائل كلها
جمعت القبح بئس البيع و الشراء
فأي عاقلة تستبدل هذه بتلك
إلا شريرة عديمة الضمير أو حمقاء
المارستان أنسب ملجإ يسترها
فهل يا ترى ينجو من شرها النزلاء
أبليت ما ينيف عن الستين ولم
أر عقدا كهذه يحار فيها الأطباء
خدعت نفسها بشهادة و لم تدر
أنها محت الأمية و ما دونها أشياء
إذا حان وقت الجد تنحت جانبا
خاوية الوفاض ليس لرأيها إبداء
إن كان كل إناء بما فيه ينضح
فإناؤها حقا مجوف نخب هواء
أعماها الجهل فلا رأي تدلي به
تكتفي بالترديد كما تفعل الببغاء
فضاضة حديثها تثير غثيانا
أجمله عندها ينتابك منه ازدراء
غرها المنصب فاستسمنت ذا
ورم فلله در منصب تولته بلهاء
لا فن تواصل و لا قيما تقتدى
و لا كفاءة علم ينتفع بها الأبرياء
كيف تتلقى الناشئة القيم على
يد من يفتقدها و ما له اقتداء
حبذا لو وجدت لنفسها مربيا
يعيد تأهيلها ربما تصلح الأرزاء
لا ينال العلم إلا ذوو المكارم
و لا يدرك مراتب العلا إلا الفضلاء
ليس كل غبي بمأمن من الآفات
فالجهل عدوه إن لم يكن له أعداء
ليت شعري كان تغزلا بمليحة
أما الذميمة مثلها تجاوزها الهجاء
ما كنا نود تكدير صفو زمالتنا
و لكن ما المخرج إذا حكم القضاء
إن كان لنا عقابا لذنب اقترفناه
استوفينا النصيب فمتى الشفاء
و إن كان قدر و ابتلاء من الله
فصبر وحمد و استغفار و ثناء
فصبر جميل لما تبقى من الأيام
عسى ينقشع الغيم و تصفو الأجواء
لو عاشرت الناس بالود حمدوها
يوم الفراق و الجميع يلحقه الفناء
ما قيمة المرء إلا في أخلاقه فإن
ذهبت فخير منه الدابة العجماء
بالبر و التقوى توثق الصلات أما
الشر و الإساءة فأولى بهما الجلاء
فطوبى لمن تحلوا بخير الدارين
عاشوا سعداء و أولئك هم الأتقياء
المرء بخصاله يكون سفير قومه
يثنى عليهم غيبا و لو كانوا حقراء
ما ضر لو جعلنا المودة شعارا لنا
يجمعنا حب المهنة و يسود الإخاء
بذلنا قصارى الجهد عسانا ننعم
بأويقات سعيدة يحفها الصفاء
غير أن تعنتها حال دون السعادة
و أحالها شقاوة يتقاسمها الأخلاء
كل عشيرة بملكة جمالها تفخر
و نفخر بملكة قبح يتوجها الخراء
فكم قبيحة جملها حسن خلقها
لقت قبولا و تغنى بها الشعراء
و كم جميلة شانها سوء خلقها
لقت نفورا و تحاشاها العقلاء
ارفع كفيك إلى السماء تضرعا
و ادع بخير ما يدعو به الصلحاء
أن يجعل لك من مكائدها مسلكا
و يكفيك شرها من لا يأخذه إغفاء
ما كنت أريد لها أو لغيرها سوءا
و لكن الشرير يجوز فيه الاستثناء
ما توهمت في النساء أشباها لها
و أن أم الأربع و الأربعين لها رغاء
أستقبح غرض الذم في أشعاري
و لكني هجاء إذا استبيح الكبرياء
خبرت أغراض الشعر عند القدامى
و فداحة سيرتها يناسبها الرثاء
ما النظم بهذا الطول لحقد عليها
بل خستها فيها للقريحة اشتهاء
لو كان معيار الإنتقاء صارما
ما انتدب للتعليم أمثالها البلداء
يا من يلتمس للتدني سببا أما
يكفيك سببا أن تولاه الأغبياء
كيف ترنو لهذا القطاع استقامة
إن كانت هي و أمثالها عليه أمناء
و كيف يهفو عاقل للبلد تقدما
بمثل هذه و أنى له العز و النماء
لو أنصف الزمان العلم و أهله
ما تولى ذي المناصب إلا الأكفاء
اقرأ له الفاتحة و كبر عليه أربعا
و واريه الثرى و لك بعده العزاء
فيا لهفي على علم مضى زمانه
فما يجدي عليه التحسر و البكاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق