و تمر الأيام

                              و تمر الأيام  !!!


        ما أقسى أن تعد الأشهر و الأسابيع و الأيام و الساعات بل و الدقائق ، و ما أبطأها حين تريدها أن تمر بسرعة لتتخلص من العبء الذي حملته لأزيد من أربعة عقود من الزمن في مهنة شاقة ، و لعل ما زاد و ضاعف مشقتها تمديد سن التقاعد إلى ما فوق الستين بثلاث سنوات ، مما يجعل المقبل على التقاعد ينتظر موعد الفرج بفارغ الصبر ، لأن العمل الدؤوب و بإخلاص قد استنزف ما بقي لديه من الطاقات ، إضافة إلى تكالب الأمراض التي تنخر جسمه ، لهذا تجده يعد الدقائق و كلما اقترب موعد تقاعده ، ازداد بطء مرور الوقت و هو نفس الإحساس الذي يشعر به السجين في آخر سنة له في السجن ، و لو أن المقارنة بين هذا و ذاك تختلف في أوجه كثيرة ، و لا قياس مع وجود الفارق ، إلا أنها تلتقي في ذلك الإحساس بمرور الوقت ، كلاهما يتطلع لذلك الموعد الذي يتم فيه الإفراج ، و يرنو إلى ذلك اليوم الذي يستنشق فيه هواء الحرية ، و الغريب أنهما  كانا قبل ذلك لا يحفلان بالوقت ، و لا يشغل بالهما مروره سريعا أو بطيئا ، إذ كانا يعرفان أن زمن حريتهما ما يزال بعيد المنال و لا داعي للتفكير فيه .

فالمدرس كان طوال مشواره  يصل الليل بالنهار لتربية تلامذته و تعليمهم ، و لا يشغل باله إلا تحقيق نتائج مرضية دون التفكير في التقاعد ما دام يفصله عنه أمد بعيد ، أما الآن و قد حان وقت مغادرته و لا يفصله عنها إلا بضعة أشهر ، فقد أصبح مرور الأيام بالنسبة له بطيئا ، و رغم الملل و التعب 

و الوهن الذي ألم ببدنه ، فإن هذه كلها لم تنل من عزيمته شيئا ، فقد آل على نفسه أن يؤدي رسالته على الوجه المطلوب حتى آخر دقيقة و لو على حساب صحته ، لينصرف بعدها و هو مرتاح الضمير .

فهل هناك يا ترى من يقدر كل هذه الجهود ؟ و يعامل

المتقاعد معاملة تليق بما قدم  لهذا البلد من تضحيات على

حساب بدنه و بصره و ماله ، ليستمتع بالأيام القليلة المتبقية

من عمره إن كانت فيها بقية ، و لكن للأسف الشديد ما نراه اليوم من معاملات في حق المتقاعدين لا يرقى إلى ما يدعو إليه ديننا الحنيف و لا يساير  أدنى شروط الإنسانية التي تؤمن بها و تطبقها سائر الأمم اللادينية في حق متقاعديها .

إذا كانت كل هذه التضحيات قد قوبلت بالتنكر و النكران من قبل البشر ، فالله جلت قدرته و وسعت رحمته نسأل أن يجازي كل على قدر أعماله و أن يعوض للمتقاعد ما أفنى زهرة شبابه من أجله صحة و عافية و صلاحا في الذرية

و بركة في الرزق ، و يكفيه فخرا أن يرى تلامذته و قد أصبحوا أطرا في مناصب مختلفة و هذا ما يخفف عنه شعوره بالقهرة و اللامبالاة من قبل مجتمعه .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق