عندما تفقد الثقة

 🦂  عندما تفقد الثقة  🦂   


          أصبح الإنسان اليوم يعيش في حيرة من أمره ، فالكل يهفو إلى حياة سعيدة و لكنه لا يدري أي السبل يسلك و أي الآراء يصدق في عصر كثرت فيه الفتن و الأوبئة 

و المتناقضات ، مثله في ذلك كمثل شخص مسافر في فلاة ليس معه من الزاد و الماء إلا القليل ، و هو يأمل أن يكون الزاد على قدر الطريق ، و بينما هو كذلك إذ وجد نفسه في ملتقى طرق عديدة و لا يعرف أي هذه الطرق مختصر 

و سالك و آمن حتى يسلكه ليصل إلى وجهته المرغوبة ، 

و في مقدمة كل طريق لوحة  كتبت عليها إرشادات 

و معلومات عن مواصفات ذلك الطريق .

تفحص لوحة الطريق الأول فإذا هي مكتوب عليها :

" طريق صحراوي طويل جدا ، مسالكه وعرة ، لا ماء فيه ، سالكه هالك لا محالة من العطش و الجوع مهما تزود له ".

انتقل ببصره إلى لوحة الطريق الثانية و قرأ :

" هذا طريق مختصر و لكنه غير آمن ، إذ به قطاع الطرق يعترضون سبيل كل مسافر ، يسلبونه متاعه و يقتلونه ، 

ما نجا من سلكه ".

نظر إلى لوحة الطريق الثالث ، و فيها :

" طريق مختصر ، به ماء و به أجمات تعيش فيها 

حيوانات ضارية ، لا تترك الفرصة لعابر إلا و جعلته

فريسة لها ".

ابتلع ريقه و اتجه صوب لوحة الطريق الرابع ، و الأمل يحدوه  عسى أن يكون  أكثر اختصارا و آمانا من سابقيه ، فقرأ :

" طريق آمن ، و لكن مسالكه متشعبة عبارة عن متاهات تضلل سالكها ، فيختفي إلى الأبد ، و في أحسن الأحوال  يجد نفسه في آخر المطاف قد عاد لنقطة الصفر ، أي بداية الطريق ".

بقي الطريق الخامس و هو الأخير ، نظر إلى اللوحة ، 

و استبشر خيرا إذ ما كتب عليها كله خير لا يبعث على الخوف و القلق ، فقرر أن يسلكه متوكلا على الله ، و ما أن خطا بعض الخطوات حتى رأى رجلا أغبر راجعا في الاتجاه المعاكس و هو يلهث و قد أخذ منه التعب كل قواه ، و هو يقول :

" عد أدراجك أيها الرجل ، فقد خدعت قبلك بلوحة هذا الطريق ، و ما كدت أقطع نصف ميل حتى أراني من الأهوال ما لا يخطر على بال ، لا تصدق ما كتب على هذه اللوحات ، معلوماتها تنطوي على الأكاذيب و المغالطات ، فهي تضلل الناس حتى لا يهتدوا إلى الطريق الصحيح "

جلس الإثنين في ملتقى هذه الطرق المشؤومة و كلاهما على حذر من الآخر .

قال الرجل العائد من الأهوال للمسافر الحيران المتردد  بعد أن استراح و استرجع أنفاسه :

" أتعرف يا هذا أن كل هذه اللوحات كاذبة مضللة ، 

لا يدري المسافر أيها يصدق ، كالمريض الذي يكشف عنه الأطباء و يختلفون في تشخيص علته فتستبد به الحيرة أيهم على حق " .

استطرد العائد من الأهوال قائلا :

" سأخبرك عن تأويل هذا كله ، فأما هذه الفلاة فهي

الدنيا و أما الطريق فهو العمر و أما أهوالها فهي المشاكل اليومية و أما الزاد فهو الرزق كما قسمه رب العباد و أما اللوحات فهي وسائل الإعلام ، التي جعلت الناس حيارى أي الأخبار يصدقون و أي الآراء يتبعون و لا أدل على ذلك مما يروج حول التلقيح من كورونا ، البعض يراه حلا ناجعا 

و البعض يحذر من مخاطره و تدعياته  ، فبأي معيار نعرف صدقهم من كذبهم ، و وفاءهم من غدرهم ، و هذا ما جعل عيشنا اليوم بين حيرة و تردد و تعاسة .

         أظنك الآن عرفت سبب حيرتنا و تعاستنا في عصر 

تطور فيه كل شيء إلا الثقة و المصداقية فقد افتقدهما في كل شيء ، و هما أثمن ما في الوجود  !!! " .


                      💼  بقلم    زايد  وهنا  💼

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق