اتقوا الله
وصلني فيديو من أحد الأصدقاء يتحدث فيه صاحبه عن خدعة يستعملها بعض المحتالين ليحصلوا على أرباح مضاعفة ، و ذلك أنهم يعمدون إلى تغيير لون قشرة البيض ( الرومي ) المعروف بلونه البني الفاتح إلى لون أبيض ناصع البياض ليوهموا الناس أنه بيض ( بلدي ) لأن الجميع يعلم أن البيض البلدي لونه أبيض ، و ما دام هذا الأخير قد ارتفع سعره حتى فاق درهمين و نصف ، فقد عمد المحتالون إلى هذه الخدعة التي تكسبهم الربح الوفير ، بحيث يشتري المحتال كمية كبيرة من البيض الرومي و يضعها في إناء كبير و يصب عليها مادة جافيل و الملح و يتركها لمدة دقيقتين ، فيتغير لون قشرتها إلى أبيض لا يستطيع المشتري أن يفرق بينه
و بين البيض البلدي ، و يبيعها للناس على أساس أنها بيض بلدي ، غير مبال بالكسب الحرام الذي جناه من وراء خداعه ، هذا ناهيك عما قد تحدثه تلك المواد السامة بالبيض ، فربما قد يقع تفاعل بين تلك المواد و مكونات البيض مما ينعكس سلبا على صحة المستهلك .
و لعل هذا الفيديو كان دافعا لأتناول موضوع الخداع و الغش الذي استشرى بين الناس في أيامنا هذه ، بحيث انعدمت الثقة لدى المستهلكين الذين يبحثون عن الجودة عند شراء بعض المواد الغذائية الصحية كالعسل و اللبن و الزبدة
و زيت الزيتون و غيرها ، و لكن أغلب الناس إن لم نقل كلهم يصعب عليهم التمييز بين الأصلي و المغشوش خصوصا إذا تعلق الأمر بمثل هذه المواد التي لا يتم معرفة جودتها أو رداءتها إلا في المختبرات .
و الغريب في الأمر أن آفة الغش و الخداع و النصب
و الاحتيال امتدت و اتسعت لتشمل كل المبيعات لا سيما القديمة منها كما وقع لأحدهم لما اشترى سيارة مستعملة ،
و بعد مدة تبين له أنها ذات وثائق مزورة ، و قس على ذلك
الكثير من أمور الغش و النصب ، حتى أصبح إنسان عصرنا يتوجس خيفة من كل شيء يريد اقتناءه نظرا لما يسمعه
و يراه من مخادعات سبق و حصلت له أو لغيره من الناس .
و لعل الدافع الأساس الذي يجعل هؤلاء يحتالون على الناس
هو غياب الوازع الديني ، و موت الضمير و عدم القناعة بما قسم الله لهم ، فالطمع و الجشع أعمى بصائرهم ، يحاولون جمع المال بأي وسيلة و لو كانت من حرام ، متناسين أن اللحم النابت من الحرام النار أولى به كما ورد في الحديث الشريف .
غياب القناعة و التهافت على الإغتناء بالطرق الغير المشروعة لا يهوي بصاحبه إلا إلى الهاوية إن عاجلا أو آجلا .
و لنا في القصة التي وقعت في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب أكبر واعظ لمن أراد أن يتعظ ، فقد حدث أن امرأة
و ابنتها كانتا تعيشان وحيدتان يكسبان قوت يومهما من
بيع اللبن الذي تدره عليهما بضع عنيزات مما ترك زوجها المتوفى ، و في إحدى الليالي و كان اللبن قليلا ، طلبت الأم من ابنتها أن تمدق اللبن بالماء أي أن تضيف له الماء لتحصل على الكمية المعتادة ، فأجابتها الابنة ، أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك و توعد فاعلها بالعقاب الشديد ،
فردت الأم بأن عمر لا يرانا ، و هنا انفجرت البنت بالبكاء
و قالت إن لم يكن عمر يرانا فرب عمر يرانا ، وهكذا خجلت الأم من نفسها و تراجعت عن غيها .
ختاما ، ليكن في علم كل مخادع غشاش أنه كالساحر لن يفلح مهما فعل و لن يأتيه من الرزق إلا ما قسمه الله له ، و لكنه بأفعاله الشنعاء قد يصير رزقه ذاك حراما ، و تنزع منه البركة لأنه اكتسبه بطرق غير مشروعة ، لذلك تجده يعاني الضنك
و الشقاء و تتكالب عليه الضائقات ، و لا يستلذ للعيش طعما ،
عكس المؤمن القنوع الذي يجعل مراقبة الله نصب عينيه فلا يسعى إلا في الكسب الحلال و لا يحصل على قوته و قوت عياله إلا بالطرق و الوسائل المشروعة ، و لو كان الكسب قليلا يجعل الله له فيه البركة و يعيش قانعا سعيدا مستورا ، معافى في بدنه و أهله ، و لا يخرج من صلبه إلا الذرية الصالحة التي استرزقت من و بالحلال .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق