استخفاف

                   ما هذا الاستخفاف 

لقد بات واضحا لدى الفئة  المثقفة التي تحمل هم هذا الوطن ، و التي تأمل أن تراه يخطو خطوات حثيثة نحو الرقي في جميع المجالات ، أن الأمور تسير في الاتجاه الخاطئ على عكس المأمول ، و لا أدل على ذلك مما يمرره

الإعلام و يشجعه من توافه الأمور و سفاسفتها ، علما بأن الإعلام هو القطاع الذي من خلاله يتم تقييم وعي الشعب 

و مدى رقي البلاد ، و لكن للأسف ما يروجه حاليا يثبت عكس ذلك ، بحيث أصبح لا يجد حرجا فيما يقدمه للمشاهدين  من برامج تافهة عبر قنواته العفنة خصوصا البرامج الكوميدية بين قوسين و التي لا تمت إلى الكوميديا بصلة ، و إنما هي عبارة عن تهريج سمج من طرف متطفلين لا علاقة لهم بالتمثيل ، يحاولون إظهار أنفسهم أنهم مميزون و لكنهم صراحة يفتقدون إلى تلك الملكة و تلك الموهبة التي تمكنهم من بلوغ قلوب المشاهدين ، بدءا من السيناريو إلى الإخراج إلى الأداء كلها تفتقر إلى الاحترافية و لا تستطيع أن ترسم و لو ابتسامة باهتة على محيا المشاهد ، بل بالعكس أحيانا تزيد من امتعاضه و تقززه ، و الغريب هو كيف لا يخجل من نفسه  من يقدم مثل هذه العفونات ، و كيف لا يندى جبينه و هو يسمع و يرى الانتقادات التي تطال هذه الحموضة في كل مواقع التواصل الاجتماعي ، و لا يحرك ساكنا و لا تهزه الغيرة على هذا الوطن و أبنائه ، و بذلك يتضح جليا للمشاهد بما لا يدع مجالا للشك أن نشر التفاهة

 و تشجيع التافهين متعمد و مقصود ، من غير مبالاة بمشاعر المشاهدين عامة ، و من غير الحذر من تأثير مثل هذه البرامج التافهة على ناشئتنا و شبابنا، و كأن بلدنا يفتقد للنبغاء و الحكماء ، و الأدهى و الأمر أنهم في أحد مسلسلاتهم التافهة يسيئون إلى شخص الأستاذ المربي فيستنقصون من قيمته الاجتماعية ، و يبخسون من شأنه التربوي التعليمي ، فيجعلونه أضحوكة الناشئة الذين يعتبرونه قدوتهم المثلى في التربية و التعليم ، و نموذجهم الأعلى المتميز برسالته النبيلة عن كل الوظائف الأخرى ، ألا يعلم هؤلاء أن المس المسيء بشخص الأستاذ و الحط من كرامته هو أقصى درجات البلادة و الغباء التي تعتبر أحد العوامل التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من سوء تربية أبنائنا و تدني مستواهم التعليمي ، ألا يعلمون أنهم بهذه الميوعات  يدمرون و يخربون كل ما بناه الأستاذ من قيم في نفوس التلاميذ ، بل و أكثر من ذلك أنهم يبخسون قدوته في أعينهم و أنفسهم ، أليس هذا بصريح العبارة استخفاف في حق رمز من رموز المجتمع الذي يسعى إلى تربية الأجيال تربية حسنة و تكوينهم تكوينا علميا نافعا ، باعبارهم أمل المستقبل و دعامته في الرفع من شأن هذا الوطن .

فأي كوميديا هذه التي لا تراعي الجوانب الأخلاقية ، و أي معيار و مراقبة لهذه الأعمال قبل عرضها على المشاهدين ، 

و كيف يسمح لمثل هذه العفونات أن يراها الناس دون استحياء .

 فلا غرو إذن إذا أصبح أغلب المشاهدين يعرض عن القنوات التلفزية المغربية إلى غيرها مما يجد فيه متعة تجمع  بين الكوميديا و الاستفادة و ترسيخ القيم الإسلامية السامية بعيدا عن التفاهة ، خصوصا في هذا الشهر الفضيل الذي يكون فيه الناس في أمس الحاجة إلى برامج توعوية و أعمال فنية هادفة ، تفيد الناشئة و تهدي الضال و ترفع نسبة الإيمان و التقوى في نفوس المسلمين ، فرمضان شهر العبادة و الغفران ، و محطة مقدسة في نفوس المسلمين للتزود بما

ينفع الناس يوم لا ينفع مال و لا بنون ، و عندنا من العلماء

و المفكرين من بأفكارهم تستنير العقول ، و في تاريخنا 

الإسلامي الأحداث و القصص و الطرائف التي يمكن لشبابنا أن يستنبط منها الدروس و العبر ، و لا بأس أن تتخلل هذه البرامج وصلات كوميدية للترويح عن النفس من ضغوطات الحياة اليومية و ما أكثرها في أيامنا هذه ، و لكن نريدها متقنة هادفة بضوابط و شروط لا تتنافى و أسس التربية الخلقية ، مع مراعاة الجانب النفسي للأطفال الذين يتأثرون بكل ما يبثه الإعلام ، و هي نفس الضوابط التي ينبغي أن يلتزم بها كل فرد في مجتمعنا عند نشره لأي مقال في مواقع التواصل الاجتماعي كذلك ، علما بأن أجيال اليوم تدمن على هذه المواقع و تتأثر بكل ما يروج فيها .

 للأسف الشديد ما نراه في مثل هذه المسلسلات ، و أغلب ما ينشر في العالم الافتراضي كلها فؤوس تهدم ما يسعى إليه المصلحون و ما يأملونه في أبناء هذا الوطن .

و مادام المسؤولون عن الإعلام يصرون على  دعم التفاهة 

و التافهين ، فإصرارهم هذا و تماديهم في غيهم رغم انتقادات المشاهدين ، هو تعبير صريح على استخفافهم المقصود

بعقول الناس ، و دليل ساطع على عدم  غيرتهم على كل ما هو جدي و نافع ، و برهان واضح على فتور الوطنية الصادقة في نفوسهم .

ففي ظل الرفع من شأن التافهين ، و تشجيعهم على تفاهتهم ،

و تهميش المثقفين المجدين الغيورين  ثمة سؤال  يطرح نفسه بإلحاح ، هو كيف نطمح لبناء جيل على جانب كبير من التربية الحسنة و العلم النافع إذا كنا نمرر له مثل هذه السموم ، و أي إصلاح نتمشدق به إذا كانت كل ما تبنيه المؤسسات التعليمية تهدمه التفاهة في بعض برامج  الإعلام و تنسفه السفاهة فيما ينشره بعض الأنذال في مواقع التواصل بشتى أنواعها و أشكالها .

 إذن لا تلوموا تلميذا إذا تجرأ على أستاذه و نعته بأحد النعوت التي سمع و رأى الممثلين يصفونه بها في هذه المسلسلات ، فأنتم من يتحمل وزرها و أنتم حقا من ساهم في تلك المصائب و أنتم في الحقيقة أولى بالعقاب من ذلك التلميذ .

لقد آن الأوان و بصورة استعجالية إن كنا نريد إصلاحا حقا ، أن نراجع أنفسنا و نقطع مع هذه التوافه التي استشرت 

و امتدت عدواها حتى شملت شريحة عريضة من شبابنا الذي

فقد البوصلة و لم يعد يعرف شيئا عن دينه و تاريخه و يجهل تمام الجهل كل شيء عن جهابدة الفكر و المعرفة الذين أثروا

المكتبات بمؤلفاتهم القيمة ، منهم من طواه الردى و لفه النسيان ، و منهم من على قيد الحياة و قد طاله التهميش ، و دهاه النكران ، فهو كالغريب بين أهله ينظر بعين السخط لما آلت إليه الأمور و يتألم في صمت ، و كيف لا يتألم و هو يرى المغنيين الماجنين و الممثلين التافهين  و الراقصات الفاجرات ، يجدون من يدعمهم ماديا و معنويا ، و قد أصبحت لهم مكانتهم المرموقة في المجتمع ، فاتخذهم شبابنا قدوة في العري و تصفيفات الشعر المختلفة و السراويل الممزقة التي تكاد لا تستر عورة و التلفظ بالكلام النابي و التطاول على الوالدين و الأساتذة و كبار السن و غير ذلك من النقائص التي تأثروا بها من هؤلاء السفهاء ، إذن ماذا جنينا من هذه التوافه كلها ، لم نجن منها سوى أننا نسير بهذا البلد نحو الهاوية . 

في حين تم إقصاء المفكرين الجادين الذين بفعل غيرتهم على وطنهم يعملون بأفكارهم النيرة في سبيل توعية الشباب و تعليمهم العلم النافع الذي من شأنه تحريك عجلة التنمية ، همهم الوحيد في ذلك أن يروا بلدهم في مصاف البلدان الراقية ، فأي الفريقين أحق بالدعم و التبجيل  لو كانت لنا ضمائر حية أو كنا نملك بصيصا من الفطنة و الذكاء .

و عليه فليعلم كل مسؤول عن الإعلام يشجع التفاهة  و كل كاتب لأي مقال تافه يفسد العقول و الأذواق ، أنه سيحاسب أمام الله سبحانه و تعالى .

حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، اتقوا الله في أنفسكم و في الناشئة ، و لا تعتقدوا أنكم بمنآى عما يؤول إليه فساد الشباب ، سيأتي يوم تجنون فيه ثمار ما غرستم في أبنائكم بالدرجة الأولى و في أبناء الشعب الأبرياء ، و ها نحن نجني بوادرها اليوم قبل الغد .

و صدق الشاعر بشار بن برد حين قال :

     مَتى يَبلُغُ البُنيانُ يَوماً تَمامَهُ

                  إِذا كُنتَ تَبنيهِ وَغَيرُكَ يَهدِمُ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق