🔷🔷لحظة من حياتي🔷🔷

غريب أنا في زماني، غريب أنا في أفكاري، ربما لأن حسي مرهف، أو لأني خلقت لزمن غير هذا، أحدق في دنياي فلا أرى غير التفاهة، تفاهة مقنعة بأقنعة المجاملة والزيف،

أمقت النظر إليها، إذ ليس فيها ما يمتع ، أرى الناس من حولي يركضون ركض الوحيش في البرية، الضواري تطارد الفرائس. وهؤلاء يطاردون شبحا وسرابا، إنه شبح الثروة  يريدونها بكل الوسائل ويرغبون في الحصول عليها مهما كلفهم ذلك حتى ولو كان على حساب راحتهم وأخلاقياتهم وسعادتهم التي لم يعرفوا لها بعد طعما. وأنى لمثلهم أن يعرفوه. انزويت بنفسي متأملا هذه التفاهة، ورزحت أفكاري تحت ثقل الأيام الخوالي، وتوالت الذكريات شريطا تقلب أمام ناظري صفحات الزمن الجميل، وإذا الآهات تخرج زفيرا موجعا، أنظر ميمنة فلا أرى غير الزيف وأنظر ميسرة فلا أرى غير التفاهة، وأنظر إلى نفسي علي أظفر بشيء من الأنس، فأنادي حينا ولاشيء يرد سوى التفاهة التي تتناثر ريحها فأزكم الأنفس قبل الأنوف وخنق الإبداع وصلب الوجدان وحجر الأذواق، فتبدل الإعجاب تعجبا من هذا الزمن المتسارعة أحداثه نحو الفناء المحتوم، مددت يدي نحو الجريدة عساها تخفف عني وطأة اللحظة أخذت أتصفح العناوين الواحد تلوى الآخر ودقات قلبي تتسارع إذ  لا خبر ولا حدث ينعش النفس ويخرجها مما هي فيه، حتى استوقفني عنوان براق في آخر صفحة من الجريدة وقد كتب بأحرف بارزة   ، أنه قصيدة شعرية، فقلت في نفسي لعل هذه القصيدة تزيح عني بعض الهم، ما دمت مشغوفا ومحبا للشعر، وما أن بدأت أقرؤها حتى ذهلت مما أقرأ إذ المكتوب لا يبث إلى الشعر بصلة ولا ينضبط لضوابط وقواعد الشعر لا العمودي ولا الحر، فهو مجرد كلام لا وزن فيه ولا مضمون له، تنهدت وقلت ما هذا الاستخفاف بأذواق الناس وعقولهم، وتعجبت لمن راودته نفسه لنشر مثل هذا البعر باسم الشعر ألقيت بالجريدة في موقد النار، ورفعت عيناي إلى رفوف المكتبة من حولي فانتابني خجل احمرت له وجنتاي إذ رأيت دواوين فحول الشعراء القدماء منهم والمحدثين وكأنها تضحك على ما آل إليه حالنا، فأشحت بوجهي عنها حياء كأنني أعتذر، وخرجت من تلك الغرفة مهرولا نحو الغرفة المجاورة ظنا مني أنه بتغيير المكان قد تتبدد الوحشة، غير أن ذاكرتي أبت إلا أن تسترجع ما تختزنه من أشعار عبر العصور فأحسست بانفراج مشوب بحسرة على الفن الجميل، وبينما أنا كذلك ارتطمت يدي بأداة التحكم الملقاة عل الفراش ، فاختطفتها وضغطت على زر الاشتغال، وطفقت أتنقل بين الفضائيات بحثا عن خبر سعيد أو برنامج مفيد، فتصلبت يدي على قناة مغربية تقدم كشكولا غنائيا بين قوسين، فاشمأزت نفسي وازداد غيضي لسماع هذا الهراء، ووطأتها على الصبر وتحملت هذا التلوث السمعي في انتظار أن يقدم المخرج أو مقدم الحصة نوعا آخر مما يروق النفس ويسمو بها في عالم الفن غير أنه استمر على نفس الوتيرة، فقلت: عجبا لهؤلاء ألا تندى جباههم من تقديم هذا العفن ، أليس فيهم رجل رشيد، أليس عندنا ما هو جدير بالاستماع إليه مما يطرب النفس ويقبله الوجدان بإحساس صادق جياش يزرع الأمل في النفس وتلك هي الرسالة النبيلة التي خلق الفن من أجلها، عندئذ أيقنت أن فساد الأذواق في أوساط الشباب إنما هو نابع مما يستمعون إليه كل يوم عبر هذه القنوات العكرة التي لا يهمها من الفن إلا ما وراءه ربح مادي، مما خلق فراغا روحيا ووجدانيا جعل الشباب يقبل عليه بنهم دون إدراك منه لما سواه، وكيف ترجو من شباب لا يحفظ شعرا ولا يقرأ نثرا ولم تتعود أذناه على سماع الفن الجميل أن يكون لديه هذا الحس بجمالية الفنون التعبيرية ورسالتها النبيلة، فاستشرى فساد الأذواق وامتد إلى جميع الفنون الأخرى بدون استثناء ولم يقتصر الأمر على هذا بل تم الخلط بين ما هو دخيل على ثقافتنا وما هو من صميم خصوصياتنا وهويتنا، مما انعكس على سلبا على الاعتزاز بالأمجاد وبالروح الوطنية التي بدأت تعرف فتورا لدى بعض الشباب حينها انتبهت لنفسي معاتبا إياها ومن أدراك لعل من قرأ هذه السطور سيصنفني ضمن فئة المتزمتين المتخلفين الذين لا يسايرون الركب الحضاري وأن ذلك الزمن قد ولى مع أهله ونحن في عصر السرعة والصواريخ والتكنولوجيا الحديثة لا مجال إلا للمادة أما الجانب الوجداني والروحي فلا قيمة له فقلت سبحان الله، أحمد الله على تخلفي ولا أحصي ثناء عليه.  
الأستاذ زايد وهنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق