حينما يكون مظهرك سبب تعاستك

     👌 حينما يكون مظهرك سبب تعاستك  👌


          شاب في منتصف عقده الثالث ، مغربي مسلم يعيش في مدينة صغيرة ، أغلب أهاليها يتعارفون فيما بينهم ، يعيشون حياة بسيطة لا يعكر صفوها ما تعرفه المدن الكبرى من إنحرافات، 

و لا شيء يثير الاستغراب في مدينتهم أو يلفت انتباههم ، إلا مظهر هذا الشاب الذي جعل 

نفسه موضع سخريتهم و حديث مجالسهم تلوك الأفواه سيرته بما لا يرضاه عاقل لنفسه ، تراهم يتهامزون و يتلامزون كلما مر أمامهم أو جلس في مكان عمومي يرتادونه .

و الحقيقة  أن هذا الشاب لا يسيء إلى أحد ، يمشي منفردا و يجلس وحيدا ، و لا يبالي بنظرات الآخرين إليه ، باختصار  لا عيب فيه غير ما فعل بنفسه من تشبه بالنساء . 

شعره يفوق طولا و غزارة شعر النساء ، يجمعه أحيانا كومة كبيرة مستديرة الشكل على رأسه ، 

و أحيانا أخرى يتركه ينسدل على ظهره و كتفيه ، حليق اللحية و الشارب ، يضع قليلا من المساحيق على أماكن معينة في وجهه ، على ذراعيه و رقبته رسوم من أوشام ، و في أذنه اليسرى قرط أسود ،

و حول عنقه عقد عبارة عن سلسلة بلون فضي ،

و روائح المساحيق تتضوع منه ، فيخال إليك إذا رأيته للوهلة الأولى أنه شخص غير عادي ، 

و لعل مظهره ذاك الذي يثير الشبهات هو سبب ابتعاد الناس عنه .

         حدث مرة أن التقيت صدفة بزميل لي في العمل و طلب مني أن نقضي بعض الوقت  في إحدى  المقاهى لمشاهدة مباراة في كرة القدم لفريقنا الوطني في اقصائيات كأس إفريقيا ، 

لبيت الطلب و جلسنا نتجاذب أطراف الحديث في انتظار صافرة البداية ، و ما هي إلا ثوان قليلة حتى دخل ذاك الشاب المقهى و اتخذ مكانه بالقرب مني ، فأصبحت أتوسط المجلس بينه 

و بين زميلي .لا أنكر أنني أحسست بالضجر و عدم الارتياح ، فقد يظن من رأى جلستنا على تلك الوضعية أنني على سابق معرفة بهذا الشاب أو تجمعني به علاقة ما ، خصوصا أن كرسيه يكاد يلتصق بكرسيي ، و رائحته النسوية تخنق الأنفاس .   

فكرت في تغيير المكان و لكن المقهى كان مكتظا عن آخره و لا مكان فارغ يمكننا أن نلجأ إليه ، 

نظر إلي زميلي نظرة توحي أنه شعر بما أنا فيه من ضيق و حرج ، ابتسم ثم أومأ إلي بحركة يريد بها صرفي عن التفكير فيما يخالجني من إحساس 

و كأنه يدعوني ألا أكترث و ألا أعطي للموضوع أكثر مما يستحق .

وطأت نفسي على الصبر و تابعت مشاهدة المباراة ، و ما هي إلا لحظات قليلة حتى وضع النادل أمامه فنجان قهوة ، و إذا بالشاب يوجه كلامه للنادل و هو يمرر يده على شعره الذي انسدل جزء منه إلى الأمام قائلا :

 ""   إننا حقا مجانين ، نشجع هؤلاء اللاعبين الذين يتقاضون أجورا خيالية ، و نحن لم نجد عملا و لو بأجر زهيد   !!!""".

رمقته بطرف عيني حتى لا يشعر بأنني أتجسس على حديثه مع النادل ، و قلت في نفسي :

""   كيف لهذا أن يجد عملا و هو على هذه الحال التي تثير الريبة و الاشمئزاز ، فمظهره المتشبه بالنساء لا يبعث على الاطمئنان ، و لا أظن أن هناك شخصا عاقلا  يمكن أن  يثق و يرتاح في أن  يستجير مثل هذا الشاب لأسباب عديدة ".

انتهت المباراة بفوز فريقنا الوطني ، و في خضم تلك الفرحة انفضت جموع المتفرجين و هم يعيدون سيناريوهات المباراة و كفاءة اللاعبين ،

يمدحون أغلبهم و يذمون البعض ، و هذا دأب 

عشاق كرة القدم عند نهاية كل مباراة . 

ودعت زميلي و انصرفت إلى حال سبيلي و صورة ذاك الشاب لا تفارق مخيلتي ، تعجبت لأمره

فهو و إن كان هادئا لا يسيء لأحد ، و ربما قد يكون طيب الجوهر ، إلا أن مظهره يوحي بعكس ذلك و هو ما ضيع عليه كثير من فرص العمل ، 

و تعجبت أيضا كيف طاوعته نفسه أن يعيش عالة

على أسرته ، و هو شاب في مقتبل العمر يتمتع ببنية جسمانية قوية تثير الدهشة ، و السؤال المحير هو كيف تقبل منه أفراد أسرته هذا السلوك المقيت ، أليس منهم فرد رشيد يثنيه عن غيه ،

و لكن لا يمكننا في حالته هذه لوم الأسرة لأن للبيوت أسرارا لو اطلعنا عليها لربما التمسنا لها الأعذار .

و لشدة غيرتي على استقامة شبابنا  تمنيت من هذا الشاب إن لم يكن يعاني اضطرابات نفسية ، 

و كان في كامل قواه العقلية أن يتخلى عن تلك الأمور الغريبة التي يفعلها بنفسه ، و أن يعيش الرجولة بشهامتها و كبريائها و خشونتها كباقي الشباب العاديين حتى لا ينظر إليه بتلك النظرة الدونية التي تحط من قدره ، عندها سيجد و لا شك عملا شريفا يليق به ، يعول به نفسه و أسرته ، و لكن للأسف الشديد فقد رضي لنفسه بذلك المظهر المشبوه و نسي أنه السبب في تعاسته الدائمة .

فالله جل في علاه نسأل أن يلهمه و سائر شباب

أمتنا إلى جادة الصواب ، و أن يرد بنا إلى دينه

القويم ، و أن يجنبنا فواحش الأمور و توافهها 

و أن يشرح صدورنا لمكارم الأخلاق و لأنفع العلوم 

إنه ولي ذلك و القادر عليه .  



 

سعادتك في سعادتهم

               🌞   سعادتك في سعادتهم   🌞


          اعلم أخي المسلم أن ذاك الشاب أو ذاك الكهل الذي تراه يحرس السيارات و الدراجات ،

أو الذي يمسح أحذية الناس في الشوارع 

و المقاهي أو الذي يعمل نادلا في مقهى شعبي ، أو الذي ينقل أمتعة الناس سواء على كتفه او على عربة يدفعها أمامه ، أو الذي يعرض بضاعة بسيطة للبيع ، أو الذي يحرس عمارة ، أو تلك  المرأة التي تعمل خادمة في بيوت الناس ، أو التي تصنع بيديها أرغفة تعرضها للبيع في الشارع ....

أو غير هؤلاء ممن يحترف عملا بسيطا جدا يكاد أجره لا يكفيه هو نفسه لأدنى ضروريات العيش ، فما بالك إذا كان يعول أبوين عاجزين ، أو أسرة بئيسة ، أو إخوة صغارا ، فمثل هؤلاء هم أحق بالصدقة علاوة على ذلك الأجر الزهيد .

فلا يليق بك أخي المسلم و قد مَنَّ  الله عليك 

بالسعة في الرزق أن تساوم مثل هؤلاء فيما

يطلبونه من ذلك الأجر القليل ، بل حاول أن

ترضيهم قدر الإمكان بأن تزيد على أجرهم دريهمات قليلة مما تيسر لديك ، فإن لم تجد فبكلمة طيبة ، و لك في ذلك ثوابا جزيلا .

فبإحسانك لمثل هؤلاء تدخل السرور على قلوبهم

و تكون قد ساهمت في التخفيف من حدة الجرائم

لأن ضيق اليد و قساوة معاملة الناس لهم تزرع

في نفوسهم الحقد و التمرد على المجتمع و حب الانتقام  مما يدفع بالكثير منهم إلى التعاطي

للمخدرات بشتى أنواعها و السرقة و اعتراض

سبيل المارة باستعمال السلاح الأبيض و غيرها

من الجرائم التي تصل أحيانا إلى القتل .

وهذا ما أصبحنا نراه اليوم في مجتمعنا و قد

انتشر و استفحل خطره .

إذن أعتقد أن المجتمع بكل قطاعاته هو المسؤول

الأول فيما يحدث ، و نحن كأفراد نتحمل جزءا

من هذه المسؤولية ، لأننا لو تعاملنا مع هؤلاء

و أمثالهم ممن قست عليهم الحياة بالحسنى

و حاولنا أن نقدم إليهم العون المادي بما تيسر ،

و رفعنا لهم المعنويات بالتقدير و الإحترام على

ما يقومون به من أعمال ، و أنزلناهم بيننا منزلة

من لا غنى لنا عنه ، فلا شك أننا سنكون قد خففنا

من حدة الاحتياج و في الوقت نفسه نكون قد أزلنا من نفوس أغلبهم شوائب الحقد و التمرد ،

و بالتالي تقل الجرائم إلى أدنى مستوى و يعيش

الجميع في أمن و أمان .

 


لعنة الله على الكاذبين

 لعنة الله على الكاذبين


           الكذب و إن كان عموما رذيلة إلا أن بعضه يحتاج إلى ذكاء ، و هو الأمر الذي غاب عن بعض الكذابين الجزائريين ، و لا ملامة على الجهلة و الأميين منهم فيما يفترونه لأنهم من رعاع القوم لا يفقهون شيئا ، و لكن اللوم الشديد و الطامة الكبرى هو عندما يصدر الكذب و البهتان و الإفتراء من حكامهم و مثقفيهم الذين و بكل صراحة لا يملكون من الثقافة إلا الإسم .

الغريب في الأمر أن هؤلاء المحسوبين على الثقافة ، يجهلون تماما تاريخهم و تاريخ الأمم الأخرى ، مما جعلهم يخبطون خبط عشواء ، فهم من جهة نظرا للنقص الذي يشعرون به  يريدون أن يفتعلوا لهم تاريخا عريقا بين الأمم و من جهة أخرى يحاولون سرقة المأثور المغربي العريق لينسبوه لأنفسهم ، ظنا منهم أن العالم سيثق بخزعبلاتهم ، و هذا أمر مردود عليهم ، و يدل دلالة قاطعة أنهم يعيشون الجهل المقرون بالخبث و الغباء ، مما دفعهم للإفتراء و الكذب دون حساب للعواقب التي جعلتهم أضحوكة بين الأمم . 

فإن كان و لا بد من الكذب و النسب و الانتحال فليكن بذكاء بحيث لا يشعر به أحد ، و حتى و إن كان من الناس من اشتم رائحة الكذب في افتراءاتهم ، يبقى لديه بصيص من الشك ، و لكن للأسف الشديد فهؤلاء الجزائريون المفترون البلداء أعمى الجهل أبصارهم و بصائرهم ، و من غبائهم يظنون الناس أغبياء مثلهم ، قد يصدقون تخاريفهم ، لذلك تراهم  

و تسمعهم يقولون أشياء يستحيي الحمقى و المجانين أن يقولوا مثلها ، و الأمثلة كثيرة نخجل أن نذكرها حتى لا نعكر صدق المقال ، فأضحى كل من أراد أن يضحك أو يتسلى ، يستمع إلى تصريحات حكامهم و مثقفيهم عبر اليوتوب 

و غيرها من مواقع التواصل ليتأكد من مدى فداحة جهلهم 

و غبائهم ، حتى صار الناس في كل أقطار العالم يعدونها من

الطرائف و النوادر المضحكة التي يتسلون بها و التي لا يمكن أن يصدقها أحد إلا أغبياؤهم .

غير أن هناك من الناس من يعتصر قلبه الأسى على هذا المستوى الساقط التافه الذي وصل إليه هؤلاء ، و بحكم العروبة و الإسلام و الجوار فإننا لا نرضى أن نسمع مثل هذه الخرافات التي تصدر عن حكام و مثقفي الجزائر و يشيعونها بين أفراد مجتمعهم مما يزيد في جهلهم و إلهائهم عن 

محاسبة مسؤوليهم الذين أتوا على الأخضر و اليابس و لم يتركوا لشعبهم إلا الفتات رغم توفر بلدهم على النفط .

متى يستيقظ الشعب الجزائري و يعي حقيقة سياسة حكامه التي باتت مفضوحة أمام العالم و التي أصبحت الأكاذيب 

و الإفتراءات هي ورقتهم الأخيرة ، و لكن أظنها آخر مسمار يدق في نعش النظام الجزائري .

 و صدقت العرب حين قالت في مأثور أمثالها  :

""   و من يدعي بما ليس فيه ، كذبته شواهد الإمتحان ""

أما الأديب طه حسين فقد وضح ذلك في قولة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تطابق هذا الواقع المر :

""  نحن نعلم حق العلم أن الخصومة حين تشتد بين الفرق والأحزاب يكون أيسر وسائلها الكذب "".

خير ما أختتم به هذا المقال المقتضب قوله عز وجل في سورة آل عمران الآية 61 :

  """     فَمَن حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أبْناءَنا وأَبْناءَكُمْ ونِساءَنا ونِساءَكُمْ وأَنْفُسَنا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلى الكاذِبِينَ """

موت من نوع آخر

              📍   موت من نوع آخر   📍  


        الكل يعلم أن للموت معنى واحد و هو مفارقة الروح للجسد بحيث ترتقي الروح إلى بارئها و تدفن الجثة في التراب ، و لا أحد يعلم مصيرها بعد ذلك إلا خالقها ، إن شاء غفر و إن شاء عذب و في كلتا الحالتين فهي عدالة ربانية لا يعلم غاياتها إلا هو سبحانه و تعالى .

إلا أن هناك موت من نوع آخر بحيث يكون الإنسان حيا يرزق و لكن يملك ضميرا حيا يعذبه

خصوصا إذا تكالبت عليه الهموم ، فلا يستلذ لشيء

و تغيب السعادة عنه ، فيصبح شبه ميت .

-- فالذي يعاني من إعاقة مستديمة تمنعه من الاستمتاع بأشياء كثيرة ، و لا يجد عناية .

-- و الذي لا يجد عملا يعول به نفسه و أسرته .

-- و الذي اضطرته الظروف ليعيش عالة على غيره .

-- و الذي يعمل مقابل أجر زهيد لا يلبي له أدنى ضروريات العيش له و لأبنائه .

-- و الذي غشى الجهل بصيرته و لم تتح له فرصة التعلم ، فتعذبه أميته بين الناس .

-- و الذي يعاني من مرض مزمن و لا يجد الرعاية الصحية .

-- و الذي لا يشعر بالأمن و الأمان و يعيش في خوف دائم على نفسه و عرضه و ماله من أولئك

المشرملين حاملي السلاح الأبيض .

-- و الذي يؤمن بالخرافة و يتنقل بين المشعودين 

-- و الذي يتسول في الشوارع و الأزقة ،

-- و الذي شاخ و عجز و نبذه أهله فلم يجد ملجأ إلا دار العجزة ، 

-- و الذي لم يعرف له أبا و لا أما إلا الإصلاحية ،

-- و الذي يعيش شقاء و تعاسة في حياته الزوجية 

و لم يجد لها مخرجا نظرا لظروف ما .

-- و الذي حكم عليه بالسجن ظلما .

-- و الذي لا يستطيع أن يعبر عن رأيه خوفا من بطش الحكام .

-- و الذي يسعى لنشر العلم و القيم الإنسانية النبيلة ، فيرى أن جهوده تذهب أدراج الرياح ،

و أن الاهتمام قد أولي للتفاهة و سفاسفة الأمور التي أصبحت لروادها كلمتهم في المجتمع 

و الذين حققوا بسفاهتهم من المال و الشهرة

 ما لم يحققه  المثقفون الغيورون المجدون .

 -- و الذي يكد و يجد و يخلص في عمله ليرفع من شأن بلده ، و لا أحد يهتم لأمره أو يشجعه و لو بكلمة طيبة تجبر خاطره  ، فهو كذلك  يعتصره الأسى و يغلب على حياته طابع الحزن و الكآبة 

و هو يرى التافهين ينحدرون بالبلد إلى الحضيض و رغم ذلك فهم منعمون مكرمون  .

أليس هؤلاء أمواتا أحياء ، يلازمهم الضنك 

و الحزن و الألم بحيث لا يتذوقون طعم السعادة قط ، ألا تراهم يموتون تدريجيا ، لأن ضمائرهم حية ، و لأنهم يحملون هموما تنهد لها الرواسي الشامخة .

و نفس الشيء بالنسبة للآخرين الذين يظنون أنفسهم يعيشون السعادة ، و هي في الحقيقة

سعادة زائفة ، و مهما يكن فالموت يدرك الجميع ،  غير أن الفئة الأولى تشعر به يوميا يحوم حولها ،

لأن البسطاء من القوم يعيشون ظروفا قاسية  على مستوى العيش ، و المثقفون النوابغ يعيشون التعاسة على المستوى الفكري .

أما الفئة الشبه المرتاحة فأغلبهم لا يتحرك ضميره و لا ترق عيناه رحمة بالآخرين ، فهم كالأنعام يعلفون و لا يشعرون بمعاناة من حولهم ،حتى الموت لا يذكرونه إلا في الجنائز و بعدها ينغمسون في ملذات الحياة و لا يستفيقون  إلا عندما تختطف يد المنون أحد أقربائهم ، و رغم ذلك لا يتعظون فيعودون لما كانوا عليه ، و كيف يتعظون و قد مات الحس الإنساني فيهم .

ختاما يمكن القول أن في أيامنا هذه و ما تشهده من أوضاع مزرية ، فقد أصبح كل ذي ضمير حي

يتعذب إذ يأمل أن يرى كل القطاعات في بلده تتقدم نحو الأمام و هو الأمر الذي لا يتأتى إلا

بالعلم و التعليم على مستوى عال ، و الرفع من 

قدر العلماء و المفكرين و الباحثين و الفنانين

الموهوبين المتميزين و القطع مع التفاهة 

و التافهين ، و قطع الطريق على كل ما يهدم القيم 

الاسلامية السامية و المبادئ الإنسانية الراقية ، 

 و مادام هذا لم يتحقق ، و لا رغبة لهم في تحقيقه ، فقد بات من الأكيد أن يتعذب ذوو الضمائر الحية ، و بذلك فكل يوم يمر عليهم إلا 

و يموت جزء منهم ، حتى يأتي اليوم الذي 

 يغادرون فيه هذه الدنيا إلى دار البقاء ، و في قلوبهم حسرة على ما خلفوه وراءهم من أوضاع غير مريحة في بلدهم ، و رغم الفراغ الفكري الذي يتركوه هؤلاء  إلا أنهم في الحقيقة استراحوا من عناء ما كان يحز في أنفسهم و يؤرق مضاجعهم  من مثل هذه الاختلالات التي  تزيد من أوجاع الشعب و تثني البلد عن النمو .

و قد صدق الإمام الشافعي حين قال : 

      قد مات قوم و ما ماتت مكارمهم

                و عاش قوم و هم في الناس أموات 

على شفا حفرة

                 😥 على شفا حفرة  😥


          قبل أيام قليلة بإحدى المكتبات ، و أنا منهمك في قراءة كتاب " مقدمة ابن خلدون "

لمؤلفه العلامة عبد الرحمن بن خلدون أحد أقطاب علم الاجتماع ، و رغم أنني قرأته أيام شبابي ، إلا أنني وجدت في نفسي ميلا و رغبة في إعادة قراءته و استحضار ما غاب عن ذاكرتي من أفكاره .

و بينما أنا كذلك دخل المكتبة صدفة أحد أصدقائي المقربين ممن تحلو مجالستهم و يطيب

الحديث معهم ، رجل في مثل سني أو يصغرني قليلا ، كريم الخلق مهووس بالهم الثقافي ، دائم

القلق عما آلت إليه الثقافة و الإبداع الفكري الجاد

في أيامنا هذه .

تفاجأ لرؤيتي و هرول نحوي ، صافحني و عانقني كعادته و قد علت وجهه علامات البشر و الارتياح ، شاكرا في الوقت نفسه هذه الصدفة التي جمعتنا .

و بعد أن سألني عن أحوالي الصحية ، تصفح الكتاب الذي كنت بصدد قراءته ، ثم ابتسم ابتسامة عريضة و جذب إليه كرسيا و اتخذ مكانه في الجهة المقابلة أمامي و قال دون تردد متهكما :

 "  أتعلم يا صديقي أن هذا الكتاب ، و غيره من الكتب التي تزخر بها هذه المكتبة قد أصبحت من

الماضي و لم تعد لها فائدة عند أناس عصرنا ،

لهذا سأدلك على مؤلف في علم ( الانضباع ) صدر مؤخرا ، يتهافت على قراءته كل من يرغب في 

المال و الشهرة ، لكاتبه العلامة :

" عبد السفه بن فسدون التافهي " 

بعنوان :

 " مؤخرة ابن فسدون "

يتألف الكتاب من عدة فصول ، يتناول فيها الكاتب

الطرق الحديثة في التفاهة  التي تسير بالبلاد خطوات بل أميال إلى الوراء ، و التي تكسب روادها الملعونين  المال و الشهرة و المنزلة العالية في المجتمع ، فعوض أن يهتموا باستنارة عقولهم

و شحنها بالعلم النافع و الإبداع في مواهب فنية راقية ، سهل عليهم صاحب الكتاب الأمر ، 

و أطلعهم على أيسر الطرق التي لا تحتاج إلى تعب التعلم و البحث ، و ذلك بأن يصبوا اهتمامهم على المؤخرة لتكون ممتلئة و مكتنزة سيما إذا اقترنت بالرقص الماجن و الغناء الفاحش ، و بذلك تكون صاحبتها قد ضربت عصفورين بحجر واحد ، أولهما أنها حركت في المرضى الشعور بالسعادة 

و هم يرونها ترقص و تغني و تستعرض مفاتنها 

و ثانيهما و هي الأهم أنها تكسب من وراء فسوقها هذا المال و الشهرة ، فيتم النداء عليها لتحيي السهرات و تشارك في اللقاءات الفنية و لم لا البرامج التلفزية ، و هي محاطة بهالة من المعجبين و لها من الحظوة ما ليس لعالم .

و لبلوغ هذه المنزلة الراقية في نظر الكاتب لا يتطلب الأمر شهادات جامعية و لا دبلومات 

و لا مهارات حياتية ، بل يكفي في الرجل سفاهته

و تفاهته و أوشامه و أقراطه و تصفيفة شعره الغريبة و غناؤه المائع الساقط و عربدته لينال الحظوة و المال ، و يكفي في الأنثى جمالها و كبر مؤخرتها و رقصها و عريها و إيحاءاتها المشبوهة لتكون رائدة من رواد السفاهة و العهر ، و ذاك ما يبوئ الرجل و المرأة كليهما المنزلة العالية التي تشرف المجتمع و تساهم في ازدهاره و تقدمه نحو الهاوية .

و في فصل آخر ، أطلع قراءه على أقصر السبل 

للوصول إلى النجومية و كسب الأموال الطائلة ،

و ذلك بإهمال العلم و إراحة النفس من مشقة  طلبه ، مادام العلم في أيامنا هذه لا يصل بصاحبه إلى النجومية و لا يكسبه الغنى ، و أن يروض الشباب أقدامه منذ الصغر على مداعبة كرة القدم و إتقان المراوغات ليلتحق بأحد الفرق التي تغدق عليه من الأموال في موسم واحد ما لم يجمعه الأطباء و الأساتذة طيلة حياتهم المهنية .

كما أن هناك فصولا أخرى في التدرب على النصب

و الاحتيال و التزوير للحصول على الأموال بطرق سهلة غير شرعية لا تتطلب علوما و لا عناء السهر

في البحث و المدارسة .

كنت خلال حديثه أستمع إليه استماعا يمتزج فيه الاستغراب بالإعجاب ، أتأسف حينا و أتحسر حينا إذ أيقنت أن كلامه على صواب ، و سألت الله العون و الصبر لفئة من عباده المجدين الغيورين

على دينهم و بلدهم الذين ملئت صدورهم غيضا 

مما آلت إليه الأمور .

أظلمت الدنيا في عيناي ، و لم أعد أرى أمامي إلا أفقا معتما لا يبعث على الارتياح ،تأففت و تنهدت و أخرجت زفيرا حارا ، و دون أن أعلق بكلمة 

واحدة عدت لما كنت عليه أتابع قراءة الكتاب الذي بين يدي و لسان حالي يقول : 

ليتني عشت في عصر ( ابن خلدون ) أو أي عصر قبله أو بعده و أنني مت قبل أن أرى عصر

( ابن فسدون ) .


صادف البلاء محله

                    🦂  صادف البلاء محله  🦂


          مثل مأثور تتداوله الألسن ، عندما يرون في 

أحدهم دمامة الخلقة و خساسة المعاملة .

           كثيرا ما تسمع الناس في أحاديثهم  ، ينعتون النساء  بالكيد و الدهاء و إتقانهن لفن المراوغات و الخداع ، و يدعمون قولهم بما

يتداول من آيات قرآنية و أحاديث نبوية و أقوال

مأثورة من عامة الناس ، و قليل منهم من يقف

موقف اعتدال ، و لا يأخذ بالمطلق في الحكم ،

ففيهن الصالحات و فيهن الطالحات كما في الرجال

الصالح و الطالح ، غير أن كفة الطالح عند النساء 

ترجح كيفا و ليس كما ، أي و إن تساوى عدد 

الطالحات من النساء بعدد الطالحين من الرجال إلا

أن كيد و مكر و خداع النساء الطالحات يفوق خطورة كيد الرجال الطالحين ، و هو ما أثبتته التجارب الحياتية منذ خلق الله الزوجين الذكر 

و الأنثى .

لقد كرم الإسلام المرأة و رفع قدرها و مكنها من 

حقوقها ، و لعل وصية الرسول صلى الله عليه 

و سلم في حجة الوداع خير تعظيم و تبجيل لها 

إذ جعل حسن معاملتها و معاشرتها بعد الصلاة 

التي هي عماد الدين ، كما جاء في رواية الخطبة

" الصلاة الصلاة و ما ملكت أيمانكم " و في رواية أخرى " استوصوا بالنساء خيرا " .

و في الحديث من صحيح مسلم :

"  الدنيا متاع و خير متاع الدنيا المرأة الصالحة "

و غير هذه من الأحاديث التي تعلي شأن المرأة ، 

لأنها العمود الفقري للأسرة ، فصلاح الزوج 

و الأبناء رهين بصلاحها ، و فسادها يعني فساد

الأسرة و المجتمع ، و صلاحها يحافظ على تماسك

الأسرة و تربية الأبناء تربية حسنة حتى لو كان الزوج طالحا ، فكم من امرأة حافظت على كيان أسرتها  و كافحت من أجل تربية و تعليم أبناءها إلى أن صاروا رجالا صالحين رغم انحراف والدهم .

و بقدر ما كرم الإسلام المرأة الصالحة ، فقد حذر

من كيد و خداع  المرأة الطالحة الفاسقة ، 

قال تعالى في سورة يوسف على لسان العزيز لزوجته زوليخة لما تبين له افتراؤها على يوسف :

" إن كيدكن عظيم " .

و في الحديث الشريف :

" اتقوا الدنيا و اتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء .( رواه مسلم ) .

أو كما قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :

" في النساء ثلاث خصال من خصال اليهود : يحلفن وهن الكاذبات ، ويتظلمن وهن الظالمات ، ويتمنعن وهن الراغبات . فاستعيذوا بالله من شرارهن، وكونوا من خيارهن على حذر “ .

و ما دام فساد المرأة خطير جدا يترتب عليه فساد الأسرة و ينعكس سلبا على المجتمع ، فقد تواترت

فيه أقوال الناس منذ القدم .

فهذا أبو حامد الغزالي يقول :

" والصبرُ على لسانِ النساءِ ممّا يُمتَحَنُ بهِ الأولياء"

أما عالمة الاجتماع ( مدام دي ستايل ) فتقول :

"  تحتاج المرأة إلى عشرين عاما لتجعل من ابنها رجلا صالحا ، بينما لا يتطلب الأمر عشرين دقيقة

بالنسبة لامرأة أخرى لتجعل منه رجلا أحمق " .

يقول جلال الخوالدة :

"   أذكى الرجال على اﻹطلاق.. هو الذي لا يجادل النساء " .

أما شوبنهاور فيقول :

"  لقد سلحت الطبيعة المرأة بالمكر والكذب والخداع، لأنها حرمتها من النبوغ والعبقرية "

و لحصر الأقوال الواردة في كيد المرأة الطالحة

نختم بالمثل الصيني الذي يقول :

"  أقوى قوة مائية في العالم هي دموع النساء “

إذن نستخلص مما سبق ذكره أن لصلاح المرأة 

تأثير كبير يفوق في فائدته صلاح الرجل ، كما

أن لفساد المرأة خطورة كبيرة لها انعكاسات 

جد سلبية على الأفراد و المجتمع أخطر بكثير من

فساد الرجل .

كنت شخصيا أظن أن المرأة تتميز على الرجل في أوصاف كثيرة كالحنان و الرقة و الحياء ، بينما الرجل يتميز بالجبروت و الغلظة و التسلط ، حتى أتى اليوم الذي جمعتني فيه ظروف العمل بامرأة ، ليست كالزميلات اللواتي عرفتهم في حياتي ، فهذه تختلف عليهن جميعا ، فقد جمعت بين قبح مظهرها و خبث باطنها ، إذا نظرت إليها للوهلة الأولى تتقزز نفسك و تسري في جسدك رعشة يمتزج فيها الخوف بالتعجب ، لأن نظراتها تشبه كثيرا نظرات أفعى الكوبرا ، تشعر بشرر من الخبث ينبعث من عينيها الزائغتين مما يوحي إليك بعدم الارتياح لتصرفاتها فتسرع طبعا بالابتعاد و التنحي عنها درءا لسمومها .

لم تمض إلا مدة قصيرة حتى بدأت سمومها تسري

في أوصال العاملين معها ، في كل مرة يشعر أحدهم بلدغة من مكرها ، تكبر و استعلاء من غير

كفاءة و لا قدوة و لا إخلاص في العمل و لا حسن تواصل ، تنقل الأخبار الكاذبة بين الزملاء لتوقع

بينهم العداوة و البغضاء ، تتلون كالحرباء من شدة

نفاقها ، فإذا لمست مصلحة عند أحدهم ، تراها

تتودد و تستعطف في استكانة ، حتى إذا ظفرت 

بما تريد ، أعرضت عنه و عاملته بازدراء ، 

أصبح الجميع يعي ألاعيبها و خبثها و كيف لا 

و قد لدغ أغلبهم ، مما جعلهم يتخذون الحذر منها بل وصل الأمر ببعضهم أن صاروا لا يكلمونها ، حتى أضحت مهمشة و منبوذة .

يتعجب المرء أحيانا كيف لمثل هؤلاء أن يشتغلوا

في قطاع حساس ، يتطلب من مزاوله أن يكون

على قدر كبير من الكفاءة و الأخلاق الفاضلة 

و حسن السلوك مع الجميع ليكون قدوة للنشء ،

و لكن للأسف لا شيء من هذا ينطبق على هذه

السفيهة التافهة ، وعن أمثالها يسري المثل الشعبي المغربي :

  " لا زين لا مجيء بكري "

و قد صدق الشاعر صالح بن عبد القدوس حين

قال : 

       يلقاك يحلف انه بك واثق

                  واذا توارى عنك فهو العقرب

      يعطيك من طرف اللسان حلاوة

                 ويروغ منك كما يروغ الثعلب


فالله جلت قدرته نسأل أن يجنبنا شياطين الجن 

و الإنس ، و أن يهدي كل ضال إلى الطريق 

المستقيم ، إنه والي ذلك و القادر عليه . 







أصل الداء

                        💉   أصل الداء  💉


          أمسيت مؤخرا أعاني من الأرق إذ لا أنام إلا بعد منتصف الليل بساعتين أو أكثر .

و السبب في ذلك أنني كنت و منذ زمن غير يسير مدمن على السهر طويلا ، أقرأ أحيانا و أكتب أحيانا أخرى ، و لعل أفضل وقت عندي لمثل تلك الأعمال هو الهجيع الأول من الليل حيث أشعر بالراحة و الهدوء  ، ففي ذلك الصمت المطبق  مبعث الإهام ، فيه تتفتح قريحة الإبداع ، و قد أنتج عملا أدبيا رائعا -- أقول رائعا في نظري -- ، إذ لا أستطيع أن أنتج مثله روعة في أوقات غير هذه .

و هكذا عودت نفسي على السهر حتى جفاني النوم ، و أخذ مني الأرق مأخذه و صار عادة مألوفة بعمل أو بغير عمل .  

و مع تقدم العمر بدأت بوادر الوهن تسري في بدني ، و لم أعد بذلك الحماس الذي كنت عليه من ذي قبل ، مما اضطرني لكسر عادة السهر و محاولة

النوم باكرا ، و تعويد نفسي على القراءة و الكتابة في أوقات أخرى من النهار ، و لكن للأسف الشديد 

بقي الحال على ما هو عليه .

أشار علي أحد الأصدقاء أن أعتمد على السمع عوض أن أقرا أو أكتب ، فالإستماع إلى ما تيسر من القرآن الكريم أو إلى محاضرات أو حكايات 

أو أشعار سيما في الظلام يعجل بنوم المستمع .

عملت باقتراحه و طفقت في كل ليلة أستمع تارة إلى المقرئ عبد الباسط رحمه الله و تارة أخرى إلى محاضرة  أو إلى حكاية أو إلى قصائد شعرية من الفصيح و الملحون ، فلاحظت أن لا شيء تغير خصوصا عند الاستماع للقرآن و العروض 

و الأشعار ، لأنني أنصت إليها جيدا بكل تمعن 

و روية ، و أتدبر معانيها ، و أهيم في مراميها ، فعادت حليمة إلى عادتها القديمة .

 لكنني و مع مرور الأيام لاحظت شيئا غريبا ،

 ذلك أنه كلما استمعت إلى حكاية من الحكايات إلا و غالبني النعاس حتى قبل أن تكتمل أحداثها ، قلت في نفسي الحمد لله قد وجدت الحل الذي يبعد عني الأرق ، و هكذا مؤخرا أصبحت أستمع إلى الحكايات خصوصا منها  طرائف العرب 

و نوادرهم أو حكايات التحقيق في الجرائم المعقدة التي باتت تستهويني أحداثها و طرق حلها ، و كثيرا ما يغالبني النوم دون إتمام وقائع الحكاية  .

      أتساءل أحيانا عما استفدته من هذه الحكايات التي تروي قصصا غريبة خطيرة عن المجرمين

الذين وقعوا في قبضة العدالة بعد أن اقترفوا

جرائم بشعة تشيب لسماعها الولدان ، ظنا منهم 

أنهم سيفلتون من العقاب لأنهم أخذوا بأسباب

الحيطة و الحذر حتى لا تنكشف جرائمهم ، 

و لكن جزئيات بسيطة جدا قد لا ينتبه إليها المجرمون تقود التحقيق إلى التعرف على الجناة ،

بفضل محققين أذكياء بارعين صقلت مواهبهم التجربة و حنكت مهاراتهم الوقائع .

من خلال مجموعة من الحكايات التي استمعت إليها ، رأيت أن أغلبها و بنسبة عالية سببها الطمع .

الطمع نقيض القناعة و هو عدم الرضى بما يملكه

الإنسان و طموحه في الحصول على أكثر من ذلك

فإذا لم يتأت له بالطرق المشروعة ، سلك طرقا

غير مشروعة كالإتجار في الممنوعات أو السرقة  

و النصب و الاحتيال و التزوير ، و هذه كلها تقوده يوما إلى ارتكاب جريمة بشعة تصل أحيانا كثيرة 

إلى القتل .

 فلولا الطمع ما تاجر المجرم في الممنوعات ،

و لولا الطمع ما مد السارق يده لمتاع الغير ،

و لولا الطمع ما نصب المجرم على الناس ،

و لولا الطمع ما زور المجرم الوثائق ،

و لولا الطمع ما انتحل نصاب صفة شخص آخر ،

و لولا الطمع في الإرث ما قتل الإنسان قريبه ، 

و لولا الطمع ما ارتشى الراشي المرتشي ،

و لولا الطمع ما اشترى الإنسان المسروق ،

و لولا الطمع ما كان الاختطاف و طلب الفدية .

و لولا الطمع ما سلك الجاهل طرق الشعوذة .

و لولا الطمع في جمال زائف ما خان الزوج زوجته،  

و لولا الطمع في مال زائل ماخانت الزوجة زوجها .

و لولا الطمع ما زوج الأب صغيرته لشيخ كبير .

كل هؤلاء غشى الطمع أبصارهم و بصائرهم ، و زاد من نهمهم في مواصلة أعمالهم الدنيئة لجمع الأموال ، فلا يستحضرون العواقب إلا بعد أن تقع الجرائم و يتم القبض عليهم ، فيزج بهم في غياهب السجون لمدة طويلة ، فتضيع كل آمانيهم و يبتلون في أبدانهم ، و يتركون خلفهم أسرا مكلومة ، حينها يعضون الأنامل من الندم و لكن أنى يجدي الندم و التحسر ، و ما ذنب أسرة الجاني الذي جنى على نفسه و عليها ،  فأصبحت الأسرة بين عشية و ضحاها دون حام لها و لا معيل ، مما يزيد من أوجاعها و تفككها الذي قد يترتب عليه الضياع و الانحراف و ظهور جرائم من نوع آخر .

إذن الأصل في أغلب الجرائم هو الطمع ، في حين

لو سلك الإنسان سبل الحلال في طلب الرزق ، 

و قنع بما يملكه و لو على بساطته لعاش سعيدا

مرتاح البال . فليست السعادة في كثرة المال سيما إذا كان مصدره من حرام ، و لكن السعادة الحقيقية في تقوى الله أولا و في القناعة طبعا ، 

و في الأخلاق الفاضلة و العلم النافع و ما دون هذه الدعامات فهي مظاهر زائلة و زائفة ،

و المغرور هو من يتهافت على الزائف و يترك الأصل .

هذا ما استنبطته من كل تلك الحكايات و إن كنت

أعرف ذلك من قبل ، و لكنني ازددت يقينا على يقيني و تأكدت أن أبشع الرذائل هو الطمع ، و هو الأصل في أغلب الجرائم . 

إذن بعد هذا كله تبقى الإستفادة القصوى من كل هذا هو أنني استطعت أن أكسر عادة السهر طويلا إذ وجدت في الاستماع إلى هذه الحكايات منوما طبيعيا و هو المكسب الذي طالما تمنيته ، و كأني بذاكرتي تسترجع أيام الصبا حيث كانت جدتي رحمها الله تحكي أحاجي أسطورية ، فيها من الخرافات الكثير و لكنها كانت مرغوبة يحلو على وقائعها النوم .

فما أشبه الأمس باليوم ! بالأمس كانت الحكايات أحاجي خيالية ترويها الجدات للصبيان عند المنام فتعجبهم ، و اليوم حكاياته إجرامية خطيرة من صلب الواقع تخيف الصغار ولكن تحمل من العبر

و الدروس ما يكفي للكبار .


                  ✏  بقلم  زايد وهنا   ✏

أنا و يوسف

                   ⚘  أنا و يوسف ⚘


       نادل بشوش ، دائم الابتسامة ، حلو الحديث ، 

 يكاد لسانه لا يفتر عن مجاملة زبنائه و ملاطفتهم،

و هو ما جعله محبوبا لدى الجميع .

رغم أنني لم أتعرف على يوسف إلا مؤخرا ، غير

أنني ارتاح إليه كثيرا و أجد متعة في مجالسته ،

شاب متواضع صبور ، لا يحمل في نفسه غلا اتجاه

أحد من الناس ، قد يضحي بأي شيء في سبيل

إرضاء الآخر ، و يعمل ما في وسعه لإدخال البهجة

في نفوس رواد المقهى .

كان إذا تعذر علي الحضور يهاتفني مستفسرا عن

سبب الغياب لا لشيء و إنما ليطمئن على أحوالي

الصحية و العائلية .

 باختصار أضحت ثقته بي كبيرة ، حتى أنه يطلعني على أموره الشخصية ملتمسا النصيحة ،

و هو الأمر الذي لم ألمسه في غيره من أهالي هذه

المدينة التي التحقت بها منذ ما يقرب من ست سنوات .

أحيانا أقول في نفسي عجبا فمجالسة هذا الشاب

الظريف على بساطة عمله أفضل بكثير من مجالسة بعض أشباه المثقفين الذين لا يؤنسون

في أحاديثهم و لا يستأنسون لأفيد الأحاديث .


  ✏  بقلم صادق من  زايد وهنا ✏