حينما يكون مظهرك سبب تعاستك

     👌 حينما يكون مظهرك سبب تعاستك  👌


          شاب في منتصف عقده الثالث ، مغربي مسلم يعيش في مدينة صغيرة ، أغلب أهاليها يتعارفون فيما بينهم ، يعيشون حياة بسيطة لا يعكر صفوها ما تعرفه المدن الكبرى من إنحرافات، 

و لا شيء يثير الاستغراب في مدينتهم أو يلفت انتباههم ، إلا مظهر هذا الشاب الذي جعل 

نفسه موضع سخريتهم و حديث مجالسهم تلوك الأفواه سيرته بما لا يرضاه عاقل لنفسه ، تراهم يتهامزون و يتلامزون كلما مر أمامهم أو جلس في مكان عمومي يرتادونه .

و الحقيقة  أن هذا الشاب لا يسيء إلى أحد ، يمشي منفردا و يجلس وحيدا ، و لا يبالي بنظرات الآخرين إليه ، باختصار  لا عيب فيه غير ما فعل بنفسه من تشبه بالنساء . 

شعره يفوق طولا و غزارة شعر النساء ، يجمعه أحيانا كومة كبيرة مستديرة الشكل على رأسه ، 

و أحيانا أخرى يتركه ينسدل على ظهره و كتفيه ، حليق اللحية و الشارب ، يضع قليلا من المساحيق على أماكن معينة في وجهه ، على ذراعيه و رقبته رسوم من أوشام ، و في أذنه اليسرى قرط أسود ،

و حول عنقه عقد عبارة عن سلسلة بلون فضي ،

و روائح المساحيق تتضوع منه ، فيخال إليك إذا رأيته للوهلة الأولى أنه شخص غير عادي ، 

و لعل مظهره ذاك الذي يثير الشبهات هو سبب ابتعاد الناس عنه .

         حدث مرة أن التقيت صدفة بزميل لي في العمل و طلب مني أن نقضي بعض الوقت  في إحدى  المقاهى لمشاهدة مباراة في كرة القدم لفريقنا الوطني في اقصائيات كأس إفريقيا ، 

لبيت الطلب و جلسنا نتجاذب أطراف الحديث في انتظار صافرة البداية ، و ما هي إلا ثوان قليلة حتى دخل ذاك الشاب المقهى و اتخذ مكانه بالقرب مني ، فأصبحت أتوسط المجلس بينه 

و بين زميلي .لا أنكر أنني أحسست بالضجر و عدم الارتياح ، فقد يظن من رأى جلستنا على تلك الوضعية أنني على سابق معرفة بهذا الشاب أو تجمعني به علاقة ما ، خصوصا أن كرسيه يكاد يلتصق بكرسيي ، و رائحته النسوية تخنق الأنفاس .   

فكرت في تغيير المكان و لكن المقهى كان مكتظا عن آخره و لا مكان فارغ يمكننا أن نلجأ إليه ، 

نظر إلي زميلي نظرة توحي أنه شعر بما أنا فيه من ضيق و حرج ، ابتسم ثم أومأ إلي بحركة يريد بها صرفي عن التفكير فيما يخالجني من إحساس 

و كأنه يدعوني ألا أكترث و ألا أعطي للموضوع أكثر مما يستحق .

وطأت نفسي على الصبر و تابعت مشاهدة المباراة ، و ما هي إلا لحظات قليلة حتى وضع النادل أمامه فنجان قهوة ، و إذا بالشاب يوجه كلامه للنادل و هو يمرر يده على شعره الذي انسدل جزء منه إلى الأمام قائلا :

 ""   إننا حقا مجانين ، نشجع هؤلاء اللاعبين الذين يتقاضون أجورا خيالية ، و نحن لم نجد عملا و لو بأجر زهيد   !!!""".

رمقته بطرف عيني حتى لا يشعر بأنني أتجسس على حديثه مع النادل ، و قلت في نفسي :

""   كيف لهذا أن يجد عملا و هو على هذه الحال التي تثير الريبة و الاشمئزاز ، فمظهره المتشبه بالنساء لا يبعث على الاطمئنان ، و لا أظن أن هناك شخصا عاقلا  يمكن أن  يثق و يرتاح في أن  يستجير مثل هذا الشاب لأسباب عديدة ".

انتهت المباراة بفوز فريقنا الوطني ، و في خضم تلك الفرحة انفضت جموع المتفرجين و هم يعيدون سيناريوهات المباراة و كفاءة اللاعبين ،

يمدحون أغلبهم و يذمون البعض ، و هذا دأب 

عشاق كرة القدم عند نهاية كل مباراة . 

ودعت زميلي و انصرفت إلى حال سبيلي و صورة ذاك الشاب لا تفارق مخيلتي ، تعجبت لأمره

فهو و إن كان هادئا لا يسيء لأحد ، و ربما قد يكون طيب الجوهر ، إلا أن مظهره يوحي بعكس ذلك و هو ما ضيع عليه كثير من فرص العمل ، 

و تعجبت أيضا كيف طاوعته نفسه أن يعيش عالة

على أسرته ، و هو شاب في مقتبل العمر يتمتع ببنية جسمانية قوية تثير الدهشة ، و السؤال المحير هو كيف تقبل منه أفراد أسرته هذا السلوك المقيت ، أليس منهم فرد رشيد يثنيه عن غيه ،

و لكن لا يمكننا في حالته هذه لوم الأسرة لأن للبيوت أسرارا لو اطلعنا عليها لربما التمسنا لها الأعذار .

و لشدة غيرتي على استقامة شبابنا  تمنيت من هذا الشاب إن لم يكن يعاني اضطرابات نفسية ، 

و كان في كامل قواه العقلية أن يتخلى عن تلك الأمور الغريبة التي يفعلها بنفسه ، و أن يعيش الرجولة بشهامتها و كبريائها و خشونتها كباقي الشباب العاديين حتى لا ينظر إليه بتلك النظرة الدونية التي تحط من قدره ، عندها سيجد و لا شك عملا شريفا يليق به ، يعول به نفسه و أسرته ، و لكن للأسف الشديد فقد رضي لنفسه بذلك المظهر المشبوه و نسي أنه السبب في تعاسته الدائمة .

فالله جل في علاه نسأل أن يلهمه و سائر شباب

أمتنا إلى جادة الصواب ، و أن يرد بنا إلى دينه

القويم ، و أن يجنبنا فواحش الأمور و توافهها 

و أن يشرح صدورنا لمكارم الأخلاق و لأنفع العلوم 

إنه ولي ذلك و القادر عليه .  



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق