الغربال
من الملاحظ أنه كلما تقدم العمر بالإنسان إلا و يقل عدد
الأصدقاء الذين يعرفهم و الذين كانوا بأعداد كبيرة أيام الشباب ، و هذا أمرطبيعي لأن المراحل الأولى من العمر بدءا بالطفولة حتى الشباب ، تكون لدى الإنسان قابلية للتعرف على العديد من الأقران بفعل الزمالة في الدراسة و الجوار في الحي ، إضافة إلى آخرين يتعرف عليهم من خلال مزاولة الأنشطة الرياضية و الفنية أو غير هذه من الأسباب الأخرى التي تجعل الشاب يربط علاقات مع الكثير ممن هم في مثل سنه أو من يقاربونه سنا . و هي في الحقيقة السن التي تغيب عن صاحبها معايير انتقاء الأصدقاء خصوصا و أن العلاقات التي تربط بينه و بينهم علاقات سطحية مبنية على أمور اللهو و المرح و لا شيء سوى ذلك ، غير أن المعايير الجادة التي تظهر معادن الناس و فضائلهم و حسن سرائرهم ، فهذه المعايير القيمة لا يدركها الشاب إلا بعد أن يتجاوز مرحلة الشباب و يلج مرحلة الكهولة حيث يتحمل المسؤولية التي كان قبل ذلك معفى منها إذ كان الأبوان هما من يتحملاها بدلا عنه ، عندئذ يخوض غمار الحياة و يصارع عقباتها و محنها ، و كيف لا و قد أصبحت له زوجة و أبناء ، فتجده أحيانا في حاجة إلى دعم معنوي أو مادي فلا يجد
بجانبه إلا قلة قليلة ممن كان يعتبرهم أصدقاء مقربين ،
و هكذا تبدأ تلك الرابطة في الانحلال ، و مع مرور الوقت
تسقط العديد من الروابط و العلاقات مع من كان يعرفهم
فتتم غربلتهم و لا يبقى منهم إلا القليل ، و هذا القليل هو نفسه يتناقص مع الأيام حتى لا يحتفظ لنفسه إلا بصديقين أو ثلاث على أبعد تقدير ، ممن يراهم صفوة المعارف ، نظرا لأخلاقهم الفاضلة و مبادئهم الثابتة ، يبثهم شكواه و يبثونه ، يتقاسم و إياهم الأسرار ، يجدهم و يجدونه في السراء
و الضراء .
و هكذا تجد الرجل الذي تقدم به السن ، و تشرب من نبع الحياة حلوها و مرها ، يقتصر في صداقته بعد غربلة
و اقتناع على شخصين أو ثلاث ، و هو يعلم علم اليقين أن
لا أحد منهم يخذله سيما إذا أحسن الاختيار ، و وضع لنفسه أولا و للآخر ثانيا معايير مبنية على أسس متينة ، و روابط
صداقة صادقة لا يشوبها طمع و لا خداع ، و يكون الحب في الله بينهما متبادلا .
فاللهم يسر لنا من خلقك أقواهم إيمانا و أحسنهم خلقا ،
يخافك فينا و نخافك فيه ، و أبعد عنا كل من يريد بنا سوءا
إنك تعلم ما في أنفسنا ، و لا نعلم ما في نفسك ، إنك أنت علام الغيوب .
بقلم زايد وهنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق