القرار المجحف

 القرار المجحف


        لعل الذين وضعوا الأسس الأولى للسن المناسب للإحالة على المعاش و جعلوا حده الأقصى ستين سنة ، هم صادقون جدا ، و لا حق بجانب من يجادلهم في ذلك ، فهم لم ينطلقوا من فراغ أو أهواء نفس ، و إنما استندوا على أسس علمية و تجارب حياتية ، توالت عبر الحقب و الأزمنة ، و أثبتت أن حياة الإنسان مقسمة إلى مراحل ، و خصصوا  كل مرحلة بطاقات بدنية و أنشطة فكرية تناسبها ، و عرفوا بل تأكد لديهم أن الإنسان عند بلوغه سن الستين تتغير فيه أمور كثيرة ، حيث يظهر عليه بعض الفتور و العجز على المستوى الفيزيولوجي و تنتابه حالات اليأس و الملل على المستوى النفسي ، و لهذا ينبغي أن تتوقف مسيرته العملية عند هذا السن لأن بعدها سيقل عطاؤه ، مما يؤثر سلبا على مردوديته

و يزيد حالته الصحية و النفسية تأزما و سخطا ، خصوصا

إذا كان ينتمي لقطاع متعب كالتعليم ، فكيف بمن قضى أربعين سنة أو تزيد في التدريس أن يستمر بعد الستين بنفس الحماس 

و الجدية ، فهذه المدة الطويلة قد استنزفت تدريجيا كل قواه و لم تعد له الرغبة إلا في الراحة البدنية و الاستقرار  النفسي ، و التفرغ لأمور تناسب ما تبقى لديه من طاقة .

و لكن للأسف الشديد لا أحد من المسؤولين يقدر ما مر به هذا المدرس المسكين من محن ، و عوض تكريمه بالترقيات

و المكافآت و تحسين معاشه ، أضافوا له سنوات من المشقة 

و الضنك ، و قرروا ألا يخرجوه إلا محمولا على الأكتاف إلى قبره ، بئس ما قرروا و بئس الجزاء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق