فرحة عند الإفطار و حزن في الأخبار
رمضان شهر الصيام و القيام ، شهر الخير و البركات يتميز بطقوس خاصة تخالف سائر الأيام ، يشعر فيه المسلم
بالراحة و الطمأنينة ، و لكن تصور أنك عند الإفطار و أنت تطفئ جوعك و ظمأك ، ترى على شاشة التلفاز أهل غزة
-- شيوخا و نساء ، شبابا و أطفالا -- ، المقيمون منهم يقصفون بوحشية ، و النازحون منهم مشردون يعانون الخوف و الجوع و العطش ، و الأسرى منهم يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب و التنكيل في سجون العدو الغاصب ، فلا شك أن شيئا ما يتحرك بداخلك حتى لو كنت فظا غليظ القلب ، فأمام هذه المشاهد المؤلمة لا بد أن تأخذك بهم الرأفة
و تشتعل بين جوانحك نار الغيرة على إخوانك في الدين
و هم يبادون و يهانون ، فلا تجد لإفطارك لذة ، و أنت تعلم أن ما وضع أمامك على المائدة من مأكولات و مشروبات ، لا يجد منها إخوانك المضطهدون و لو القليل الذي يمكنهم من سد الرمق ،و كثير هم الصبيان الذين قضوا من الجوع و العطش .
لا أخفيكم سرا أنني لم أتمالك نفسي ، فذرفت عيناي دمعا ساخنا ، و خنقت أنفاسي غصة دامية ، عندها انسللت إلى غرفتي دون أن أبدي لأهل بيتي ما أنا عليه ، و طفقت أكتب
هذا التضرع المرتجل ، ما هو بالشعر و لا بالنثر ، بل هو ما جادت به اللحظة ، لحظة حزن و أسى يعتصر القلب و تترجمه اليد كتابة بمداد من الدمع .
بعدما فرغت خواطري على مذكرة الهاتف ، قمت مسرعا توضأت و قصدت المسجد لأداء صلاة العشاء و التراويح ، بنفس منكسرة ، زادتها تلاوة القرآن خشوعا ، و أنا بين يدي الخالق ، عاد إلي بعض الهدوء و الطمأنينة و أيقنت أن الله على كل شيء شهيد ، يفعل في ملكوته ما يريد ، و لا يفعل إلا خيرا و لكننا نستعجل لأننا لا نعلم الغيب .
عند عودتي إلى البيت ، تصفحت هاتفي لأرى ما كتبته آنفا ، فلاحظت أن هناك تعابير يجب أن أدخل عليها تعديلات لتكون أجمل مما هي عليه ، و لكن تعمدت ألا أغير شيئا منها ، لأنها نتاج لحظة فاضت فيها النفس ألما ، و لهج اللسان تضرعا
و دعاء .
و قد ارتأيت أن أتقاسم هذا التضرع مع كل إنسان يشاطرني نفس الشعور ، و يحز في نفسه ما يرى و يسمع عن وحشية اليهود الغاصبين ، الذين لا تستثني إبادتهم شيخا و لا امرأة
و لا صبيا ، لهذا أرجوك أخي القارئ ألا تواخذني عن أي عيب في الشكل و المضمون ، فقد تم ذلك بنوع من السرعة يجمع بين الألم و الارتجالية .
تضرع غزاوي تحت الأنقاض
يا رب نفذ منا الصبر ، لا الدعاء
يا رب اشتد الخطب و فيك الرجاء
يا من أمره بين حرفي الكاف و النون
كسر بقدرتك شوكة الصهيون الملعون
يا من جعلت الأقصى أولى القبلتين
اقطع دابر من دنس ثالث الحرمين
يا من نصر المسلمين في بدر على قلتهم
اهزم اليهود و زلزل الأرض تحت أقدامهم
يا من بقدرتك أنجيت يوسف في الجب
أنزل لعنتك عليهم و على أعوانهم في الغرب
يا من جعل فرعون عبرة الأولين و الآخرين
اجعل الصهيون عبرة القرن الواحد و العشرين
يا من أخرج إبراهيم من النار سالما
كن للمستضعفين و من للجهاد قائما
يا من حفظت محمدا و صحبه في الغار
حصن نساء المسلمين من الخزي و العار
يا من بحكمتك جمعت شمل موسى بأمه
شتت شمل الغاصب و اجعل كيده في نحره
يا من أرسلت الطير على أصحاب الفيل
دمر اليهود واجعل كيدهم في تضليل
يا من لا تخفى عليه في الكون خافية
امحق اليهود و خذهم أخذة رابية
يا من يرسل السماء بالغيث مدرارا
لا تذر على الأرض من اليهود ديارا
إنهم تجبروا و مكروا مكرا كبارا
و لا يخرج من نسلهم إلا فاجرا كفارا
ليس لنا سوى باب جودك نستغيث به
و أي باب غير بابك يا ذا الجلال نلود به
لا تواخذنا بذنوبنا و قد كثرت الخطايا
انظر بعين اللطف في الشيوخ و الضنايا
يا من بعدلك تقتص للمظلوم في الأنام
استجب دعوة مكلوم يئن تحت الركام