أغرب العلاقات

                     أغرب العلاقات


          أحيانا قد ترتبط بشخص ما ، و تتوطد علاقتكما

ببعض ، إذ تلمس فيه جوانب تثير إعجابك و تبعث فيك 

الاطمئنان على الميل نحوه ، و تشعر منه بنفس الأحاسيس ، فيكون الاحترام و التقدير متبادلا ، و هذا

أمر طبيعي لا غرابة فيه ، و هو دأب جميع الناس في معاملتهم بعضهم بعضا ، و لكن الغريب هو أن تقع مثل

هذه العلاقة مع شخص لم يسبق لك أن لاقيته أو رأيته

و إنما وقعت بمحض الصدفة ، قد يكون في مكان أو 

مدينة أو بلد يبعد عنك كثيرا ، و لا وسيلة للاتصال ببعضكما إلا عبر السفر ، فإن تعذر عليكما اللقاء ، تبقى

وسائل الاتصال هي الجسر الوحيد الذي يربط بينكما .

و هنا حضرتني تلك العلاقة التي كانت بين الأديب 

" جبران خليل جبران " و هو في المهجر بالديار الأمريكية و الأديبة  " مي زيادة " بعد أن هاجرت من لبنان إلى مصر حيث استقر بها المقام ، و العجيب في علاقتهما أن لا أحد منهما التقى الآخر و لا سبق أن رآه ، و لكن جمع بينهما حب الأدب و شغف الكتابة ، فكانا

يتراسلان مراسلات أدبية ، و أعجب كل منهما بكتابات الآخر و أفكاره ، و هو ما وطد العلاقة بينهما عن بعد ،

هذه العلاقة التي تحولت مع الزمن إلى حب 

و رومانسية متبادلة ، كانت مي زيادة هي السباقة في الإفصاح عنها ، بقولها في إحدى مراسلاتها :

 «جبران، ما معنى هذا الذى أكتبه ؟ إنى لا أعرف ماذا أعني به ، ولكنى أعرف أنك محبوبي وأني أخاف الحب ، كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا وكيف أفرط فيه ؟ الحمد لله أنني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به ؛ لأنك لو كنت الآن حاضرًا بالجسد لهربت خجلا من هذا الكلام ، ولاختفيت زمنًا طويلًا فما أدعك تراني إلَّا بعد أن تنسى »،

ليرد عليها : « الكلمة الحلوة التى جاءتني منك كانت أحب لدي وأثمن عندي من كل ما يستطيع الناس جميعهم أن يفعلوا أمامي ، الله يعلم ذلك وقلبك يعلم ».

هكذا تحابى هذان الأديبان حبا عذريا عفيفا ، و كانا يأملان أن تتاح الفرصة للقاء ، و لكن لم يتحقق اللقاء ، فقد فرق بينهما الموت دون أن يرى أحدهما الآخر ، 

و كان جبران أول من غادر إلى دار البقاء سنة 1931

و بعده عاشت مي زيادة في عزلة و كآبة رغم أن بعض الأدباء حاولوا التقرب منها كالأستاذ عباس محمود العقاد و مصطفى عبد الرازق و ولي الدين يكن ، إلا أن حب جبران لم يترك في قلبها مكانا لغيره ، و هكذا بقيت وفية لحبها الأول ، حتى وافتها المنية سنة 1942 .

سبحان الله ، و له في خلقه شؤون ، قد يرتبط الإنسان

بإنسان آخر ، و تتوطد بينهما علاقة قد تكون علمية أو أدبية أو فنية سريعا ما تتطور إلى علاقة رومانسية

و كلا الطرفين يعلم علم اليقين لظروف ما أن لا سبيل 

إلى اللقاء وجها لوجه ، فتبقى العلاقة سائرة صادقة حتى يجعل لها الموت نهاية . 

 









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق