🍎المقامة الوهناوية🍎
ذات عشية غائمة ، تحت سماء قاتمة ، و بينما أنا أجوب أزقة مدينة حالمة ، أجول بنظري الى عمران من الدهر حظى ، وتاريخ من المجد مضى ، و فن من الزخرف قضى ، أبصرت مقهى منعزلا ، لا يبعد إلا قليلا ، و دون أن ألوي ، صعدت الى الطابق العلوي ، جلست في مكان منزوي ، أسمع أهازيج الكناوي ، أرقب ساحة جامع الفناء ، أستطيب ريح الشواء ، يعلو الجو كالرواء ، تلاعبه نسائم الهواء ، فإذا بسائح يبدو عليه النصب ، ينشد الاسترخاء من التعب ، يصعد الدرج متثاقلا ، من العياء متمايلا ، بصره صوبي رامق ، كأنه شرر حارق ، حياني بأدب فائق ، منبهرا بمنظر رائق ، انهال علي بالسؤال مستبينا ، لإجابتي متمعنا ، من فن الحوار متمكنا ، لجل الألسن متقننا ، حاور فناور ثم شاور في أمور شتى ، فما أزعجني البتة ، إلا عندما مس موضع جرح ، له في النفس حظ من قرح ، إذ قال في تحسر و آسى ، زافرا تارة و أخرى عابسا ، ما لقيت في الأسفار ، و ما رأيت في البشر ، فيما زرت من الأمصار ، قوما مثلكم يحقرون فقيرهم ، و يتملقون لغنيهم ، فأصبح عيشكم بين قرف و ترف ، و زيف و خرف ، و تفرقت بكم السبل شيعا ، و أمسى اقتصادكم ريعا ، وزاد أغنياكم طمعا ، و بدل أمنكم قمعا ، و خطباؤكم تبعا ، و أحزابكم رضعا ، في الإدارات تغيبا ، و في التعليم تسيبا ، شهادات من غير كفاءات ، و دبلومات من غير مهارات ، و تعيينات من غير استحقاقات ، و مشاريع من غير ابداعات ، فأنى السببل لتحقيق الغايات ، و قد تولى السفهاء المناصب ، و اعتلى الجهلاء المحاريب ، و ملأ البلهاء الملاعب ، يفخرون بوشم كل سفيه ، و تصفيفة شعر كل تافه ، بطالة تتفاقم ، و شباب يتألم ، ركب الموج صوب الطاليان ، ما درى أنه قربان للحيتان ، أسرفتم في تفاهة الموازين ، و أهملتم بنى المدائن ، ما رقت قلوبكم لحال المجانين ، و لا مسحتم دمع المعوزين ، طرقكم كوارث ، و تهوركم حوادث ، مجدتم الخرافة ، و ضيعتم الثقافة ، بجلتم الفاجرات ، و ازدريتم العفيفات ، شجعتم العفون ، و أقبرتم الفنون ، فلا إعلام هادف ، و لا برنامج ثاقف ، بأيديكم دمرتم عقول الأولاد ، حين سخرتم من الأستاذ ، و أحلتموه أضحوكة العباد ، الشبح مرتاح ممدد ، براتبه مرغد ، و المناضل منزاح مهدد ، بأغلال مبادئه مصفد ، المخلص الوفي مهمش ، و الوصولي الخائن مطفش ، العاقل مقهور متدمر ، و الغافل مبشور متهور ، مجرموكم يرفهون ، و ضحاياكم يعانون ، أيتام تنتحب ، و براءة تغتصب ، أعراض تنتهك ، و أسر تفكك ، النهب حسبتموه حداقة ، و العفاف ظننتموه حماقة ، عدلكم انحياز ، للغني فيه امتياز ، الظالم بالباطل منصف ، و المظلوم بالحق مجحف ، الفضيلة منبوذة ، و الرذيلة محمودة ، قدستم المحسوبية ، و سلكتم العشوائية ، فقتلتم الإنسانية ، و وأدتم الديمقراطية ، فالملأ جياع ، والشباب صياع ، و النساء مياع ، و المتزدلفون رعاع ، زغتم عن جادة الصواب ، في التربية و الأدب ، فسرى الإدمان بين الأتراب ، سريان النار في الأخشاب ، و تفشى التشرميل في الشباب ، و السكاكين جهارا على الرقاب ، فما سلم الصالح ، و لا ردع الطالح ، فلا خير أمة أنتم ، و لا دين اتبعتم ، و لا أخلاق تمسكتم ، أحبطتم الهمم ، فتذيلتم الأمم ، فأين تذهبون ، و بأي حديث تقتدون ، فسكت هنيهة ينتظر جوابا ، فما رأيت من كلامه إلا صوابا ، عجبا لهذا يعرف عنا ، و كأنه منا ، فقمت و قد اندرف الوشل ، و خانتني الجمل ، نزلت الدرج مطرقا ، على حالي مشفقا ، فإذا بالنادل يسرع خلفي حانقا ، يطلب ثمن ما سقى ، ناولته وريقا ، وتركت له ما بقى ، و انطلقت أطوي الخطى ، كمن يطارد القطى ، ابتلعتني الدروب ، و حازني الغروب ، و أنا أنذب حظي العاثر ، الذي ساق إلي هذا الشاطر ، فتركت المدينة متحسرا ، و قصدت بيتي متوترا ، و منذها قررت ألا أجالس أجنبيا ، ما دام العيب في باديا ، توضأت و صليت و تهجدت تهجدا ، عسى الغيوم تنكشف غدا ، حينها رن جرس المنبه ، فأيقظني مما أنا فيه ، كادت تختنق أنفاسي ، إذ هي أحلام وساويسي ، وأضغاط كوابيسي ، فاستجمعت يأسي ، و ارتديت ملابسي ، والأمل يحدوني على أن يكون يومي خيرا من أمسي ، ... ، ... ، ... ،.......
💼محاولة في إحياء أدب المقامة لزايد وهنا💼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق