⚫المثقف و فقه الواقع⚫

***  المثقف و فقه الواقع  ***

كثيرا ما يتساءل المرء عن دور المثقفين من علماء الدين و كتاب و شعراء و فنانين فيما يجري من أحداث في مجتمعهم ، فهؤلاء هم لسان الشعب يترجمون أدق مشاعره و إحساسه ، و يعبرون تعبيرا صادقا عن آماله و آلامه ، فهم بمثابة العينين من الجسد ، بأعمالهم و إنتاجاتهم ينيرون الطريق أمام الناس و يبصرونهم بعيوب الواقع و مزاياه ، يباركون الصواب و يقومون الاعوجاج و ينبهون إلى الهفوات و يتبرؤون من وقوعها ، كل هذا من خلال خطبهم و مقالاتهم و أشعارهم و مسرحياتهم و أغانيهم ...الخ ، رحم الله عمر بن الخطاب و رضي عنه إذ خاطب الناس يوما قائلا :
  "إذا رأيتم في اعوجاجا فقوموه "
فقال له رجل :
  " و الله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا "
فلامه آخر على جرأته أمام عمر ، فما كان من عمر إلا أن رد على هذا المعترض قائلا :
  " دعه فليقلها ، فلا خير فيكم إذا لم تقولوها لنا و لا خير فينا إذا لم نقبلها منكم "
فالإنتاجات الفكرية الهادفة هي رسالة انسانية نبيلة ، لا يقوم بها إلا الوطنيون الغيورون الذين يطمحون أن يروا مجتمعهم تسوده المساواة و العدل و الحرية ، و لا يطمئنون في مضاجعهم إلا إذا سادت المحبة و العيش الكريم و الإخاء بين أفراده ، فلا يرضون أن يكون بيننا جائع و لا عار و لا مظلوم و لا مغبون ، هكذا هم المثقفون الحقيقيون ، فأين هذا الصنف من المثقفين في مجتمعنا اليوم ، لا أحد يحرك ساكنا فيما يروج ، اللهم بعض الإنتاجات المحتشمة التي تطل علينا من حين لآخر أما ما عدا هذه القلة القليلة فالكل منشغل بليلاه و الكل يهيم في واد بعيد كل البعد عن مآسي الواقع .
الإنتاج الفكري غالبا بل دائما ما يكون وليد الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي يشهدها المجتمع و هذا ما يصطلح عليه بفقه الواقع إن صح التعبير ، و نعني بالذكر المثقف الذي يكرس حياته و يشحذ قلمه في خدمة العلم و المعرفة و السير على المباديء التي ترضي الله و ترضي الضمير و تسير بالبلاد نحو الأفضل ، لا أشباه المثقفين الذين يسعون لملء البطون ، و بلوغ المناصب بالتملق و التزدلف  فهؤلاء ليس بينهم و بين الثقافة إلا الاسم ، شعارهم الانتهازية و تحقيق الثراء ، و تجردوا من كل معاني الانسانية فأكسبهم طمعهم ثراء و لم يكسبهم ثقافة و وعيا ، و هذا الصنف ليس هو المقصود في المقال مادامت الهوة سحيقة بينه و بين الثقافة ، و إنما المقصود هم ذوو الوعي التام بالواقع الذين يتأثرون و يؤثرون ، الذين يتفاعلون مع كل المستجدات و يحملون هم الوطن و المواطنين و يسعون  ليلا و نهارا  من خلال إنتاجاتهم الفكرية لتنبيه المسؤولين إلى كل أمر يخدم مصلحة البلاد و العباد  واقتراح الحلول الممكنة للرفع من شأن القطاعات ، هؤلاء هم المثقفون حقا غير أنهم للأسف قليلون .
  و لعل هذا ما دفع بالكثير من الناس إلى التخلي عن القراءة و المطالعة ، إذ لا يجدون مقالا يشفي غليلهم اتجاه الواقع و لا قصيدة تعزف لهم على أوتار أوجاعهم ، و هم في مثل ظروفهم و نفسياتهم المتكرهة الساخطة لا يستسيغون إلا الإنتاجات الفكرية التي تبلسم الجراح و تضمدها .
هذا لا يعني أن نتخلى كليا عن المواضيع التي ليس لها ارتباط بالواقع ،  أبدا فكل عمل أدبي أو فني فهو مستاق من الواقع ، و لا يعاب على صاحبه إن هو أجاد فيه و برع ، ولكن المرغوب فيه هو أن يلتفت إلى ما يؤرق الناس فيتناوله بطريقته الخاصة و يضفي عليه من مواهبه و إبداعه ما يجعله مقبولا عند الآخرين و من يدريك لعل بعمله ذاك يكون قد أوصل رسالة إلى المعنيين بأمرها فيأخذونها بعين الإعتبار و يكون عمله فاتحة خير على الناس جميعا ، و لا أدل على ذلك من بعض المواضيع التي يثيرها رواد الفيسبوك فتجد لها صدى في أوساط المسؤولين ، و هؤلاء أي رواد الفيسبوك أغلبهم ليسوا بكتاب و لا علماء و لا شعراء و لا فقهاء و رغم ذلك يحققون أحيانا ما لم يحققه الآخرون ، فما بالك لو اجتمعت كلمة المثقفين حول موضوع معين و تناوله كل منهم من زاوية اختصاصه ، فلا شك أنه سيجد آذانا صاغية لأنه لا يمكن أن يجتمع هؤلاء و أمثالهم على ضلالة.
  ختاما أرى من وجهة نظري و التي تحتمل الخطأ أو الصواب ، أن المثقف على عاتقه مسؤولية جسيمة اتجاه وطنه أولا  و اتجاه أمته العربية الإسلامية ثانيا ، فهو لسان حالها و الناطق باسمها و المترجم لأحاسيسها ، يغرد داخل سربها متى تطلب الأمر ذلك ، و ليس عليه من مؤاخذة أن هو غرد خارج السرب أحيانا ، فمن طبيعة الانسان أن يبدع في كل ما يجيش في وجدانه و يحرك مشاعره شريطة أن يتسم عمله بالإبداع الفني الصادق المتميز الهادف ، و وقانا الله و إياكم من بعض الأعمال الملوثة المحسوبة على الفن و الأدب التي طغت و استشرى داؤها في أوساطنا و التي لم تزد شبابنا إلا فسادا في أذواقهم وتخلفا و انحلالا في أخلاقهم ، و في هذه و غيرها يكمن دور المثقف المصلح ...!!!؟؟؟

🔴فرحة الثلاثاء🔴

فرحة الثلاثاء
      أولا و قبل كل شيء ، اعذرني أخي القارئ إن لم أحسن التعبير كما عاهدت في كتاباتي ، فإنني أكتب و أنا في قمة الفرح و السعادة ، يكاد يلحظها كل من يراني ، لا لمال كسبته و لا لترقية حصلت عليها و لا لشيء من هذا القبيل و إنما سر ابتهاجي جاء فجأة لم أكن أنتظرها ، فقد خرجت من البيت و جلست بأحد المقاهي أتفقد أخبار بلدي و التي غالبا ما تكون غير مريحة بل و مؤلمة خصوصا في هذه الأيام ، و إذا بي أهتز من مقعدي و أنا أقرأ خبر فوز التلميذة المغربية من تاونات ** مريم لحسن أمجون ** ذات التسع سنوات بالجائزة العالمية للقراءة العربية متفوقة على الآلاف بل الملايين من قراء أربع و أربعين دولة من العالم العربي وغيره ، في دولة الإمارات العربية ، بمبادرة من محمد بن رشيد آل مكتوم ، علما بأنها أصغر مشاركة تدرس بالمستوى الابتدائي .
  رفعت بصري نحو السماء حامدا لله شاكرا له ، و انذرفت دمعة من عيناي ، طفقت أنظر إلى من حولي و كأنني أبحث عمن يشاركني هذه اللحظة التاريخية المتوهجة في سجل بلدنا ، كدت أصيح من الفرح غير أنني تريثت حتى لا ينعتني الناس بالجنون ، تناولت هاتفي النقال و شرعت في كتابة هذه المشاعر ، و لا أخفيكم سرا فقد اتصلت بي ابنتي تطلب مني الحضور لتناول وجبة الغذاء فقلت لها من شدة فرحي لا تنتظرونني فأنا أتناولها الآن ، و قطعت الاتصال لأعود إلى الكتابة .
  كيف لا يعود الأمل إلى النفس اليائسة مع ابنتنا البرعومة و حبيبتنا و قرة أعين المغاربة جميعا ، فرغم صغر سنها قالت للجميع :
        إني و إن كنت الأخير زمانه **
                        **  لآت بما لم تستطع الأوائل
   نعم في هذا المجال و في غيره من المجالات العلمية و الأدبية و الفنية و الرياضية نسعى جاهدين إلى الرفع من شأن بلدنا ، و لا يهنأ بال الوطنيين الغيورين حقا إلا إذا رأوا راية المغرب ترفع و النشيد الوطني يردد في كل المحافل الدولية . و هذا ليس بالعزيز علينا لو كنا نهتم بطاقاتنا البشرية ، و نخلص في أعمالنا كل في دائرة اختصاصه ، بدء بالأسرة فالمدرسة فالاعلام ، و نعمل كل ما في وسعنا لنشر الثقافة و العلم في ظل القيم الانسانية النبيلة و نترك جانبا سفاسفة الأمور الدخيلة علينا و التي ليست من قيمنا الدينية و الوطنية .
  أخيرا أتقدم بأحر و أغلى التهاني لهذه البرعومة التي رفعت رؤوسنا عاليا و للفائزين قبلها في مسابقة القرآن الكريم و لكل من كان سببا في رفع العلم المغربي مجدا و عزة ، لكل هؤلاء أنحني تعظيما و إجلالا و تقديرا ، كما أهنئ أسرة مريم و عائلتها و أبناء تاونات و الشعب المغربي بهذا التتويج المستحق ، و أشد بكل حرارة على أيدي أبيها و أمها سائلا الله جل في علاه أن يحفظها و يرعاها و ابناءنا و ابناء المسلمين ، و أن يشرح صدورهم لما فيه خير أنفسهم و أسرهم و وطنهم ،
و صدق الشاعر حين قال :
     ما نيل المطالب بالتمني
                       ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
     و ما استعصى على قوم منال
                        إذا الإقدام كان لهم ركابا

⬛واتعليماه⬛

****    واتعليماه   ****

ولد  التعليم  بمفهومه العصري ايام الاستعمار        و قضى طفولته مرحا سعيدا مع بداية الاستقلال حتى نهاية الستينات حيث اصبح شابا يافعا نافعا وفي نهاية الثمانينات دخل مرحلة الكهولة يكابد ويجاهد رغم الظروف الصعبة حتى نهاية القرن ومع بداية القرن الحالي ظهرت عليه اعراض أمراض لم يعهدها من قبل حيث اصيب بمرض المخطط الاستعجالي ثم فاجأه مرض الكفايات  فتدهورت صحته الى درجة لم يسبق لطبيب ان عاين مثلها ، نقل على اثرها الى الانعاش حيث سهر عليه اطباء اجانب ووصفوا له دواء الادماج دون تحليلات فازدادت حالته سوءا فمنعوا عنه جميع الادوية لأن صحته لم تعد تحتمل ادويتهم وتركوه يكابد الألم في غرفة الإنعاش  ، اجتمع أهله و أقاربه ، و أغلقوا دونهم الباب ، و منعوا عنه زيارة المجربين المحنكين ممن لازموه مدة طويلة و لهم ذراية بأسراره و هم أحق و أولى بمعالجته ، أجمعوا أمرهم بينهم وتناقشوا في أمر علته  و اهتدوا إلى حلول من قبيل التداوي بالأعشاب العامية و الرقية العشوائية ، فلم يزده ذلك إلا ألما ، فتح عينيه قليلا ، فرأى الفوضى و التسيب قد عم بين أبنائه  و بناته ، و حلت المخدرات محل التربية و الأسلحة البيضاء محل الأدوات و الكراطي وفنون القتال محل الرياضة ، فتكسرت أنوف المربين و شجت جباههم و تورمت أعينهم و جرحت وجوههم على مرآى و مسمع من أولي العقد و الحل ممن يعتبرون أنفسهم أهله و أقاربه ، فهوى على سريره و راح في غيبوبة يصحو تارة و يغيب أخرى ، و ليس لمحبيه الأوفياء الغيورين من سبيل غير المواساة و الدعاء له  بالشفاء ، مرضه خطير جدا لا يبعث على الارتياح  و الأعمار بيد الله......

🕭ناقوس الخطر🕭

ناقوس الخطــــــــــــــر

      ليس من الغريب على كل مواطن صالح غيور واع بما يجري هذه السنوات الأخيرة في وطننا العزيز، أن يقلق و يتوجس خيفة من الخطر المحدق بهذا البلد الأمين ، و أنا بدوري لا أخفيكم إخواني القراء ، إذا قلت أن جنبي بات لا يطمئن في مضجعه،و أصبحت لا أنعم بمتع الحياة ذلك التنعم الهنيء المريء، لا من خصاصة أو شظف ، فالكفاف عفاف، و إنما من ظاهرة أمست تؤرقني ليل نهار، و أنا أشم رائحة عاصفتها الهوجاء آتية لا محالة - خيب الله ظني في وصولها – تنذر بالبوار و الثبور الذي يأتي على الأخضر و اليابس ، فلا يبقي و لا يدر، فبعد سنوات من الملاحظة و الإطلاع كل يوم على الجرائد و المواقع الإلكترونية و نشرات الأخبار، لا أرى و لا أسمع إلا مظاهرة هنا و مسيرة هناك و اعتصاما هنالك ، من أجل مطالب هي في الحقيقة عادلة و منصفة و من حق طالبيها الحصول عليها، و مع اقتراب موعد الإنتخابات تخرج الأحزاب ما في جعبتها من وعود منمقة و أساليب ترغيبية و برامج تكاد تجمع كلها على محاربة الفساد و المفسدين ، و إعادة إصلاح هياكل الدولة ، و الإهتمام بقضايا الفئات الهشة ، وتشغيل الشباب ، و تحسين أوضاع المرأة و رفع الحيف عنها ، و غيرها كثير من الأماني و الآمال ، نلخصها كلها في كلمة واحدة هي احترام كرامة المواطن ، غير أن ما يغيب عن حسبان هؤلاء جميعا أن كرامة المواطن لابد لها من قاعدة أساسية تبنى عليها ، و هي أولى الأولويات و الأصل في بناء مجتمع متحضر متماسك ، إذ لا يستقيم أمر أي مطلب مشروع دون أمن و أمان ، و من غير اطمئنان و استقرار .
يا إخواني إن ما نراه و نسمعه ينبيء بفوضى عارمة و تسيب و شطط في استغلال حقوق الإنسان بفهمنا الخاطيء لها ، إذ لم تعط هذه الحقوق بجرعات مناسبة حسب ظروفنا و خصوصياتنا و أعرافنا ، بل قدمت كاملة في جرعة واحدة لم يستسغها جسمنا ، فاستغلها البعض دون وعي فحدث عكس ما أريد بها ، و انقلبت مفاهيمها سلبا مما نتج عنه ضرر في حق البعض الآخر، و بالتالي كيف سيسعد المواطن في حياته و يؤدي مهامه على أحسن وجه و هو غير آمن في سربه، مهدد في كل لحظة من أن يعترض سبيله ( مشرمل ) أو عصابة من الصعاليك بأسلحة بيضاء ( سيوف، سلاسل، هراوات ...) فيعتدون عليه ضربا و جرحا حتى الموت ، و في أحسن الأحوال قد يلحقون به أدى بليغا يصل أحيانا إلى عاهة مستديمة تلازمه طيلة حياته، طمعا في بعض نقوده أو هاتفه أو أي متاع يرونه مدرا للربح بالنسبة إليهم ، و ربما يقع كل هذا على مرآى و مسمع من المارة و لا أحد يحرك ساكنا خوفا من المصير نفسه الذي تعرض له الضحية ، ما ذنب طفل بريء في طريقه إلى المدرسة،أو طالبة في طريقها إلى الثانوية أو الجامعة، أو امرأة خرجت في طلب الرزق لأيتامها أو موظف مخلص في عمله محب لوطنه فيتعرض هذا للترهيب و التعنيف ، و تتعرض تلك للإغتصاب و التنكيل من قبل صعاليك ميؤوس من صلاحهم ، و لا يتدخل رجال الأمن إلا بعد فوات الأوان، و إن تدخلوا في أوانها فقد لا ينجون هم كذلك من هذه المجازر، فكم من رجل أمن مخلص تعرض للقتل على يد صعلوك مشرمل و كم من مياوم يكسب قوت عياله بعرق جبينه فيقتل ببرودة دم لأن عنده 100 درهم ، و الغريب في الأمر أن هذا المجرم القاتل يعتدي على أناس بسطاء ممن قهرهم السعي في توفير أدنى متطلبات الحياة من موظفين ذوي الدخل المحدود أو أجراء أو مياومون أو غلبة من أطفال و بنات و عجزة أما الناس الميسورين فهؤلاء قلما يصادفهم في طريقه إذ أن لهم وسائل النقل الخاصة بهم و لأبنائهم و زوجاتهم و لا يتسوقون إلا في الأسواق الممتازة و قد يكونون مصحوبين بحراس خاصين ، و مع كل هذا و ذاك و بالرغم من العمد و التعمد و سبق الإصرار و الترصد يودع المجرم في سجن من خمسة نجوم حيث التغذية الكاملة الكافية و الأفرشة و الأغطية الناعمة والملاعب الرياضية و الحمام الساخن و التلفاز وووو... فيجد نعيما لم يكن يحلم به يوما ، لأن حقوق الإنسان أعطت هذه الإمتيازات للسجناء القتلة المغتصبين ، ترى لماذا لم تعط نفس هذه المتيازات و هذه الحقوق لأرملة القتيل و أبنائها الذين يتضورون جوعا و يتسولون في الشوارع، عجبا لهذه المفارقة بل المقاربة الغريبة التي يستعصى فهمها على كل ذي عقل لبيب ، فمن أحق بالرعاية و الإهتمام القاتل أو الأطفال اليتامى ؟ و هذا سبب رئيس و دافع أساس يجعل من هؤلاء اليتامى المهملين مشروع مجرمين مستقبلا .
لهذا أظن حسب رأيي المتواضع أننا نحدث ثقبا في سفينتنا عندما يقتل و يعوق الصالحون في وطننا ، و يكرم و ينعم المجرمون القتلة ، و إن امتدت بنا الأيام على هذا النحو و لم نجد لنا حلا فقد نصل إلى ما يسميه العامة قديما ( السيبا ) ويفلت زمام الأمور من بين أيدي المسؤولين ، حينها نقرأ الفاتحة ترحما على استقرارنا، وقد يقول قائل لو وجد هذا المجرم عملا لما التجأ إلى الإجرام، سأجيبك بكل صدق و من خلال تجارب عاينها بعض الأصدقاء فهؤلاء المجرمون اعتادوا الإسراف في الإنفاق على أنفسهم،فلا تكفيهم أجرة العمل التي تتراوح بين 100 و 150 درهما في اليوم،هذا ناهيك عن مشقة العمل التي لا يستطيعون تحملها كباقي المياومين، هم ألفوا و تعودوا على إسراف نقود كثيرة وبطرق سهلة للغاية من غير تعب أو مشقة، و هذا ما يجعلهم يفضلون اعتراض سبيل المارة .
فما السبيل للحد من هذا الإجرام الذي تفاقم مؤخرا حتى وصل آذاه الطريق السيار؟ لا أرى حلا أنسب إلا بإصلاح شمولي لجميع القطاعات و على رأسها قطاع التعليم في مناهجه و برامجه لتتوافق و متطلبات العصر و ما يطلبه سوق الشغل ، و الإلتزام بالإنضباط و الإحترام ، و إعادة الهيبة للمؤسسات و لرجال التعليم، وإعادة النظر في الخريطة المدرسية فلا نجاح إلا بالكفاءة و الإستحقاق ...ثم علينا بقطاع الإعلام لنجعله قطاعا هادفا يخدم المواطنين في جميع مناحي حياتهم و مكملا لدور المؤسسات التعليمية ، و كذا النظر في حقل الصحة الذي يشكو الجميع قصوره و اهماله ، وتوفير فرص الشغل للعاطلين ، و الأخذ بيد الفقراء و المساكين ، و خصوصا ذوي الإعاقة الذهنية الذين يملأون الشوارع فهذه الفئة لا أحد ينظر إليها بعين الرحمة في حين أن مكانها الأنسب هو مارستانات خاصة بها تتلقى بها الرعاية الكاملة و الإستشفاء ، و باختصار شديد النهوض بجميع القطاعات و تغيير العقلية السائدة المبنية على المصالح الشخصية و مراعاة مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. فإذا استطعنا فعل ذلك و هو ليس بعزيز على همم المغاربة فإننا و لا شك سنحد من هذا الإجرام المتفاقم ، و إذا كان هناك من سولت له نفسه المساس بعرض الآخرين أوأرواحهم أو أموالهم ،فينبغي آنذاك أن يتعرض المعتدي لأشد أنواع التعذيب و التنكيل قد تصل في بعض النوازل إلى الإعدام و لا تأخذنا به رأفة .
إخواني المغاربة ، لقد أصبح المواطن في ظل هذا الخوف و عدم الإطمئنان على النفس و العرض و المال، يفضل الأمن و الإستقرار أكثر من أي مطلب آخر و كثير ممن حاورتهم يفضلون أن يعيشوا عيشة بسيطة في مأكلهم و ملبسهم و مسكنهم مقابل أن ينعموا بالأمن و الأمان، إذ لا راحة و لا سعادة في عيش و لو كان رغيدا دون أمن، فلا شيء أغلى من الحرية، حرية التنقل و التجول و الذهاب إلى العمل و العودة منه في اطمئنان دون خوف أو رعب أو تهديد، و تسود المحبة و الأخوة بين الناس كما أمرنا ديننا الحنيف ، و من أجل هذا المطلب الغالي الثمين ينبغي أن ندافع بالمظاهرات و الوقفات الإحتجاجية و غيرها من الأساليب الحضارية السلمية دون المس بالتوابث و المقدسات ، لا كما نرى في هذه الأيام حيث أصبحت بعض المسيرات تخرج عن النطاق الذي نظمت من أجله، فيتخذها بعض ضعاف العقول مطية لتمرير أفكار سامة نحن في غنى عنها، نعم نحن مع كرامة الإنسان و حقوقه و نحن ضد كل أنواع الظلم و الإستبداد و نطالب بالضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه أن يحقر مغربيا أو يبتزه في حق من حقوقه ، و لكن بدون إثارة النعرات التي تفتك بوحدتنا الوطنية و تثير الفتن بيننا و نحن عصبة واحدة تعايشنا منذ الأزل و لا زلنا على التفاهم رغم تنوع ثقافاتنا و لغاتنا و أجناسنا و أعرافنا و تقاليدنا و هذه عناصر قوة و اتحاد لا تزيدنا إلا تماسكا و انسجاما و تفهما و لا نقبل بوجه من الوجوه أن يملي علينا أحد من الخارج رأيه ، فنحن أدرى بمصلحتنا من غيرنا ، و لو كان رأيه صائبا لظهر أثره في بلده قبل غيره .
ختاما أدعو كل غيور على هذا الوطن، و أناشد المسؤولين و الأحزاب و فعاليات المجتمع المدني أن تجعل الحد من ظاهرة الإجرام أولى أولوياتها ، وتتصدى لها بكل الوسائل المتاحة و الممكنة و توفر ما يمكن توفيره من الحلول المناسبة التي ترد بشبابنا ( المشرمل) إلى السكة الصحيحة ، ليعيش الكل في أمن و أمان ، فإن توصلنا للحد منها - إن لم نقل القضاء عليها – فما دونها أهون ، و إن لم نفعل فلنترقب عواقب وخيمة لا تحمد نتائجها إن آجلا أو عاجلا ، و ما أظنه إلا عاجلا إن استمر الوضع على ما هو عليه ..........

📍مهماز علي📍

مهماز  علي
أشد رحال الشعر نحو الرواسي الشامخات
أسابق أفكاري أطوي المسافات
تخذلني الكلمات و تراودني التفاهات
يستهزئ بي القدر حيث الذكريات
هنا يتضوع عبير العشق
يمتص رحيق النخيلات
هنا يتجدد العهد بالعتق
يجرجر أذيالا نثرتها الآهات
ألكز جوادي بمهماز علي
في غفلة من الخيل الجاثيات
والأولاد، أولاد علي تناشد العاديات
تنبش الثرى حيارى في غبش الدكانات
علها تظفر بالمهماز
بين همزات الأفكار و لمزات الأقدار
تثور دماء الشوق
تطفئ وميض البرق
تتحدى زمن الحمق
تهفو لصبح قد دثرته أحلام القيلولة
خلف أحجار الغولة
إنا نراه قريبا عند الگارات
يشع سناه في سمر الوطيات
مهماز علي بينكم يا أولاد
 في قراب الشيوخ الطاعنات
 في همة و أنفة الإعلاويات
 نعم هو هنا  في كد السواعد الفتيات
ولم لا في لعب طفل عشقته الدميات
مهماز علي بيننا يا أولاد
سيخرج من حلك الزقاقات
إلى وهج المهرجانات
و منها إلى عنان السماوات

مهداة من زايد وهنا وطاقم التنشيط بمهرجان اولاد  علي الى كل محبي البلاد و الغيورين عليها و المتطلعين لتنميتها

🍀الربى الفيحاء🍀


               الربى الفيحاء

على رباك الفيحاء تغفـــــــــو
                أشفار كالسيوف والسهــــام
تحرس الرياض من كل رقيب
                 تصحو كلما دنا من الخيــام
ينساب من ثناياها بريـــــــــق
                يشع فيضا من صب الهيــام
يخترق الأبصار إلى القلــــــب
                ويسري رعشة في الأجسام
فإذا تفتق ثغر زهرهــــــــــــــا
                لاحت لآلئها في الظـــــــلام
كبرد يرشف رحيق شهــــــــد
                 ورضاب يغني عن المــــدام
يغور في سديم الطل حينـــــــا
                 ويلوح كالسنان عند الكــلام
إذا انبجس تضوع منـــــــــــه
                 صبا المسك بريا الأنســـــام
تحف عدوتيه خيمتـــــــــــــان
                 تبهران في رمق الابتســــام
وجيد ريم يستظل من لظـــاها
                 ويخجل أن يرى في الآجــام
على ضفافه يلهو ظبيـــــــــان
                 يطلان زهوا على الأكمــــام
أراقب وقت وصلها بشـــــوق
                مراقبة المتيم المستهــــــــام
أضنت مضنى حظه منــــــــها
                 مجرد ذكريات في الأحــــلام
لم أكتم هوى قد أرقـــــــــــني
                 وصبابة المشيب من الأوهام
متى أكون في مزنها قطــــــرا
                 يدوم ربيعها مدى الأيــــــام

شعر ذ.زايد وهنا

⚫تعليم مكلوم⚫

كلام في الصميم نابع من اعماق القلب الصادق ومن تجربة في حقل التربية و التعليم لما يربو عن 34 سنة أقول :
كل المحاولات و المجهوذات و الميزانيات التي بذلت من أجل النهوض بالمنظومة التربوية التعليمية باءت بالفشل و لا يزداد الأمر الا سوءا لأنها كلها بمثابة مسكنات لم و لن تعالج المرض ما دمنا لم نقم بتحليلات لوضع الأصبع على مكمن الداء .
والله لن يستقيم أمر التعليم اذا كنا فعلا ننوي اصلاحه نية صادقة إلا بأمور لا محيد عنها هي كالآتي حسب الأولويات :
1)  اعادة النظر في فهمنا لحقوق الانسان ، فليست الحرية هي  ان نؤتي ما نشاء و نتصرف على هوانا كما نريد دون قيد او ضوابط فهذا الذي أوصلنا الى ما نحن فيه من تسيب و فوضى في غياب الردع و الزجر و العقوبات التربوية اللازمة في المؤسسات التعليمية و في السجون ، إذ كيف يعقل أن يتأذى أستاذ غيور يقوم بواجبه نحو وطنه من قبل طالب مشاغب ليست له رغبة في الدراسة و يعكر صفوها على باقي الطلبة حتى تضيع الفرصة على الأبرياء في سبيل إرضاء صعلوك ، فيقتل الاستاذ الصالح وفي احسن الاحوال يسجن الطالب اياما معدودات معززا مكرما في السجن يخرج بعدها ليقضي على رجل صالح آخر ، و هكذا نقضي على الصالحين من هذه الامة لنرضي الصعاليك باسم حقوق الانسان......
2)   لن يستقيم امر التعليم الا بارجاع الهيبة الى المؤسسات التعليمية و اعطاء كامل الصلاحيات للادارة و مجالس الاساتدة في اتخاذ القرارات اللازمةفي حق كل من سولت له نفسه الاخلال بالنظام الداخلي للمؤسسات و بدعم من جميع المسؤولين ( الداخلية. القضاء. النيابات ...)

🍇هل من مغيث🍇

***** هل من مغيث ؟ *****

جسم ضخم بمثل ضخامة وأهمية قطاع التعليم ، يشكو مرضا عضالا شخص في تدني المستوى إلى حد مخيف ، وانهارت معه القيم التربوية إلى حد الاحتضار، مما لا يبعث على الارتياح ، ويستوجب إيجاد علاج ناجع بدل المسكنات لإخراجه من غرفة الإنعاش تفاديا لكارثة مستقبلية ستحل بنا وبأجيالنا اللاحقة ونصنف في ذيل الأمم المتحضرة علما وأدبا ، وحينها يستعصى العلاج وقد فاتنا الركب ، فهذا قطاع التعليم في غرفة العمليات يستغيث ، فهل من مغيث ؟ ، لقد سئم من تعاطي المسكنات من قبل أطباء يعتبرون أنفسهم ذوي التخصص في هذا المجال فيضعون مخططات ومناهج دخيلة دون اللجوء إلى فحوصات دقيقة وتحليلات مجهرية ودون استشارة ذوي الخبرات والتجارب في ذلك ، إذ سرعان ما يتبين لهم أن هذه المناهج المستوردة لم تزد حالة القطاع المنهك إلا سوءا ، كما هو الأمر في مخطط الإدماج وغيره ، فتضيع علينا ملايين الدولارات دون جدوى متناسين عن قصد أو غير قصد أن العلاج لن يأتي بالنتيجة المرجوة إلا من خلال تحليلات دقيقة تستند إلى خصوصياتنا ومستجدات عصرنا وتستجيب لحاجياتنا السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية بالخصوص ليولد من رحم مؤسساتها ومعاهدها رجال أفذاذ أكفاء على مسكة عظيمة من التربية والكفاءة في شتى العلوم الحديثة ، للرفع من شأن هذا الوطن وجعله في مصاف الدول الراقية ثقافيا واقتصاديا . ومن أجل بلوغ هذه الغايات ينبغي حسب رأيي المتواضع وتجربتي في ميدان التعليم لمدة تربو عن ثلاثة وثلاثين سنة أن نقف عند أمور اساس لبناء صرح تعليمنا و النهوض به ، وهي أمور لا تتطلب الكثير من الجهد بقدر ماتتطلب من العزم والنوايا الحسنة ويمكن أن نلخصها في النقط التالية :
1- إرجاع الهيبة للمؤسسات التعليمية
2- إعادة النظر في الخريطة المدرسية
3- تكوين أطر بكفاءات عالية
4 –تحسين وضعية العاملين بالقطاع
5 الاهتمام بالعلوم المواكبة للعصر
6- الاهتمام باللغات الحية دون التفريط في اللغتين الرسميتين
7 – إدخال المعلوميات ضمن المقررات الدراسية
8- الفهم السليم والايجابي لمفهوم حقوق الإنسان
9- تسخير الإعلام في خدمة العلم والمعرفة والتربية
10- توعية الأسرة بدورها الكبير في صلاح المجتمع
11- شروط المدرس الكفؤ
12- شروط طالب العلم

                       الأستاذ : زايد وهنا

🔲لا تسأل🔲

لا تسأل
  لا تسأل "  لماذا " ؟
لماذا  أداة نحرية استدمائية ، تفتح الجراح و     تدمي القلوب ، فتنساب دماؤها كأشطان بئر تدق بالمدراة ، و مهما أوتيت من مفاتيح العلم و دقة التحليل و براعة التطبيب لن توفي السائل حقه ، و لن تشفي غليله و لن تستطيع تضميد جراحه التي تقطر جهلا و فقرا وتهميشا و ظلما ؟

  لا تسأل  " كيف " ؟
  كيف  أداة استفسارية استفزازية ، تحيل التصورات الجادة في نظر البعض إلى أوهام يسخر منها الآخر ، ماهية " كيف " تزيد ألما لمن ضاقت به السبل ،  فتنزف الجراح من جديد دما ممزوجا بصديد يقطر خنوعا و كآبة و غصة.

لا تسأل  " متى " ؟
متى أداة تحديدية استشرافية لزمن قد تندمل فيه الجراح ، غير أن الداء استشرى و الجراح تعفنت و الدواء بعيد المنال ، فلم تعد تنفع معها إلا المسكنات في انتظار بتر الأعضاء أو ملاقاة البحر أو انتحار الجسد ليستريح من الألم و الأرق و اليأس .

لا تسأل " لم لا " ؟
لم لا  أداة اقتراحية استثنائية ، لا جدوى منها ما دامت الأجنحة متكسرة ، و اليد قصيرة ، و المعنويات في الحضيض ، فما للجراح غير الإهمال تبثه تباريح  الإقصاء المضنيات .

حبدا لو لم تسأل ، لعل أدواتك الإستفهامية الإستغبائية الغير المعقمة زادت من ألم الجراح و نزيفها و كأنك صببت عليها  الحمض النتريكي ،  أيقظت مواجعها و قضضت مضاجعها ، بؤسا لك و لأدواتك ، و يا أسفاه على جراح طالها النكران فطال عذابها .

🌲كادح موهوب🌲

****  كادح موهوب  ****

ما زلت أتذكر ذلك اليوم الذي التقيت فيه برجل ، ما رأيت فيمن صادفتهم من الرجال شبيها له في الأفكار ، و في طريقة فهمه و تحليله للأمور ، تخاله أحيانا فيلسوفا و أحيانا أخرى يبدو لك كالأحمق ، و لكنه حقا حكيم في كلتا الحالتين .
رجل في أواخر عقده الخامس  قد نيف على الستين ، له عربة ذات عجلتين يجرها أو يدفعها بيديه ، يحمل عليها متاع الناس و بضائعهم إلى حيث يريدون مقابل أجر غير محدد ، يجوب شوارع البلدة و أسواقها ساعيا في طلب الرزق الحلال ، تراه يترنم و يغني بصوت مهموس ، وهو يبتسم في وجوه المارين و لا يتوقف عن الغناء إلا  ليلقي التحية على أحدهم ممن يمازحونه .
استوقفته يوما و طلبت منه أن ينقل بعض أغراضي إلى البيت ، فأومأ برأسه موافقا إذ كان يردد أغنية " يا أسفا عليك " لمجموعة جيل جيلالة .
و نحن في طريقنا إلى البيت ، لا أنكر أنني استمتعت بأغانيه التي كان يؤديها بصوت جميل جدا ، و التي تنم عن رقي و سلامة  ذوقه ، و فجأة أوقف دفع عربته ، و انتصب يستجمع قوته ثم شخص ببصره نحوي و قال :
  "  أتعرف من هم السعداء منا الذين أحبهم الله و رضي عنهم ؟ "
أجبت عن سؤاله ، لكنه لم يستحسن جوابي و لم يقتنع به .
فأجاب و هو يزهو بنفسه و كأنه يعلمني ما لم أعلم :
  "  السعداء منا هم أولئك الذين هاجروا هذه البلاد نحو بلدان أخرى حيث الكرامة و الديمقراطية الحقيقية ".
ثم سألني مرة أخرى :
  "  أتعرف من هم المحظوظون منا ؟ "
أجبت بالنفي ، لأنني أعرف مسبقا أنه لن يقتنع بجوابي .
قال :
  "  المحظوظون منا هم أولئك الذين أصابهم العقم و لم يرزقهم الله ذرية في هذه البلاد "
ثم استرسل في دفع العربة ، سائلا :
  "  أتعرف من هم التعساء ؟ "
  " هم أولئك الذين ينجبون ذريتهم في هذه البلاد"
 " أتعرف من هم المغفلون في الدنيا ، الخاسرون في الآخرة ؟"
 " هم أولئك الذين يستنزفون خيرات البلاد ، و يستغلون العباد ".
  " أتعرف من هم الجهلاء ؟ "
  " هم أولئك الذين يؤمنون بالشعوذة ، و يتمسحون بالأضرحة و يزورون الأولياء ، و كأن الله أخبرهم بولاية و صلاح أولئك الموتى ، و الغريب في الأمر أن هناك من له مصلحة في ذلك فيشجعهم على الشرك الأكبر ".
 " أتعرف من هم المثقفون ؟ ".
 " هم أولئك الذين لا يعيشون طويلا ، تفنيهم الحسرات و تخنقهم الغصات على مآل البلاد و العباد " .
لم يسكت الرجل إلا و نحن بباب البيت ، أخذت أغراضي و ناولته أجرته ، و أضفت له علاوة عنها قليلا من المال ، و لسان حالي يقول ، ترى هل وفيته حقه لما أسداه إلي ، فقد حمل عني أغراضي و أطربني بغنائه و أفادني بفلسفته .
 شكرته و ودعته ، فانطلق الرجل على عادته يغني بصوت مسموع :
 " يا حبيبي كل شيء بقضاء
  ما بأيدينا خلقنا تعساء
  ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم
  بعدما عز اللقاء
  فأذا أنكر خل خله
  و تلاقينا لقاء الغرباء
  و مضى كل إلى غايته
  لا تقل شئنا فإن الحظ شاء "

                                الكاتب : زايد وهنا

🔍أروني أنفسكم🔍

****   أروني أنفسكم   ****
 
  كنت أظنكم الأنواء و هم الغثاء
  كنت أظنكم الأعزاء و هم الأدلاء
  كنت أظنكم النبلاء و هم السفهاء
  كنت أظنكم الشرفاء و هم  الخبثاء
  كنت أظنكم الأذكياء و هم الأغبياء
  كنت أظنكم الأقوياء و هم الجبناء
                  هكذا كنت أراكم و أراهم
           فأصبحت أراكم قطعانا و أراهم رعاة
   أراكم مغفلين و أراهم مستنزفين
   أراكم مقهورين و أراهم قاهرين
   أراكم خانعين و أراهم مستبدين
   أراكم مهمشين و أراهم مكرمين
   أراكم تكدحون و أراهم يرغدون
   أراكم تتعذبون و أراهم يتلذذون
   أراكم تنتحرون و أراهم يسخرون
           تقزمتم على كثرتكم حتى لم أعد أراكم
           فيا ليتني ما عشت لأرى استسلامكم
           و يا ليتني مت قبل أن أرى استخفافهم

🔷خاب الظن فيك يا ...🔷

خاب الظن فيك يا ...
من أغرب ما سمعت في حياتي ، قصة عجوز جمعتني به الأقدار و أنا في زيارة لإحدى القرىالنائية بالجنوب الشرقي من وطننا بل من وطنهم .
شيخ وقور مكفوف مقعد نقشت عاديات الدهر على محياه تجاعيد بارزة كأنها أخاديد شقت بإزميل من حديد مخلفة نذوبا في الوجه و جراحا في النفس ، غزا الشيب ثناياها كندف ثلج تناثرت حباتها فزادته بياضا في الوجه و أخفت دونها عتمة في القلب ، لا يشعر بمرارتها إلا أمثاله ممن خانهم الدهر و جفاهم البشر ، ماتت زوجته منذ أكثر من عشرين سنة ، و لم يتزوج غيرها لأن موانع الزواج كلها توفرت فيه من قلة ذات اليد و وهن في البدن ، كما أن الطباع التي ألفها من المرحومة لن يجد لها مثيلا في بنات حواء على حد قوله .
عجوز يعيش مع ابنته الوحيدة الأرملة في بيت جد متواضع من تراب و أخشاب ، و قد نسجت العناكب أشعة خيوطها في سقوفه و جدرانه ، و عاثت الجرذان في أركانه فسادا .
ابنته الأرملة في بداية عقدها الرابع ، نحيفة القوام شاحبة الوجه ، لم تسلم هي الأخرى من مخالب الزمان الذي أخذ منها زوجها و هي في عنفوانها و  كأنه يريد منها أن تتفرغ لخدمة أبيها ، فهي كل شيء بالنسبة إليه ، إذ ليس له غيرها من الأهل و الأقارب  .
كان يحدثني و كأنني شخص مقرب إليه أو كأنه يعرفني معرفة الصحاب و الخلان ، يتكلم حينا و يسكت برهة ليلتقط أنفاسه ثم يسترسل و أساريره توحي برغبته في الفضفضة و تجاذب أطراف الحديث ، وكيف لا و قد مر عليه زمن لم يحادثه أحد فهذه فرصته ليفجر مكنوناته الدفينة فربما لن تتكرر مرة أخرى ، خصوصا و قد وجد مستمعا شغوفا مثلي .
 نعم كان لكلامه وقع كبير على نفسي ، و انتابني إحساس غريب امتزجت فيه رغبة الاستماع  بالحزن و الأسى ، و كادت دموعي تفضحني لولا أني تمالكت نفسي ، تنهدت و أخرجت زفيرا مرا مرارة الحنظل و سألته عن مصدر رزقه ، هز رأسه ناحيتي و كأنه يراني و وضع يده على بطنه ، ثم قال بصوت خافت :
 " قد لا تصدقني يا بني لو قلت لك أننا نقتات على مبلغ لا يزيد عن   340 درهما في الشهر ، تحصل عليه ابنتي كمعاش  بعد وفاة زوجها الجندي في الصحراء الغربية "
 تساءلت مندهشا :
  "  و كيف تدبران هذا المبلغ الزهيد ؟ "
  "  نعيش على الحد الأدنى مما هو ضروري ، كما أن ابنتي  " رقية "  تعمل كخادمة مساعدة لدى  بعض الأسر الميسورة ، و بذلك تساعد ببعض ما تحصل عليه " .
  "  و أي حادث هذا الذي تعرضت له ، فأعاقك و أفقدك بصرك ؟ ".
 سكت قليلا كأنه يسترجع ذكريات مريرة و إذا به يتنهد تنهيدة تنهد لها الجبال الراسيات ، و قال :
  "  ذكرتني يا بني بأيام شبابي و عنفوان قوتي ، فكنت أومن بأن لا قيمة لهذا الجسد القوي إذا لم يسخر في الدفاع عن حوزة الوطن ، و لا خير يرجى منه إن لم يقاوم الاستعمار الفرنسي ، فانضممت دون تردد إلى جيش التحرير و انخرطت في العمليات الفدائية ، و لا أنكر أنني قتلت ثلة من جنود الاحتلال ، لكن شاءت الأقدار أن أصاب بشظية في عيني اليمنى ، فذهب نورها ، و منذ ذلك الحين و أنا أبصر الدنيا بعين واحدة ، و أقول في نفسي ، الحمد لله أنني فقدتها قربانا لوطني ، أما عن إعاقتي ، فدائما في سبيل الوطن تهون الصعاب ، فقد كنت من بين المتطوعين في المسيرة الخضراء ، و حدث أن انقلبت الشاحنة التي كانت تقلنا عند عودتنا ، فأصيبت رجلي بكسر خفيف لم يمنعني ساعتها من المشي ، و لم أعره اهتماما فقد كنت في قمة النشوة و الحماس  باسترجاع صحرائنا الى وطننا ، لكن بعد وصولي إلى بيتي هذا ، بدأ الألم في رجلي يزداد يوما بعد يوم ، فكنت ألتجئ إلى مداواتها بالأعشاب و المراهم  و لكن دون جدوى ، و لم يقتصر الألم على الرجل ، فالعين التي أبصر بها ، بدأ هي الأخرى يضعف بصرها و تؤلمني ألما حادا أنساني ألم الرجل ، و استمر الحال على حاله حتى انطفأ ضوء العين ، و قطعت الرجل ... "
هنا وضع العجوز يده على عكازه و كأنه يتفقد مساعده الوفي ...و أضاف قائلا :
  "  اسمح لي يابني لم نقدم لك الشاي ، فابنتي رقية تعمل خارج البيت ، و ليس في مقدوري فعل شيء كما ترى "
ربتت بيدي على كتفه و أجبته مسرعا :
  "  لا عليك يا عم ، فقد تناولته قبل أن أجالسك بقليل ، و لا رغبة لي في شيء "
و لسان حالي يقول : كيف لنفس أن تشرب الشاي و هي تتجرع سموم ما تسمع .
مر وقت قصير من غير كلام ، و كيف أطيق الكلام و أنا أسمع الألم و أشاهده ، لكن ثمة سؤال يتبادر إلى ذهني و يلح في الخروج ، و أنا أمنعه رحمة بهذا الشيخ المقهور ، فلم أشعر إلا و أنا أسأل :
  " و لماذا يا عماه لم تذهب إلى المستشفى قبل أن يستفحل الأمر ، فتعالج عينك و رجلك ؟ "
اعتدل قليلا في جلسته ، و مرر يده على عينيه و وجهه و أمسك بلحيته قليلا ثم قال :
  "  فعلت يا بني ، و لكن ضيق ذات اليد ، كان سببا  فيما آلت إليه صحتي ، فقد زرت أطباء العيون في المستشفيات العمومية ، و قد أجمعوا على أن العدوى انتقلت إليها من العين اليمنى ، و أن الأمل كبير في إعادة البصر إليها ، فأشعر بفرحة عارمة تغمرني و لكن سرعان ما تخبو و تنطفئ عندما يطالبونني بالمصاريف الباهظة التي تتطلبها العملية ، فانسحب و أنا أجر أذيال الخيبة ، و أتساءل في قرارة نفسي : ألا يمكن لهذا الوطن الذي فقدت عيني اليمنى من أجل استقلاله أن يعالج لي عيني اليسرى مجانا ؟ ، و نفس الشيء يتكرر كلما زرت طبيبا للعظام ،  يطالبني بشراء لوازم العلاج و هي كما تعلم يا بني باهظة الثمن ، فكيف لي أن أحصل على ثمنها و أنا بالكاد أحصل على قطعة خبز ، و في كل مرة يراودني السؤال نفسه : ترى ألا يمكن لهذا الوطن أن يعالج مجانا هذه الرجل التي أصيبت في سبيل استكمال الوحدة الترابية ؟ ألهذا الحد يتنكر الوطن لأبنائه الأوفياء ، الذين استرخصوا أرواحهم و أبدانهم في سبيل عزته و مجده . و هكذا يا بني لازمت بيتي و قطعت الصلة بالعالم الخارجي ، بعدما أيقنت أن الإخلاص جزاؤه النكران  " .
حينها رفعت عيناي إلى صورة معلقة على الحائط ، كانت قد استرعت انتباهي منذ الوهلة الأولى ، يظهر فيها الشيخ جالسا بين شخصين بالباب الخارجي للبيت ، فدفعني فضولي للسؤال :
  "  من هذان الرجلان اللذان تتوسطهما يا شيخنا في الصورة أعلاه ؟ ".
لمس العجوز الحائط بيده ، و كأنه يريد مصافحتهما ، و ابتسم ابتسامة للذكرى و قال :
  "  كم أنت قوي الملاحظة يا بني ، هذه الصورة لها حكاية عجيبة ، تعود لخمس سنوات خلت ، حين زار هذان السائحان القرية و استرعى انتباههما جلوسي بباب بيتي ، و أنا أردد بعض ما تيسر من القرآن و الأذكار ، فجاءني مرشدهما السياحي و هو شاب مجاز من أبناء القرية العاطلين و أخبرني أن هذان الرجلان عالمان من علماء الآثار ، أحدهما فرنسي و الآخر إسباني ، و أنهما يريدان أن أمدهما ببعض المعلومات حول معلمة أثرية قديمة تتواجد بقريتنا ، و سيتولى هو نفسه الترجمة ، فوجدتها فرصة لأبدد بعض الهم و الغم و لأكسر رتابة الوحدانية و لو لبعض الوقت .
جلس الرجلان أمامي و طفقا يسألان ، فكنت أجيب عن أسئلتهما ، فشعرت بالفرح يغمرهما إذ وجدا ضالتهما فيما يبحثان فيه ، و في الأخير اقترح علي الرجل الفرنسي أن أصاحبه إلى فرنسا حيث يتولى أحد أصدقائه وهو طبيب خبير معالجة بصري ، و سيتكلف هو بكل المصاريف من ألفها إلى يائها ، حينها تدخل الباحث الاسباني متحمسا و قرر أن يساعدني هو الآخر برجل اصطناعية عند عودتي من فرنسا مرورا بإسبانيا " .
 سكت العجوز برهة كأنه يتحسر على شيء فاته ، و هنا لم أطق صبرا فقلت :
  "  الحمد لله ، هذه  فرصة ذهبية قد سنحت لك ، فماذا فعلت ؟ "
طأطأ رأسه قليلا ثم رفعه و أجاب :
  "  و الله لقد شعرت بالخجل يا بني ، إذ كيف أجيب الطبيب الفرنسي إذا سألني ، أليس من العيب أن أقول أنني أصبت في عيني بشظية من سلاح جنودكم و أنا أحاربكم ،  أيعقل أن يعالجني من حاربته و قتلت بعض مواطنيه الفرنسيين أيام الاستعمار ، و الله لموقف صعب ، لن أستطيع تحمل أثره على نفسي ، لذلك فضلت العمى على  هكذا موقف " ، ثم استرسل قائلا :
  "  هب يابني أنني استرجعت بصري ، فماذا سأرى غير المنكر و الفساد الذي استشرى في البلاد ، و افترض أنني أصبحت أسير على قدماي ، و خرجت لقضاء مآربي فما أظن ذلك إلا مجلبة للهلاك ، حيث المشرملون يجوبون الشوارع و الأزقة شاهرين أسلحتهم البيضاء في وجه المارة ..ألا ترى أن وضعي الحالي الذي ألزمني بيتي أفضل بكثير في الوقت الراهن " .
ساد المكان صمت رهيب ، مزقه صوت رقية ، التي دخلت البيت قبل لحظات قليلة و هي تقول :
  "  عجبا يا أبتاه ! وجدت الإحسان فيمن كرهته و حاربته ، و لم تجده فيمن  أحببته و حاربت لأجله "
عندئذ عرفت أنها سمعت آخر كلام أبيها ، فإذا بها تقف عند باب الغرفة بقامتها الطويلة ، و استطردت قائلة :
  "  إخواننا المهاجرون في البلدان الغير الإسلامية ينعمون بالأمن و الأمان خارج بيوتهم و داخلها ، و نحن في بلدنا المسلم نخاف ليل نهار من المشرملين ، و الله إنها لطامة كبرى " .
قالت ذلك و انطلقت إلى حال سبيلها و هي تتمتم بكلام غير مسموع ..
 عندها قررت أن أغادر البيت حتى يخلو لها الجو لتقدم لأبيها بعض الخدمات خصوصا و قد أطلت في الجلوس معه .
 قمت لتوي من مكاني و قبلت رأسه و ودعته بعد أن وضعت شيئا في يده ثم انطلقت إلى حال سبيلي و عيناي تذرف دمعا ساخنا ، و في داخلي صوت يشبه صوت العجوز يلاحقني مناديا  :
  "  ارحل ، ارحل ، فأرض الله واسعة ، واسعة ، واسعة ....."