عندما تفقد الحياة لذة العيش

       🕯 عندما تفقد الحياة لذة العيش 🕯


لا تلومن أحدا على ما قد يكون العذر في مثله حتى تعلم ما اعتذاره ، و لا تعاتبه إذا ما شكا إليك يأسه و قنوطه ، فمن يدريك لعله يعيش ظروفا نفسية صعبة و يعاني من ضغوطات و مشاكل داخلية ، لا يشعر بها إلا من اكتوى بنارها ، 

و لو افترضنا أنك اطلعت عليها لالتمست له ألف

عذر .

لقد أضحت الكآبة عملة رائجة في زمننا هذا ، 

و استحوذ الغم و الهم على سائر شرائح المجتمع

لا يستثنى منهما غني و لا فقير و لا قوي و لا ضعيف و لا مثقف و لا جاهل و لا شاب و لا عجوز ، غير أن حدتهما تزداد لدى شريحة المثقفين الحقيقيين لأن هؤلاء هم أكثر الناس فهما و إدراكا لما يجري من حولهم ، و الغريب في الأمر أن هؤلاء لا يشتكون العوز و ضنك العيش بالقدر الذي يشتكي منه الآخرون ما دام أغلبهم يزاول وظيفة يعول بها نفسه و أسرته بل أحيانا عائلته ، و رغم أن لهم رواتب تسد ضروريات الحياة ، فهم أكثر حزنا و كمدا ممن لا يتقاضون شيئا ، و السبب واضح يرجع إلى ثقافاتهم و حمولاتهم الفكرية 

و فهمهم العميق لمجريات الأمور ، و لا تستغرب فقد تنبأ بذلك الشاعر المتنبي حين قال :

       ذو العلم يشقى في النعيم بعقله

                      و أخو الجهالة في الشقاوة ينعم

إذن فسبب كآبة الفئة المثقفة لا يرجع أساسا لخصاص في العيش ، فهم و إن كانوا لا يرغدون في الترف كالأغنياء ، فلا يشكون نقصا في الضروريات إلا ما زاد عنها بسبب مرض أو متطلبات الأبناء في دراساتهم الجامعية ، و لكن رغم هذا و ذاك فهؤلاء لا تطمئن جنوبهم في المضاجع و لا يجدون للعيش لذة لأن ضمائرهم تعذبهم و هم يرون الفقراء و المساكين و الأرامل 

و الأيتام و ذوي الاحتياجات الخاصة و المعاقين ذهنيا يعانون في صمت و لا أحد يهتم لمعاناتهم 

أو يهب لنجدتهم و انتشالهم من الفقر و الألم ، 

و يرون الإجرام و العنف يتفاقم يوما بعد يوم يذهب ضحيته الصالحون و يكرم المجرمون في السجون ، مما جعل الجميع لا يشعرون بالأمن على أنفسهم و أبنائهم ، كما أن الفساد الذي استشرى في جميع القطاعات ألقى بظلال اليأس و الحسرة وكدر صفو العيش بالنسبة لكل غيور يطمح أن يرى مجتمعه راقيا سعيدا يسوده العدل و المساواة ، مجتمع يمجد الفضيلة و ينبذ الرذيلة ، مجتمع يشجع العلم و العلماء و يفتح أمامهم آفاق البحث ، مجتمع يزكي الفنون الراقية و يغلق الأبواب أمام التفاهة و التافهين . 

إذن فغياب هذه الأماني و الآمال هو ما بث الكآبة في نفوس الناس ، و الأدهى عندما يشعر الشباب بهذا الشعور الكئيب و هم في مرحلة عمرية تتميز

بالنشاط و الحيوية و الإقبال على مباهج الحياة ،

فعندما تجد هذه الشريحة قد استحوذ عليها التشاؤم ، فاعلم أن القطار على غير سكته الصحيحة السليمة .

كثيرا ما يجمعك الحديث بأناس من مختلف الأعمار و الوظائف ، و هم يؤكدون أن الحياة فقدت الذوق و غاب عنها الإحساس بالإطمئنان 

و ليس فيها ما يغري بالعيش .

باختصار لا أظن أن من اسودت الدنيا في عينيه

يمكنه أن ينتج و يبتكر و يتقدم ، لأن الرقي يكون

 بالتفاؤل و الرضى و الاحساس بالأمن والإطمئنان.


    💼  تأملات في الواقع بقلم  زايد وهنا 💼

 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق