🌒 عمي بيهي " برهو " 🌘
" برهو " هو اللقب الذي يميز عمي " بيهي " عمن يحملون نفس الإسم ، إذ أن اسم " بيهي " هو اختزال لإبراهيم و هو اسم شائع بين الكثير من أهالي القرية خصوصا الأمازيغ ، لهذا كانوا قديما يعمدون إلى الألقاب للتمييز بين هذا و ذاك ، فكان لقب " برهو " من نصيب عمي ابراهيم الذي ولد يتيما و عاش أعزبا و مات أعزبا ، رحمة الله عليه .
لقد عرف هذا الرجل العصامي بذكائه الحاد
و قوة ذاكرته و سرعة حفظه لما يسمع و بتنوع المعارف و الأشعار التي استقاها من تجواله و كثرة أسفاره بين المغرب و الجزائر إذ كان يتميز بلباقة تسهل اندماجه و انسجامه مع الغرباء الذين سرعان ما يستميل قلوبهم إليه بفطنته و كياسته و حسن معاشرته، و مما زاد من غنى معارفه هو إصراره الدائم على مجالسة الفقهاء و المثقفين والزجالين ، فكان أينما حل و ارتحل يستقي أنواع المعرفة ، مما شكل لديه خليطا من المعارف خصوصا التاريخية منها و الفنية و الأقوال المأثورة ، على تباين بيئاتها و اختلاف ألسن أهلها ،
عموما كان بمثابة مكتبة تمشي على رجليها .
كما أنه كان يكسب قوت يومه من أي عمل كان ،
مما أكسبه خبرة في كثير من الحرف و الصنائع ،
و ما تنطوي عليه من أسرار ، و كان يقنع بالقليل
مما يكسب لأنه لا يعول إلا نفسه إذ كان وحيدا أعزبا مجردا من أي مسؤولية ، و لعل هذا ما
شجعه على التجوال و حب الاستطلاع .
كان أبي رحمه الله يحدثني عنه كثيرا
و يذكر أمامي بعض الحكم و الطرائف التي سمعها عن عمي " برهو " الذي لا يزور البلدة إلا نادرا ،
و كان خلال زيارته الخاطفة حريصا أشد الحرص على زيارتنا في بيتنا إذ كانت تربطه بوالدي علاقة
صداقة منذ طفولتهما ، كما كان يجد لدى والدي
التجاوب الذي يرغب فيه ، و كأن أحدهما يكمل الآخر .
في إحدى هذه الزيارات القليلة ، حاولت أن أقف شخصيا على ما يحكى عنه من سعة معرفته ،
فحاولت أن أتقرب منه و أستدرجه للحديث ،
و لكن قبل ذلك طلبت من أهل بيتي أن يحضروا
وجبة العشاء ، و أنا أشترط عليهم أن يكون فيه كذا و كذا ، فإذا به يلتفت نحوي قائلا باللسان العامي :
" ما تاكل حتى تاكل عسل أزير "
" و ما تنعس حتى تفرش الحرير "
صمتت برهة ، ثم قلت متعالما كما لو أنني أدركت سر كلامه :
" كيف أبقى دون أكل حتى أجد العسل ، فإن لم أجده ، أموت جوعا "
" و كيف لا أنام حتى أفترش الحرير ، فإن لم أجد فراشا من حرير أبقى صاحيا طول الوقت "
إذذاك ضحك الإثنان من غبائي ، فتدخل والدي
و بين المقصود من هذا المثل قائلا :
" يا بني يريد أن يقول ، لا تأكل حتى تشعر بالجوع الشديد ، فعندها ستأكل كل ما يقدم لك بنهم و تلذذ و كأنه عسل أزير بالنسبة إليك في تلك الحالة ، أما قوله عن فراش الحرير ، فيعني بكلامه
لا تذهب لتنام حتى تشعر بثقل النعاس من جراء التعب ، و حينها ستشعر بالراحة و تغط في نوم
عميق و كأنك افترشت الحرير ، أفهمت الآن المغزى من القول ؟ " .
عندئذ قلت في نفسي صدق من قال :
" للي فاتك بليلة ، فاتك بحيلة "
نحن تعلمنا في المدرسة العلوم النظرية ، و لم نخضعها لتجارب الحياة و هؤلاء تعلموا في مدرسة الحياة العلوم التطبيقية المرتبطة بالمعيش اليومي ، و حللوا في مختبرها كل صنوف التجارب ، فأخذوا منها ما يفيد و تركوا ما لا يفيد .
💼 من ذكريات زايد وهنا 💼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق