🐫 بو عمران 🐫
يروق لي أحيانا أن أجالس كبار السن و أسمع منهم
فطالما وجدت في حديثهم حكما مستوحاة من تجارب عاشوها هم أنفسهم أو نقلوها عمن سبقهم ، و من جملة ما حكى لي أحدهم رحمة الله عليه قصة طريفة تحمل في ثناياها عبرة ذات معنى عميق .
ذلك أنه في زمن مضى كان يعيش في قرية ريفية رجل حكيم يدعى " بو عمران " ، و قد حدث يوما أن اعترض سبيله أحد قطاع الطرق يريد قتله
ليظفر براحلته و ما تحمل ، لكن " بو عمران " نال من اللص قبل أن ينال منه فأرداه قتيلا و تركه غنيمة للضواري .
بدأ إخوة القتيل و كانوا أربعة يبحثون عن قاتل أخيهم و قد حامت شكوكهم حول " بو عمران "
لأنهم وجدوا بالقرب من جثة أخيهم أثر خف
ناقة ، و هم يعلمون أنه لا أحد يملك ناقة في قريتهم غير الحكيم " بو عمران " و هو ما أكد شكوكهم أنه القاتل ، فعقدوا العزم على الأخذ بالثأر منه و قتله في مكان منعزل كما فعل بأخيهم .
منذ ذلك الحين و هم يترصدون تحركاته
و يتتبعون أخبار تنقلاته دون أن يشعر بهم أحد ،
و بعد أيام قليلة بلغ إلى علمهم أن " بو عمران "
سيصحب معه ابنه في زيارة صديق له بإحدى القرى المجاورة ، فوجدوها فرصة للقضاء عليه
و على ابنه دون أن يعلم بذلك أحد .
ذهب الإخوة الأربعة قبله و كمنوا له في غابة كثيفة في منتصف الطريق ، ليس بها ممر سالك إلا الذي هم مختبئون به ، و الذي لا بد لكل مسافر أن يسلكه ، و ما كاد النهار ينتصف حتى سمعوا صوتا
يقترب منهم ، فاستعدوا للانقضاض على
" بو عمران " و ابنه ، و بينما هم يتحينون الفرصة
سمعوا الابن يسأل أباه و قد توقفا عن المسير ، قائلا :
" يا أبت أنت تعلم أننا في هذا المكان لوحدنا ، فأخبرني بحقيقة الأمر ، فهل أنت فعلا من قتل ذلك الرجل ؟ "
أجابه والده قائلا :
" تعلم يا بني أني لا أخفي عليك سرا ، و كما قلت نحن الآن لوحدنا وسط هذه الأدغال ،فأنا بريء من دم ذلك الرجل ، و ليس لدي سبب لقتله ، و ليست ناقتي هي الوحيدة ، ففي القرى المجاورة نوق كثيرة ، فربما قتله أحد قطاع الطرق من قبيلة أخرى ، هذه هي الحقيقة و لا شيء سواها "
عندئذ تريث الإخوة الكامنون بعدما سمعوا هذا الكلام ، و انتظروا حتى ابتعد عنهم " بو عمران "
و ابنه ، فقال كبيرهم :
" أسمعتم ، فهذا الرجل بريء ، فلو كان هو من قتل أخانا لأقر بذلك لإبنه حين سأله ، لأنهما ظنا أن لا أحد يسمعهما في هذا المكان الآمن في نظرهما ،
إذن فلنعد أدراجنا و لنبحث عن قاتل أخينا في القرى المجاورة ، أما " بو عمران " فلم تعد لنا حاجة به ما دام قد اعترف بالحقيقة ".
واصل " بو عمران " و ابنه المسير ، فلما خرج من الغابة ، توغلا في صحراء شاسعة قاحلة لا نبات فيها ، و لم تعد تظهر لهما معالم الغابة ، هناك أناخ
" بو عمران " خطام ناقته فربضت على قوائمها ، و طلب من ابنه أن يترجل عنها متدرعا بأخذ قليل من الراحة ، فما أن ترجل الابن و وقف أمام أبيه حتى بادره هذا الأخير بصفعة أليمة على خذه قائلا :
" لقد قتلتنا بغبائك أيها الأبله ، حين سألتني
و نحن نشق طريقنا وسط الغابة عمن قتل ذلك الرجل ، هب أيها الأحمق أن أحدهم أو كلهم كانوا مختبئين بين الأشجار ، و كنت أغبى منك و بحت لك بالحقيقة ، و قلت لك أنني أنا القاتل ، حينها سيعرفون حقيقة الأمر و تتأكد لديهم الشكوك ، فينقضون علينا و يقتلوننا ، اسمع و ع ما أقول لك
و اجعل كلامي نصب عينيك ما حييت ، إن للغابة آذان و للخلاء كالذي نحن فيه عيون ، فلا تبوح بأسرارك في الغابة و لا في أي مكان لا يمتد إليه بصرك ، أما الخلاء و الأرض المستوية فلا تبوح بسرك إلا بعد أن تقلب بصرك في كل الاتجاهات فإن لم تر أحدا فقل ما شئت ، أما الآن و نحن في هذا الخلاء المنبسط الفسيح و حيث لا يسمعنا أحد ، فأنا الذي قتلته دفاعا عن نفسي و راحلتي "
و هكذا سار هذا المثل :
" للغابة آذان و للخلاء عيون "
من الأمثال المتداولة بين الناس تتناقله الأجيال ، فهل يا ترى ستعمل به أم أنك تعتبره من أساطير الأولين التي لا فائدة منها ، أما أنا فقد أعجبتني الحكاية و أعجبتني العبرة منها و أعجبني حاكيها .
💼 بقلم زايد وهنا 💼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق