رفقا بالمسنين من رجال التعليم

         رفقا بالمسنين من رجال التعليم 


في الوقت الذي كان فيه رجال التعليم يتطلعون  إلى تحسين أوضاعهم المادية و المعنوية ، بعد معاناة لازمتهم لسنوات طوال ، أفنوا فيها زهرة

شبابهم في الجد و العطاء ، ها هي بوادر الخذلان

و النكران و الإزدراء تلوح في الأفق من جديد ،

فبعد أن تغاضت أسرة التعليم عن تمديد سن التقاعد لثلاث سنوات إضافية و التي لم تتقبلها

إلا على مضض متعاونة كرها لا طوعا لتدارك

عجز الصندوق المغربي للتقاعد الذي تم التلاعب

بأمواله من طرف القيمين عليه دون مراقبة و لا 

محاسبة ، و بسبب خذلان و تواطؤ النقابات التي هي الأخرى فقدت الكثير من مصداقيتها و انحازت 

إلى جانب الحكومة ، أصبحنا نسمع في الكواليس

بعض الإجراءات التي تعتزم الحكومة تمريرها 

و تدعو النقابات للتوقيع عليها ، و على رأسها 

تمديد سن التقاعد إلى خمسة و ستين سنة ،

و استنقاص مبالغ مهمة من راتب المعاش و غيرها

من الإصلاحات بل الإفسادات التي تنوي الحكومة الإقدام عليها بتواطؤ مع النقابات ، و لعل هذه

التسريبات لما يسمونه الإصلاح إنما تعمدته الحكومة لتجس نبض أسرة التعليم المغلوب على

أمرها ، حيث يشيع الخبر تدريجيا بين الناس حتى

يصبح عاديا منتظرا ، آنذاك تخرج به الحكومة 

دون خجل و لا حياء لينفذ بسلام من غير ردة فعل

من أحد ، كما كان الأمر عند زيادة ثلاث سنوات .

و إذا تم ذلك لا قدر الله ، فسيلاحظ الجميع التناقض الصريخ بحيث يصبح الأستاذ الذي أكمل

مشواره التعليمي في ظل ( الإصلاح ) الجديد

و يحال على التقاعد بعد 44 أو 45 سنة من العمل

يتقاضى راتبا متساويا مع أستاذ تقاعد تقاعدا

نسبيا في السنوات الأخيرة بعد أن قضى 35 أو 36  سنة فقط ، فإن كان الأمر سيؤول إلى هذه الكارثة ، فمن الأفضل أن يطلب الأستاذ التقاعد النسبي من الآن إذ لا فائدة من الاستمرار .

هنا يمكن أن نوضح لمن يسعون في إصلاح المنظومة التربوية ، و ينشدون المردودية للرفع من المستوى التعليمي ببلادنا  ماذا ينتظرون من الأستاذ الذي قضى أربعين سنة و أكثر  في القسم أن يستمر بنفس الجدية و العطاء و قد أنهكته سنوات العمل الطويلة ، و سببت له أسقاما في جسمه و ضعفا في بصره ، و خرابا في أسنانه 

لا شك أن عطاءه سيعرف فتورا إلى درجة مأساوية ، فما بالك إذا أضيفت لضعفه هذا خمس سنوات فوق الستين ، فتلك هي الضربة القاضية

لجودة التعليم ، و الخاسر الأكبر هم فلذات

أكبادنا و بالتالي المجتمع ككل .

ألا يعلمون أن مهنة التدريس من أصعب و أشق

المهن ، تستنفذ طاقة الأستاذ و لا يغادرها إلا

و قد ابتلي بكل الأمراض ، بحيث يقضي ما تبقى

من عمره في ارتياد المصحات و المستشفيات آملا في ترميم ما يمكن ترميمه هذا إن بقي حيا .

رفقا برجال التعليم ، فهم المصباح المنير في المجتمع و كل عبء يضاف لهم إنما ينعكس أثره

سلبا على المنظومة التربوية بأكملها و بالتالي

يتجرع المجتمع مرارتها .

اقتراح أخير ، إن كان في نية الحكومة استصدار

هذا الذي تدعيه  ( بالإصلاح ) و لا تراجع عنه ،

فلتضع في حسبانها تزويد تلك الفئة المسنة من 

رجال التعليم بالعكازات و الكراسي المتحركة 

و تضع لهم أسرة طبية داخل القسم مدعمة 

بأدوية و مسكنات ، فهم و لا بد سيكونون في حاجة إليها .


الحقن الناجعة

                

               ⛽  الحقن الناجعة  ⛽


  🌷 توطئة :


ثلاث محطات في حياتي كان لها الأثر البالغ في تقويم بعض الإعوجاج في السلوك الذي بدأت بوادره تظهر علي منذ سن مبكرة .

 محطات ثلاث تربوية كانت كفيلة بأن تعطي مفعولها فهي بمثابة اللقاح الناجع لبعض السلوكات التي كنت أظنها عادية في تلك السن ،  و التي ربما قد تكون مفتاح انحراف لما سيأتي خصوصا إذا تكررت و قوبلت بالتغاضي ، و هو ما كان ربما سيحصل لو لم يتدارك المرحوم الوضع ، و هكذا زودني بتلك الجرعات التي سوت سلوكي و غيرت مسار حياتي بحيث وضعت قاطرتي على السكة الصحيحة ، و وجهت بوصلتي نحو الوجهة المرغوبة .



⛽المحطة الأولى ، الجرعة الأولى :


 سنة 1969 كنت أبلغ من العمر ثمان سنوات ، 

و كنا حينها نسكن في حي مقابل لثكنة عسكرية ،

و كنت ألعب أمام المنزل مع ثلة من أطفال الحي ،

و ما أن تقترب الشمس من المغيب حتى ينطلق الأطفال إلى منازلهم و هم يرددون :

" الصوبا " " الصوبا " 

ثم يعودون فرادى و جماعات و قد حمل كل واحد منهم آنية ، كانت كلها تتشابه تقريبا حجما و شكلا

و نوعا ، هي براميل قصديرية من سعة خمس لترات كانت تعبأ فيها الزيت وقتئذ ، يقطعونها إلى النصف و يضعون لها سلكا أو خيطا بمثابة يد تحمل منها ، و يركضون في حبور نحو الباب الخلفي للثكنة حيث يتم توزيع " الصوبا " من قبل الجنود ، و التي غالبا ما تكون حريرة أو عدس أو فصولياء مع قطعة خبز ( البورانجي ) ، يملأ

كل واحد آنيته و ينطلق نحو بيته مسرورا مزهوا

بغنيمته . 

هكذا كنت أراهم يفعلون عند مغيب شمس كل يوم ، مما أشعل في نفسي نار الغيرة ، و لم لا

أفعل مثلهم ، و لم أكن أضع في حسباني أن ما أريد الإقدام عليه سيجر علي ما سأطلعكم عليه ،

لم أجد صعوبة في الحصول على الإناء ، فقد أخذت إناء من حديد كان أبي يستعمله للوضوء ،

و مضيت أسابق أقراني نحو " الصوبا " .

أخذت نصيبي من الحريرة ( الشعرية ) و قطعة

الخبز ، و أقفلت مسرعا نحو البيت فخورا معتدا ،

الإناء بيميني و الخبز بيساري و كأنني بطل عائد من ساحة الوغى يحمل معه الغنائم ، و لكن حصل ما لم أكن أتوقعه ، إذ وجدت والدي ( رحمة الله عليه ) بباب المنزل و قد عاد من المتجر إذ كانت

عادته أن يغلق المتجر عند آذان المغرب و لا 

يفتحه بعد ذلك .

ما أن رأى ما بيدي حتى سألني عن مصدره بلهجة لا تخلو من الحنق ، أطلعته عما كان من أمري 

و ليتني لم أفعل ، فما كان منه إلا أن نزع الإناء من يدي و صب ما كان فيه على رأسي و هو يقول

 " ماذا ينقصك لتتسول أيها الأبله "، و لم يكتف بذلك بل سحبني إلى إحدى الغرف الصغيرة ، 

و سل حزامه الجلدي الذي كان يتزنر به و انهال علي ضربا مبرحا و هو يردد نفس القول مضيفا :

" أتريد أن تتعلم التسول من صغرك ، كل شيء متوفر لديك ، فلماذا تضع نفسك موضعا أنت في غنى عنه ، ألا تدري أن أباك مرت عليه قديما سنوات الجوع و لم يمد يده لأحد قط "

و غير هذا من التوبيخ و الشتم الممزوج بالضرب ،

بكيت ، توسلت و لكنه لم يتركني حتى علم أنني

لن أفكر حتى مجرد التفكير في الإقدام على هذا

الفعل الدنيء ، و لعلها كانت المحطة الأولى 

لإدراك مفهوم العفة و القناعة و الأنفة و الكبرياء ، التي صارت فيما بعد من المبادئ التي تشبعت بها و لا أتنازل عنها مهما كانت الظروف .



⛽المحطة الثانية ، الجرعة الثانية  :


الموسم الدراسي  1971 /  1972 كنت تلميذا بالمستوى الرابع ابتدائي ، و كانت المنافسة على

أوجها بين ثلة من التلاميذ للحصول على المراتب الأولى ، و كانت فروض الإمتحانات وقتئذ تنجز في دفتر خاص كنا نسميه دفتر الإمتحان ، و آخر

ورقة به مخصصة لبيان النتائج المحصل عليها

في كل مادة ، مع مجموع النقط و المعدل العام ،

و في أسفلها ثلاث خانات خاصة بتوقيع المدير 

و الأستاذ و والي الأمر ، إذ بعد كل دورة من الدورتين السنويتين ، يأخذ كل تلميذ دفتر امتحانه

إلى ولي أمره قصد الاطلاع على النتيجة 

و التوقيع في المكان المخصص لتلك الغاية .

أما عني أنا ، فقد كنت ضمن تلك الكوكبة المتنافسة ، و رغم حدة ذكائي إلا أنني لم أوفق

لأكون ضمن الثلاثة الأوائل بل حصلت في تلك الدورة الأولى على الرتبة الثالثة عشر من مجموع

إثنان و أربعين تلميذا ، و هو الأمر الذي لم أعتد

عليه و لا أهلي .

تسلمت نتيجتي تلك ، المزرية في نظري ، و أنا في

حيرة من أمري ، إذ كيف يكون موقفي عندما يطلع

عليها والدي ، و هو الذي يعقد آمالا على أن تكون 

مشرفة كالعادة ، غادرنا المدرسة و انطلق المتفوقون يركضون بسرعة لنقل أخبارهم السارة ،

بينما انزويت أنا في مكان حيث لا يراني أحد ،

أخرجت الممحاة و حدقت مليا في الرتبة 13، مسحت العدد واحد و تركت العدد ثلاثة ، علني 

أسلم من السخرية و الزجر ، تفحص والدي النتيجة و رغم ضعف بصره فقد لاحظ أثر المسح

و لكنه أسر الأمر في نفسه دون أن يبدي ما

يقلقني ، وضع توقيعه و سلمني الدفتر .

في اليوم الموالي أرجعت الدفتر إلى المعلم بعد أن

أعدت العدد واحد إلى مكانه .

جمع المعلم الدفاتر بعد أن تأكد من إمضاءات أولياء التلاميذ و وضعها في رف معزول في

 الخزانة ، لأنها لن تستعمل إلا إذا حان وقت إمتحان الدورة الثانية . في ذلك اليوم فاجأنا والدي بزيارة للمدرسة يريد أن يستجلي أمر نتيجتي و يتأكد مما لاحظه . أخرج المعلم الدفتر من جديد و فتحه أمام والدي و هو يقول لعل الرتبة الثالثة عشر تعد رتبة مستحسنة بالنظر إلى عدد تلاميذ القسم ، شكره والدي و انصرف و قد علم بأمر التزوير الذي أقدمت عليه .

خرجت من المدرسة و توجهت نحو البيت بخطى سريعة ، لأستطلع خبر ردة فعله أمام  أمي( رحمها الله ) و اخوتي في غيابي ، و كأني أقيس من كلامهم مدى غضبه لأعرف مدى العقاب الذي ينتظرني .

دخل والدي البيت بعد أن أدى صلاة المغرب ، 

و عوض أن يجلس لقراءة الحزب مع الإمام ، قرر

أن ينقش حزبا كاملا على ظهري بحزامه الجلدي ،

فكان كلما هوى علي بجلدة يقول حانقا :

" هذا جزاء من يزور و يغش ، أتحسب أنني لن

أستطيع كشف خداعك و تدليسك ؟ ، ممن تعلمت

هذه الرذائل " ، كان يقول هذا و الحزام يلهب جسدي و لم يتوقف حتى خارت قواه ، خرج 

و أغلق الباب خلفه و تركني ممددا على الأرض 

أقلب أطرافي على الأرضية الاسمنتية لعل برودتها

تخفف بعضا من الألم الحاد .

كانت هذه الجرعة من العقاب بمثابة البلسم الشافي لأعوض الغش و التزوير بالصدق و الأمانة 

و الصراحة ، هذه القيم النبيلة التي تمسكت بها 

و صاحبتني في حلي و ترحالي إلى يومنا هذا .



⛽المحطة الثالثة ، الجرعة الثالثة :


1974 كانت هي السنة التي تلقيت فيها آخر جرعة من والدي . كان الفصل صيفا ، ترتفع فيه

درجة الحرارة حدا يكاد لا يطاق خصوصا بمنطقتنا

و لهذا كان الناس يتجنبون الخروج في أوقات 

ذروتها ، مما يحتم قضاء فترة القيلولة في النوم ،

إلا أنا و ثلة من أقراني الذين كنا نقضيها في

السباحة و لعب الورق ( الكارطا ) ، ولكن حدث

يوما أن صادفت أحد الأقران ، و بينما نحن في

طريقنا إلى الوادي ، مررنا ببعض البساتين القريبة

من الحي ، فاسترعت انتباهنا عناقيد العنب المدلاة

على عروشها ، فأشار علي مرافقي أن نقتحم البستان لسرقة بعض العنب ، فالأزقة خالية من

المارة و البلدة في سكون تام ، و هي فرصة مواتية للإقدام على فعلتنا ، استجبت على الفور

دون أن أقرأ عواقب ما أنا مقدم عليه ، و هكذا 

تسللنا خفية إلى البستان و جنينا ما استطعنا حمله

من العنب ثم خرجنا بنفس الطريقة التي دخلنا بها

بل و أكثر حيطة ، و ظننا أن العملية مرت بسلام

و لكن فاجأنا رجل من القوات المساعدة كان عائدا

من عمله نحو بيته الذي لا يبعد عن البستان إلا ببضعة أمتار ، علم بأمرنا ، و انطلق يجري نحونا

و هو يهدد و يتوعد ، لم يبق أمامنا من حل سوى أننا أطلقنا سيقاننا للريح لا نلوي على شيء .

لم نتوقف حتى كنا على مشارف البلدة ، بعيدين عن الأعين ، فأخذنا نتناول العنب الذي كان في

أغلبه غير ناضج ، و ساد صمت رهيب إذ كان كل

منا يفكر في العواقب التي تنتظره ، سيما و أن الرجل تعرف علينا ، وليس لنا من أمل في النجاة إلا إذا تغاضى هذا الرجل و لم يخبر صاحبة البستان ، و لكن حدث ما كنا نخشاه فقد أخبرها قبل أن يدخل إلى بيته ، مما جعلها هي الأخرى تطرق أبواب منازلنا لترفع شكواها و تظلمها .

عدت إلى البيت عند الغروب ، و أنا أتحسس 

و أترقب ما قد يشعرني أن خبر جريمتي قد وصل

قبل وصولي . قد لا تصدقون أن عقاب هذه المحطة كان أشد ألما من سابقيه ، فقد ترك الحزام الجلدي أثر جروح و خدوش على ظهري و أطرافي

لم تندمل إلا بعد مدة طويلة ، و لكنها رغم ألمها

كانت جرعة ناجعة كرهتني في السرقة و الطمع

في متاع الناس ، و منذ تلك الحادثة ، لم أمد يدي

لآخذ ما ليس لي ، و علمت أن قيمة الإنسان في

القناعة و الرضى .


🌷خاتمة المحطات :


الآن و قد نيفت على الستين من عمري ، تلقيت ثلاث جرعات من اللقاح ضد وباء كورونا ، و لا أعلم شيئا عن مدى نجاعتها ، و لكن الجرعات الثلاث التي تلقيتها في صغري و التي كان طبيبها والدي و حقنتها الحزام الجلدي ، كانت نافعة ،

ليس هناك أدنى شك في نجاعتها ، قضت تماما على فيروس الرذائل ، و أمدتني بحصانة الفضائل .

فعليك رحمة الله يا والدي فقد كنت طبيبا خبيرا محنكا تهاب لقاحك الفيروسات .

و مهما أفعل لن أستطيع أن أرد الجميل لوالداي ، 

و لكن سوف لن أبخل عليهما بالدعاء و أسأل الله جل في علاه أن يجعل دعائي لهما لقاحا ناجعا ينجيهما من عذابه و يبوئهما جنته ، و أحمد الله 

و لا أحصي ثناء عليه .  


       💉   جواز تلقيح  زايد  وهنا 💉



البرور

                     ✏    البرور   ✏


لن أكون مبالغا إذا أجزمت أنه لا يخلو مقال من المقالات التي أنشرها من تعليقات قليلة كانت أو كثيرة ،ولكن الغريب أن أحد القراء كان مداوما على الإدلاء برأيه ، بل يكون من أوائل المعلقين 

و كأني به يتربص وقت النشر ليدلي بدلوه في موضوع المقال ، تعودت على ذلك حتى لم يعد لدي شك أن تعليقه سيكون ضمن  التدوينات المتوصل بها إن لم أقل يتصدرها في غالب الأحيان ، أتنبأ بذلك حتى قبل أن أتفحصها ، و لكن ما استرعى انتباهي أن صاحبنا هذا يدخل العالم الأزرق باسم مستعار مكتوب بالفرنسية ، لا أعرف له معنى ، ربما هو اسم بلدة أو حي أو ما شابه ذلك ، و مما زاد في استغرابي كونه يستهل تعليقاته بهذه العبارة :

 " أستاذي الغالي "

قلت في نفسي هذه العبارة لن تصدر إلا من شخص له سابق معرفة بي ، قد يكون صديقا أو

زميلا في العمل أو تلميذا سبق و أن تتلمذ على يدي ، و لعل هذا ما أجج بداخلي الفضول لمعرفة

الاسم الحقيقي لصاحبنا ، تريثت في البداية عسى

أن أكتشف سر هذا اللغز من خلال تعليقاته ، و لكن

دون جدوى مما جعلني و بكل استحياء أن أطلب

منه إطلاعي على اسمه الحقيقي إن أمكنه ذلك .

سرعان ما استجاب لطلبي ، فكانت المفاجأة كما

تصورتها ، إنها تلميذة درستها اللغة العربية منذ ما يزيد على ستة و ثلاثين سنة ، كان ذلك برسم الموسم الدراسي 1985/ 1986 بالمدرسة المختلطة ببوذنيب ، و هي الآن متزوجة و تقطن بديار المهجر ، تذكرتها جيدا ، و تذكرت والدها رحمة الله عليه الذي كانت تجمعني به علاقة احترام و تقدير متبادلين  .

تنفست الصعداء و قلت " يا الله " ما أسعد قلب الأستاذ ، و ما ألين عاطفته حين تعود به الذاكرة إلى سنوات من الجد مضت ، و أيام من العز قضت ، يوم كانت المدرسة تتربع على عرش العطاء التربوي التعليمي .

 جلست مطرقا أسترجع شريط تلك الأمجاد  ممزوجا بشريط من أيام الشباب ، و لا أخفي أن هذه التلميذة البارة ذكرتني ببعض التفاصيل 

الدقيقة التي ترسخت بمخيلتها و احتفظت بها طيلة هذه المدة ، ذكرتني بحزمي في تقديم دروس اللغة العربية و مدى استفادتها منها ،

و بالأنشطة الهادفة التي كانت الأعياد الوطنية مناسبة لتقديمها و غير ذلك مما وقر في نفسها 

و نسيته أنا .

لا أخفي أن الفرق شاسع بين الأمس و اليوم من

حيث التربية على القيم السامية و من حيث

التحصيل العلمي ، لقد كان الأمس جميلا مشجعا مفيدا بكل المعايير .


             💼   بقلم  الأستاذ  زايد وهنا   💼 

مكافأة قاتل

 🔫 قصيدة : مكافأة قاتل 🔫                                       

  

                    أما يعلم القاضي

     أن القاتل يكرم  رغم سبق الإصرار والترصد

     وأرملة القتيل وصغارها يهانون من غير تردد


                      أما يعلم القاضي

    أن القاتل في السجن مرتاح  مؤمن  بالحراس

    وأرملة القتيل و صغارها بأقدام المارة  تداس


                      أما يعلم القاضي

     أن القاتل في السجن مرفه  ينعم بثلاث وجبات

     وأرملة القتيل وصغارها يستجدون لأجل فتات


                       أما يعلم القاضي

     أن القاتل في السجن مرفه يمارس الألعاب

     وأرملة  القتيل وصغارها  يكابدون الأتعاب


                       أما يعلم القاضي

     أن القاتل في السجن يضطجع مرتاح البال

     وأرملة القتيل وصغارها يفترشون الأسمال


                      أما يعلم القاضي

   أن القاتل في السجن يؤنس الوحدة بالتلفاز

   وأرملة القتيل وصغارها ينظر إليهم باشمئزاز


                       أما يعلم القاضي

   أن القاتل في السجن يستحم و يريح البدن

   و أرملة القتيل و صغارها منهم  يفوح العفن


                       أما يعلم القاضي

    أن القاتل في السجن محاط  برعاية  الطبيب

    و أرملة القتيل وصغارها منهم الخطر قريب


                        أما يعلم القاضي

    أن القاتل في السجن يزار  مدللا  مكرما

    وأرملة القتيل وصغارها يتجرعون ذلا علقما


                       أما يعلم القاضي

   أن القاتل في السجن معزز بكل الحقوق

   و أرملة القتيل وصغارها لهم أتم العقوق

  

                      أما يعلم القاضي

    أن القاتل في السجن بجرمه كوفئ ترفا

    وأرملة القتيل وصغارها أهملوا إجحافا


                      أما يعلم القاضي

    آه لو كان يعدل حقا حبذا  لو كان يعلم

    لأنصف الأرملة وصغارها و أعدم المجرم


                                                

                          💼   زايد وهنا   💼

ذكريات أمس

 


🌻 ذكريات أمس🌻

                                                             

نسائم راجت من ذكريات الأمس       

                       تراقصت  لنفحها  أفنان  قلبي


تناشدني  عهد  المودة  و الأنس  

                      فتناثرت لفقدها  أوراق  شيبي


يعاتبني زمني عن عزة في النفس  

                      حالت عمدا دون إدراك إربي


جراها الكبرياء  من غصة  اليأس  

                    فناحت  لهجره  بلابل  سربي


يطالعني حينا أنضو غبار البؤس  

                   ويصد حينا فانغمس في كربي


ترى هل يلين  بعد التيه و النكس  

                 أجتني منه مسرات تنير دربي


أتبلغ صرختي القلب قبل الهمس   

                  أم ترتد دمعا يجري على هذبي          



               💼  شعر زايد وهنا  💼


أفضع جريمة في تاريخ البشرية

      🌍  أفضع جريمة في تاريخ البشرية  🌍


      قليلون هم الذين يعرفونه ، و هؤلان أنفسهم لا يعرفون عنه إلا اسمه ، و ما عدا ذلك فلا أحد يهتم لأمره ، يعيش وحيدا في بيت صغير من تراب ، لا

يغادره إلا للعمل ، فقد كان حارس أمن في مستودع لإحدى الجماعات الترابية ، يقتعد ببابها كرسيا ، يراقب المارة في صمت ، لا يكلم أحدا و لا يتدخل في شيء من أمور الناس ، إلا ما كان من

أمر عمله كحارس للمستودع ، إذ كان لا يكثر الكلام حتى مع المستخدمين الذين نادرا ما يرتادون المستودع لقضاء مأرب من مآرب الجماعة ، و ما عدا ذلك ، يبقى صاحبنا وحيدا منعزلا ، و قد تستمر وحدته لبعض الأيام خصوصا إذا لم يكن لمستخدمي الجماعة ما يحتاجونه من المستودع .

إذا نظرت إليه لمست مسحة من الحزن و الكآبة تعلو محياه ، و كأنه يحمل في صدره أسرارا حزينة لا يستطيع جسمه النحيل تحمل عبئها ،  يظهر أثرها جليا على قسمات وجهه و في نظراته الذابلة ، التي لا تخفي على الناظر إليها حزنا دفينا .

أليس هو الغريب الذي هجر يوم عيد الأضحى من الجزائر كغيره من المغاربة الذين طردهم النظام

الجزائري لا لذنب اقترفوه و إنما لكونهم يعودون في أصلهم للمغرب .

 ترك المسكين زوجته الجزائرية و أبناءه بعد أن ذبح لهم أضحية العيد التي تركها هي بدورها معلقة ببهو الدار ، لم يتناول منها قطعة لحم و لم يعرف لها طعما ، فقد أخرجوه من داره بمدينة وهران تحت تهديد السلاح و لم يتركوا له فرصة

لحمل ملابسه و لا لتوديع أهله ، و إنما حمل كغيره من المغاربة المطرودين على ظهر شاحنة كما تحمل قطعان الأغنام ، و رمي به و الذين معه على الحدود المغربية الجزائرية ، و طلب منهم الدخول إلى أرض المغرب مع الوعيد لهم بالقتل إن هم فكروا في العودة ثانية إلى أرض الجزائر .

        كانت تلك الذكريات الأليمة كوابيس تؤرق مضجعه ، ففراق الزوجة و الأبناء كان الأسى المرير الذي نال الحظ الأوفر من تفكيره ، فقد انقطعت عنه أخبارهم ، كما انقطع خبره عنهم ، 

و لم تعد في الأعوام الموالية للتهجير أي وسيلة للتواصل معهم ، لذلك اشتاق إليهم اشتياقا لا حدود له ، و لكنه لم يفقد الأمل و لم ييأس إذ كان يمني النفس بجمع الشمل مرة أخرى إذا تراجع النظام الجزائري الجائر عن غيه و اهتدى إلى الصواب ، و لعل ذلك البصيص من الأمل هو ما يبعث فيه القليل من العزم في مواصلة الحياة

رغم قساوتها .

مضت سنوات طوال كان صاحبنا يعدها قرونا ،

و في أحد الأيام سمع أن الجارين اتفقا على فتح

الحدود لكلا الطرفين حتى تتم صلة الرحم بين

الشعبين الشقيقين ، لم تسعه الدنيا فرحا ، و لأول

مرة يظهر انفراج على أسارير وجهه ، و علا محياه

بريق يشع أملا ، قام بكل ما يلزم من إجراءات 

إدارية ، و حصل على الجواز و الترخيص ، و بات

ليلته يجمع ما يحتاجه للسفر السعيد ، عاقدا العزم على الاستيقاظ صباحا ليستقل الحافلة المتوجهة إلى مدينة وجدة و منها يخترق الحدود إلى مدينة وهران الجزائرية حيث الأهل في انتظاره .

أشرقت شمس الصباح و لم يغادر صاحبنا بيته ،

ربما غط في نوم عميق بسبب السهر ليلته تلك ،

و لكن ظل باب بيته موصدا في ذلك اليوم و في

الأيام الموالية ، حتى تقدم أحد الجيران بإخبار

رجال الدرك أنه يشم رائحة كريهة تنبعث من بيت جاره المهجر .

قام رجال الدرك بإخبار وكيل الملك الذي أذن لهم

باقتحام المنزل ، و ما كادوا يفعلون حتى فوجئوا

بوجود جثة قد بدأت تتحلل بفعل الحرارة المفرطة

نقلت الجثة إلى مستودع الأموات بالمستشفى حيث أجري تشريحها الذي أكد من خلاله الطبيب

الشرعي أن صاحبها مات بسبب سكتة قلبية .

مات المسكين قبيل وقت قصير من تحقيق آماله ،  دفنت جثته و دفنت معها الآلام و الآمال ، و لم 

يبق في خاطر من يعرفونه غير تلك الخساسة 

و النذالة و الهمجية التي ستبقى وصمة عار على جبين النظام الجزائري يسجل التاريخ فضاعتها بحبر من دم و يذكر الناس لؤمها جيلا بعد جيل .


      👌   بحبر من الدمع كتبها  زايد وهنا  👌

  

الصبر المذل

               🕭  الصبر المذل  🕭


                 لا أدري سر هذا السكوت المذل و هذا الانبطاح المهين ، أهو الجهل و الخنوع في أبهى صورهما  أو الحمق و السداجة في أعلى مستوياتهما ، أو الخوف و المهانة الغير المبررين أو هي كلها مجتمعة في نفس واحدة ، هذه النفس المحطمة التي تعاني آلام الفقر و الحرمان 

و التهميش و لا فكرت يوما أن تنفض عنها غبار الذل و القمع ، أو استطاعت أن تتحرر من هذه القيود الدامية ،  و تطالب بالحد الأدنى من الحقوق التي تضمن لها العيش الكريم .

و لعل هذا ما شجع مالك زمام أمرها على الاستمرار في تضييق الخناق مطمئنا لا يخشى رقيبا و لا حسيبا ، و أضحى وضع الفئة العريضة المهمشة المسحوقة يسوء سنة بعد أخرى في بلد تزخر أرضه باطنها و ظاهرها و مياهها  بالخيرات  و مع مطلع كل عام تتطلع هذه الفئة إلى انفراج

يخفف عنها وطأة العيش ، فإذا بالخناق يشتد حول رقبتها أكثر من ذي قبل ، إذ يتم الاستحواد على الثروات و تضيع الحقوق كاملة إلا من بعض الفتات الذي يكاد لا يحدث أثرا على أرض الواقع 

و لا يغير من وتيرة اليأس التي غشت عتمتها القلوب إن على مستوى العيش الكريم أو على مستوى القطاعات الاجتماعية من تعليم 

و تطبيب و تشغيل و غيرها ، مما أفقد الناس لذة الإحساس بالمواطنة الحقة ، و بعث اليأس في نفوسهم و كاد يقتل فيهم روح الوطنية الصادقة ، و رغم كل هذه المعاناة مازالت هذه الفئات المقهورة تعلق الأمل لعل غدها يكون أفضل من أمسها ، فإذا بالغد يأتي بما هو أدهى و أمر ، 

و هكذا تتوالى الأيام و الأعوام و لا شيء يتحقق مما تأمله ، بل ما يزيد في طينها بللا أنها تغدو مستمرة في خنوعها ،  مستسلمة لأمرها لا تحرك ساكنا ، حتى أصبحت كمن أزيلت عنه ملابسه قطعة تلوى الأخرى ، و لم يبق عليه غير تبان يستر عورته .

 ترى هل ستنتفض و تثور إذا ما جردت حتى من ذلك التبان الذي يستر عورتها ؟ 

لا أظن أن الغالب على أمرها سيكون بنفس جهلها و بلادتها و يقدم على إزالة ما يستر عورتها ، فربما في اعتقاده قد يجر على نفسه الويلات إن هو فعل ، بل سيكتفي بالحد الذي أوصلها إليه ، فإلى هذا الحد المذل هو مرتاح ، يرغد و يرفه غير مبال بمعاناتها إذ يسره أن يراها في حالتها تلك و هي هائمة على وجهها تتقلب في معترك الحياة 

و تصارع من أجل لقمة عيش بسيطة ، و توفير الحد الأدنى من ضروريات الحياة ، أما الكماليات فذاك مطلب بل حلم بعيد المنال ،  إذن فهذا الصراع من أجل الخبز لم يترك لها فرصة للتفكير فيما عدا ذلك من حقوق المواطنة ، و أنى لها أن تطمح لما سواه و قد خدرها بالجهل و قص أجنحتها بالفقر و أغراها بالوعود الكاذبة و جعلها عرضة للفاقة و الأمراض و الانحراف و هي لفرط سداجتها و ثقتها العمياء بتلك الوعود البراقة الكاذبة  تمني النفس في غد مشرق ، هذا الغد الذي لن تشرق شمسه مادامت على حالها هذا .

 فكيف لمن في مثل وضعها أن يهاب له جانبا ، 

و قد بلغ بها جهلها و خنوعها مبلغا مذلا جعل المستفيد من الوضع يسخر دهاءه في استغفالها 

و استحمارها  و استعبادها بشتى الوسائل التي تجعلها خائفة خانعة ، ليعيش هو قرير العين مطمئن البال ، متقلب في النعماء ، لا يزعجه شيء ، و لا يعكر صفو سعادته الدنيوية أحد .

 

                  💼   بقلم  زايد وهنا   💼

قصيدة جيل اليوم

 قصيدة جيل اليوم :

 قياس قصيدة بوسالف مريم للمرحوم الشاعر

            محمد بن عمر


مايعيش فالدنيا مرتاح غير من كان مجند


بسلاح الخصايل والفضال على الجد مشمر


بسم الله في نظامي نبدا بعون الحي المخلد


والصلاة على خاتم الرسال الحبيب المنور


ما حز في خاطري ودهاه غير هدا الجيل المقلد


اترك السنة و فضح المستور لعرى راه مشهر


لا حقوق يدريها تطبيق لا واجب منفذ


ومايوكد غير في الموضة والسروال مزير


كي تشوفو ماتعرفو جنس بنت هو ولا ولد


وغير اخرج قدامو تنجا توالي راه مخذر


مايصبو راحة فالدار وإلا نصحوه يتمرد


بكلام بذئ  يجاوبهم على باباه يتعنتر


فالقراية ما يحشم وعلى استاذو يتهدد


لاهلو واصحابو فالكلام توجدو غير يخصر


داير الخيوط فوذنيه عند بالو راه يتلذذ


بغنى ساقط قبيح ف نفسو راه معصر


كان سألتيه على الريال يحكيلك ويعاود


لكن فالاخلاق والعلوم هو ديما موخر


يا أولاد بلادي الغيرة باش راني ننتقد


بلا أدب وعلوم نفيسةحياتكم ما تعتبر


راه الوطن على جدكم فالمستقبل يعتمد


ترفعو راية التنمية باش البلاد تزدهر


باش بديت نختم المقام فذكر الله نمجد


والسلام للاحبار جميع بالزبرجد وعنبر


و الناظم سبعة عشرة زيد اربعة سيف مهند


والجاحد بقيود الجهلة عند العقال محقر


الصلاة والسلام على إمام الورى محمد


سيد الخلق جميع  شفيعنا  يوم المحشر



               💼   زجل  من نظم  زايد وهنا 💼

قروي عنيد

                        🔒   قروي عنيد  🔒


          وقف بباب المقهى بقامته الطويلة ، يجول بنظره في أرجائها بحثا عن مكان يجلس فيه ، 

و في لحظة أسرع الخطى صوب الجهة التي أجلس بها ، ظننته قد اختار لنفسه مكانا بها ، 

و لكن سرعان ما دلف نحوي مبتسما و يده ممدودة يريد مصافحتي و هو يقول : 

 " أهلا سي ابراهيم ، مفاجأة سارة أن ألتقيك هنا

بالصدفة ، سبحان الله لم تتغير ملامحك رغم مرور

وقت طويل منذ أن غادرت القرية نحو الخارج ، ألا تذكرني أنا يوسف القادوري صديق والدك ".

استغربت تصرف هذا الرجل الغريب الذي لم يسبق

لي أن رأيته و لا عرفته ، و لا سمعت باسمه سحبت يدي بلطف و قلت له :

" أظنك يا سيدي قد أخطأت العنوان ، فأنا لست

بالشخص الذي تقصد ، و ربما شبهتني بذاك الذي

تعرفه ، و صدق من قال يخلق من الشبه أربعين ".

لم يستسغ قولي إذ كان على اقتناع تام و يقين لا

يشوبه أدنى شك أنني أنا سي ابراهيم ، حينها خاطبني بلهجة تحمل من الزجر و الإيلام ما تحمله

قائلا :

" ألست سي ابراهيم الحنفي ابن با عيسى المؤذن،

و قد كنت قبل ذهابك إلى الخارج تنقل أهل القرية

في سيارتك النفعية إلى أسواق تزنيت و نواحيها ،

فهل نسيت أم تتعمد أن تتنكر لماضيك ".

إلى هذا الحد لم أعد أتحمل هذه الهرطقات التي أنا في غنى عنها ، و لعل استفزازه و غلظته في

التخاطب جعلتني أغير أسلوب الحوار معه عساه

يتركني و شأني ، نظرت إليه نظرة الحانق و قلت :

" أنا لست بإبراهيم و لا أبي بعيسى ، و لست بسائق ، باختصار أنا لا أعرفك و لا أعرف عن قريتك شيئا ، و لا علم لي بكل ما ذكرته ، فدعني

و شأني من فضلك ".

ما أن أنهيت كلامي حتى انتحى جانبا و هو يتمتم

بكلام غير مسموع و لكن نظراته توحي بما يخالج

نفسه .

في تلك اللحظة جاء النادل و خاطبني قائلا :

" ما بك يا سي زايد ؟ أراك منفعلا ، أتريد فنجان

القهوة كالعادة ، عله يهدئ أعصابك ؟ 

وضعت يدي على كتفه شاكرا و قلت له :

" سأغادر المقهى حتى لا أسمع ما يقلق راحتي أكثر مما سمعت ".

و أنا في طريقي نحو الباب استرقت النظر صوب

صاحبنا ، فإذا هو يتتبع خطواتي بنظرات تحمل

الكثير من السخرية و الازدراء لأنه في قرارة

نفسه يعلم علم اليقين أنني أنا سي ابراهيم ، 

الذي تغير سلوكه و أصبح متنكرا لماضيه .

لا أخفي أن ما وقع في المقهى شغلني كثيرا 

و أنا في طريقي إلى البيت ، فقلت في نفسي مبتسما : " سبحان الله في لحظة وجيزة صرت

ابراهيم لا زايد أما أبي رحمه الله الذي مات منذ زمن فقد أصبح اسمه عيسى و هو حي يرزق ،

أما قريتي التي ولدت و ترعرعت فيها بالجنوب الشرقي المغربي هي الأخرى انتقلت إلى ضواحي مدينة تزنيت ، هذه المدينة التي لم أزرها قط في حياتي ، عجيب أمر هذا الرجل الغريب الذي قلب

كل شيء رأسا على عقب ، و لكنه معذور ....


      💼   بقلم سي ابراهيم بل زايد وهنا  💼

 

1995

 من أغرب القصص


                                    1995


        لعلك عزيزي القارئ و أنت تطالع أحداث هذه القصة تلمس فيها استغرابا يجعلك في ريبة من واقعيتها ، و ربما قد لا تصدق ما جاء فيها ، و من حقك ذلك ، فأنا نفسي الذي أنقلها إليك استغربت وقائعها ، و لولا أنني استمعت إليها من شخصين  في زمنين و مكانين مختلفين لظننتها ضربا من الخيال الذي يستحيل أن يحدث في الواقع ، و من باب الصدف أن قصصتها على أحدهم فأثبت لي أنها حدثت فعلا 

و قد سبق له هو أيضا أن سمع أحدهم يحكيها في أحد المجالس ، إلى هذا الحد لم يبق أمامي سوى أن أصدقها ، 

و أنا أؤمن بأنها قد تكون آية من آيات الله سبحانه و تعالى في خلقه ، فهو جل في علاه فعال لما يريد و لا يعجزه شيء في الأرض و لا في السماء .

بعدما عرفت تفاصيل الحكاية ، قررت أن أكتبها بأسلوبي الخاص الذي يجمع بين السرد و الإخبار من غير زيادة أو نقصان في مضمونها اللهم ما كان من محسنات الأسلوب القصصي التي أضفيت عليها ليستمتع القارئ بأحداثها الغريبة ، كما أن أسماء شخصيات الحكاية مستعارة و ليست حقيقية إلا ما جاء منها من باب الصدف .


        ليس من الغريب في شهر يوليوز أن يلجأ سكان مدينة مراكش إلى المناطق الجبلية المجاورة هروبا من الحرارة المفرطة التي لا يطيق أهل المدينة على لفحها صبرا، و لعل أقرب مكان في مقدور أغلب الناس التوجه إليه هو منطقة أوريكا بجبالها الشامخة و أوديتها الدافقة و طبيعتها الخلابة ، فهي الملاذ الذي يقصده الناس و السياح في مثل هذا الوقت الحار للاستمتاع بأجوائها المعتدلة و هوائها النقي المنعش على طول الوادي المتدفقة مياهه ، بعيدا عن صخب المدينة و حرارتها الحارقة ، فالمكان ظليل ، هواؤه منعش و في ذلك ما يزيد الطبيعة رونقا وجمالا . 

و لكن حدث ذات عشية من شهر يوليوز  من سنة 1995 على غير العادة و غير المتوقع أن تلاحقت السحب بالسماء فوق جبال الأطلس القريبة من أوريكا  إلى أن أصبحت دكناء من شدة تكاثفها و دوى رعد ملأ هزيمه الدنيا و رددت أصداءه الجبال ، و في لمح البصر انطلقت العاصفة من عقالها تبرق 

و ترعد و تهاطل مطر غزير جارف لم تشهد المنطقة مثيلا له خصوصا في هذا الوقت من فصل الصيف .

 تجمعت المياه الطوفانية في الوادي و قد غذته المسيلات المنحدرة بقوة جارفة عبر سفوح الجبال ، مما جعله يمتلئ عن آخره ، بل ارتفع منسوبه بشكل مخيف ، زاد من شدة هيجانه ضيق حوضه المحصور بين الجبال ، فانطلق يزمجر جارفا كل ما يعترض طريقه من أشجار و أحجار ،

و المصطافون في غفلة مما يجري ما دام الطقس شبه صحو في أماكن تواجدهم ، و ليس بالمنطقة آنذاك وسائل الإنذار الموجودة حاليا ، كما أن انسياب الماء بتلك السرعة المفرطة لم يترك وقتا لسكان المداشر القريبة من تحذير المصطافين ،

و كيف لهم أن ينبهوا الناس و هم أنفسهم قد بلغ بهم الذعر مبلغه ، مما جعلهم يهرعون إلى الجبال محتمين بأعاليها . 

و ما هي إلا ثوان قليلة حتى فوجئ المصطافون بالمياه تتقاذفهم ، جارفة السيارات و بنايات المقاهي و أثاثها التي على ضفتي الوادي و كأنها دمى تطفو حينا و تغور حينا ، 

و ارتفع الصراخ و العويل ، و الكل يستنجد ، و فقد الاتصال بين أفراد العوائل و صار كل فرد يبحث عن سبيل للنجاة بنفسه ، و قلبه ينفطر خوفا على من كان برفقتهم خصوصا إن كانت له صلة رحم بهم كالوالدين أو الإخوة أو الزوجة 

و الأبناء ، و لكن بطش الطوفان لا يتأثر بمشاعر الناس، و لا تأخذه رأفة أو شفقة ، كأنه وحش ضاري متعطش للفتك ، لا يستثني في ذلك كبيرا أو صغيرا ، و هكذا لم ينج من فكيه إلا قلة قليلة من الذين لم يحن آجالهم بعد ، و الذين شاء القدر أن يتواجدوا في تلك اللحظة  في الأماكن العالية من سفوح الجبال .

من بين هؤلاء مهاجر مغربي اسمه إبراهيم ، كان يلتقط صورا في أعلى الجبل و يستمتع بمناظر الطبيعة ، تاركا زوجته خديجة و ابنته الوحيدة سلمى التي تبلغ من العمر أربع سنوات جالستين على ضفة الوادي ، فما أن رأى الفاجعة حتى انطلق يعدو و يتدحرج عبر سفح الجبل غير مبال بما يلحقه من أذى ، عله يدرك زوجته و ابنته في المكان الذي تركهما جالستين فيه ، و لكن المياه سبقته و غمرت ضفتي الوادي 

و لم يعد يظهر من أماكن جلوس الناس شيئا ، و هرع مذعورا يجري ذهابا و إيابا على سفح الجبل بمحاداة المياه المتلاطمة و ينادي اسم زوجته بأعلى صوته ، و الناجون من حوله في هرج و مرج يبحثون عن ذويهم و هم يصرخون و يولولون ،

و بينما صاحبنا كذلك رأى طفلا صغيرا لم يبلغ بعد سنته الخامسة و قد تمسك بجدع شجرة و هو يصرخ و يستغيث ، فتحركت فيه مشاعر الأبوة و دوافع الإنسانية ، فتقدم نحوه متمهلا ، و بعد لأي انتشله و حضنه إليه و الطفل يرتجف خوفا و بللا ، حمل الطفل بين يديه ثم تابع بحثه و بوادر

اليأس بدأت تكتنفه و لكن الأمل في إيجادهم ظل يساوره ، 

و بينما هو كذلك بدت له من بعيد امرأة بنفس لباس زوجته 

و هي تصرخ صراخا حادا ،توجه نحوها مسرعا فإذا هي زوجته ، ارتمى عليها يعانقها و يهدئ من روعها و بصره يجول فيما حولهما بحثا عن ابنته ، و لكن لا أثر يدل على وجودها ، ترك الطفل الغريب في أحضان زوجته بعد أن صعد بهما إلى مكان آمن ، و انطلق هو من جديد يبحث عن ابنته و الأمل يحدوه في العثور عليها لتكتمل فرحته . 

سار الرجل و مجرى الماء ، ينادي ابنته باسمها ، و لا شيء يرد سوى صدى الجبال و هدير المياه .

عاد إلى زوجته خاوي الوفاض ، لاحظت هذه الأخيرة ملامح اليأس تعلو قسمات وجهه ، فارتمت في أحضانه تبكي بكاء مريرا ينفطر له الشجر و الحجر و هو لا يكف يهدئ من روعها و يبعث الأمل في نفس زوجته و يمني النفس بالعثور على ابنته سلمى .

أمسك بيده اليمنى يد زوجته و باليسرى يد الطفل الغريب 

و هو يأمل أن يصادف من يبحث عن هذا الطفل و لكن لا  أثر  لأحد من أفراد أسرته .

اقترب حلول الليل ، طأطأ رأسه يفكر برهة ، و رأى غير بعيد بعض البيوت في أعلى سفح الجبل فقصدها طالبا من أهلها الإستضافة ، فاستضافوهم و كيف لا و هم أهل كرم في الرخاء فما بالك بهؤلاء الذين ساقهم القدر المحتوم إليهم .

أحسنوا ضيافتهم و قضوا الليل يواسونهم على أمل أن يتابعوا البحث في اليوم الموالي عساهم يعثروا على ابنتهم ، أو يجدوا من يبحث عن الطفل الغريب ، و ما أن لاح ضوء النهار ، و قبل أن ترسل الشمس أول شعاع لها ، عادوا جميعا إلى المكان المنكوب و معهم بعض أفراد الأسرة التي استضافتهم ، و شرعوا في البحث كغيرهم من الذين فقدوا أفراد أسرهم ، انخفض منسوب الماء في الوادي مما مكن الناس و السلطات المحلية و الوقاية المدنية و الاسعاف 

و الدرك من ملاحظة مخلفات الدمار الذي أحدثته عاصفة الأمس ، الجثث في كل مكان على طول مجرى النهر ، هذا غير تلك التي جرفتها المياه إلى أماكن بعيدة ، السيارات محطمة و قد طمرها الوحل و الحجارة ، منظر مخيف تقشعر له الأبدان ، و هو أولا و أخيرا أمر الله و لا راد لقضائه .

وقف الرجل المهاجر و زوجته و قد يئسا من العثور على ابنتهما ، كما يئسا من العثور على أحد أفراد أسرة الطفل الغريب الذي أخبرهما أن اسمه زكرياء ، و أنه كان بالأمس مع والديه و أخته ، و قد رأى المياه تجرفهم بعيدا ، و هذا ما أكد للرجل و زوجته أن أسرته لقت مصرعها غرقا .

الغريب في الأمر أن هذا الطفل الصغير زكرياء قد تشبت بهذا الرجل و زوجته و كأنهما والديه ، و ارتاح لصحبتهما مما خفف عنه وطأة فقدان أهله ، و هو نفس شعورهما أيضا ، لقد عوضا به و بصحبته معهما بعضا من ألم فقدان ابنتهما ، خصوصا 

و أن زكرياء طفل وديع ، تظهر عليه ملامح الذكاء ، و مما زاد في تعلقهما به هو انصياعه لأوامرهما ، و مجاراتهما فيما يقرران .

أخبر الرجل رجال الدرك عن هذا الطفل الذي أصبح بين عشية و ضحاها وحيدا ، فطلب منه رجال الدرك الاحتفاظ بالطفل لبعض الأيام ، حتى تتم الاجراءات القانونية و الانسانية ، من انتشال الجثث و إحصاء الخسائر ، و تهدأ الأمور قليلا .

استلطف الرجل هذا الاقتراح و رجع صحبة زوجته و زكرياء إلى بيته بمراكش في انتظار أن تنتشل الجثث و تودع في مستودع الأموات بمراكش ،حينها يمكنه أن يجد جثة ابنته سلمى و يقوم بدفنها بيديه راضيا بقضاء الله و قدره .

مرت أيام عل الحدث المريع ، و وجدت الزوجة في زكرياء بعض العوض و عاملته كابن لها ، أفرغت عليه من حبها المفقود ، و تعلقت به ، كما تعلق هو بها فأصبح يناديها أمي مما زاد من عطفها و حنانها عليه .

لقد كانت كارثة عظمى و فاجعة محزنة بكل المقاييس ، فهناك أسر فقدت بعض أفرادها ، و أسر لقي كل أفرادها حتفهم ، منهم من انتشلت جثثهم و منهم من طمرته الأوحال ، و منهم من حمله السيل بعيدا و لم يعثر لهم على أثر .

انتشر الخبر في سائر البلاد و عم الحزن و الأسى جميع الناس ، و لم يعد الحديث في مجالس الناس في تلك الأيام إلا عن هذه الفاجعة .

أودعت الجثث المنتشلة في مستودع الأموات بالمدينة الحمراء ، و جاء الناس لاستلام جثامين موتاهم لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة و القيام بمراسيم الدفن ، و هي اللحظة التي كان ينتظرها المهاجر المغربي يحدوه الأمل في إيجاد جثة ابنته و راح يقلب بصره في جثث الأطفال المعروضة في جناح خاص ، و الحزن يعتصر قلبه ، و هو يرى جثث الصبيان الأبرياء ، فأدرفت عيناه دمعا ساخنا  لكن مع الأسف الشديد خاب ظنه إذ لم تكن جثة ابنته بينهم ، انزوى إلى أحد الأركان و أرخى الزمام لدموعه حتى احمرت عيناه من البكاء ،

و إلى جانبه زكرياء الذي اصطحبه معه عساه يصادف أحدا من أهله ، و لكن لا هذا و لا ذاك .

غادر المستشفى و قد أيقن أن ابنته جرفها السيل إلى مكان بعيد لم يصله البحث و لا يمكن أن يصله ، أو ربما طمرتها الأوحال و الصخور عميقا في الأرض ، استسلم للأمر الواقع 

و فوض أمره إلى الله بقلب راض و عرف أن مشيئة الله تنفذ في خلقه و لا معقب لحكمه سبحانه و تعالى .

أخذ بيد الطفل زكرياء ، و توجه لا يلوي على شيء إلى مركز الشرطة ، و قص على الضابط كل الأحداث التي مرت به ، 

و الجهود التي بذلها لإيجاد أهل الطفل الذي أنقذه من موت محقق ، فكر الضابط مليا بعد أن سجل في محضر كل المعلومات التي أدلى بها الرجل ، و استشار رؤساءه في أمر هذه النازلة ، و أوحى للرجل باقتراحين هو مخير في الأخذ  بأحدهما .

أما أولهما فهو إيداع الطفل في ملجأ الأيتام بالمدينة نفسها ، و ثانيهما أن يحتفظ بالطفل و يقوم بالإجراءات القانونية حيث يتقدم إلى المحكمة و يرفع ملتمسا للقاضي يطلب فيه التكفل بالطفل شريطة أن يسلمه لأهله متى ظهر أحدهم .

استحسن المهاجر الاقتراح الثاني ، و اصطحب زكرياء إلى البيت و لم يكثر الحديث معه على طول الطريق إذ كان مشغولا بالتفكير في الطريقة و الأسلوب الذي ينهجه مع زوجته المتلهفة لمعرفة آخر أخبار ابنتها سلمى ، خصوصا 

و أنه لم يجد جثتها في مستودع الأموات .

رن جرس المنزل و فتح الباب على التو ، لأن الزوجة المسكينة كانت جالسة خلفه تنتظر عودة زوجها ، ما أن فتحت الباب حتى رأت الدموع في عين زوجها ، فعلمت أن أملها تلاشى بل انعدم في إيجاد ابنتها الوحيدة حية أو ميتة ، أما الزوج فقد غالبته الدموع في هذا الموقف الرهيب رغم صبره و يقينه ، احتضنت الزوجة زكرياء بقوة وارتمت في أحضان زوجها تبكي بكاء مريرا .

أخبرها زوجها بكل المستجدات بخصوص زكرياء مما خفف عنها وطأة الحزن إذ لم تكن تريد أن تفقده هو أيضا بعدما أحبته و استأنست بعشرته طوال هذه الأيام الكئيبة ، فما كان منها إلا أن ألحت على زوجها التعجيل بالاجراءات القانونية

للتكفل بالطفل ، كانت تقول ذلك و هي تحتضنه و هو ببراءة الأطفال يمسح دموعها بيديه الناعمتين و ينظر إليها نظرة المستعطف الذي وجد في اهتمامها به الحنان الذي عوضه عن فقدان أمه البيولوجية .

الطفل زكرياء ذو الأعوام الخمسة ،  يقول أن اسمه العائلي هو صالح و أن  اسم أبيه أحمد و اسم أمه ربيعة و أخته التي تكبره قليلا اسمها نادية و لا شيء سوى هذه المعلومات القليلة و هذا ما يمكن أن يذكره طفل في مثل سنه ، و لولا نباهته و ذكاءه لأنساه هول الصدمة حتى هذا القليل الذي أدلى به .

شرع الرجل المهاجر في تحضير كل ما طلب منه من لدن المحكمة فيما يخص أمر التكفل بالطفل و سجلت المعلومات المتوفرة لدى الدرك و الشرطة ، في محضر الضابطة القضائية ، و أعيد تسجيل الطفل بنفس الاسم العائلي 

و الشخصي مع اسم أبيه و أمه كما جاء على لسانه ، و تم تسجيل محضر التكفل يضم كل المعلومات الخاصة بالأسرة المتكفلة ، و على ضوء كل هذه المعطيات تم استخراج جواز السفر للطفل حتى تتمكن الأسرة من اصطحابه معها إلى الخارج ، مع الإدلاء بعنوان إقامتها حتى تتمكن السلطات المختصة من الاتصال بها في حالة ظهور مستجد يتعلق بالطفل المتكفل به .

بعدما انتهى المهاجر إبراهيم و زوجته خديجة من كل الاجراءات المتعلقة بالطفل زكرياء ، أقاما وليمة ترحما على ابنتهما المفقودة ، حضرها مجموعة من أهل الذكر و بعض الجيران ، بعدها بأيام قليلة سافرت الأسرة إلى الخارج بمعية

زكرياء طبعا ، الذي وجد في ابراهيم و خديجة حنانا دافقا هو في أمس الحاجة إليه ، و ارتبط بهما ارتباطا غريبا ، لم يأبه معه ذو الخمسة أعوام لفراق أهله و لم يتأثر لفقدانهم ، بل اندمج مع أسرته الجديدة و كأنه تربى في أكنافها .

مرت الأيام و الشهور و السنين ، و لا أحد يسأل عن الطفل زكرياء ، فقد أصبح فردا محبوبا مرغوبا في أسرته هذه ، بحيث أغدقت عليه من حنانها و عطفها ما أنساه ذكريات الماضي المؤلمة ، و لعل تعاملهم له هو ما شجعه إلى جانب ذكائه على متابعة الدراسة بتفوق و تميز قل نظيرهما .

بعد سنتين أنجبت خديجة بنتا جميلة اختارت لها اسم غيثة ، فغمرت الفرحة الأسرة و سادت البهجة المكان ، و كانت فرحة زكرياء و سعادته أكبر من الجميع ،إذ أصبحت له أخت في نظره ، تملأ البيت بهجة و حبورا ، يلاعبها و تؤنسه ، و لم يشعر قط أن المولودة الجديدة أخذت من حبهما و عطفهما عليه شيئا ، بل بالعكس ازدادت و ازداد معها الحب و المنى 

و السعادة .

كانت قد مرت على هذه الأحداث المؤلمة ما يقرب من ستة أعوام ، كانت خلالها الأسرة تزور المغرب في صيف كل عام ، و كان أخوف ما يخيفها أن يظهر من يطالبهم باسترداد زكرياء ، لا لأنهم سيمتنعون من تسليمه إلى أهله ، و لكنهم لن يطيقوا لفراقه صبرا ، كما لن يطيقه هو أيضا ، و قد بلغ به تعلقه بابراهيم و زوجته إلى أن أفصح لهما غير ما مرة أنه لن يفارقهما حتى لو ظهر أبواه البيولوجيان .

مرت الأيام سريعا ، و طوى النسيان تلك الذكريات المؤلمة ، عاش أفراد الأسرة الأربعة حياة مستقرة لا شيء يعكر صفوها ، كل أفرادها منضبطين للقيم  الإسلامية ، لم يتأثروا بحضارة الغرب ، بل ظلوا محافظين على هويتهم المغربية الأصيلة .

كم كانت فرحة الأسرة كبيرة لما حصل زكرياء على شهادة الباكلوريا بتميز مستحق ، فاق فيه أقرانه ، مما جعل ابراهيم و زوجته يتفاخران به و يشجعانه على تحقيق رغبته في الالتحاق  بكلية الحقوق .

بعد خمس سنوات من الدرس و التحصيل تخرج زكياء برتبة محامي و بميزة مشرفة شهد له بها أساتذته ، سرت الأسرة غاية السرور و أقامت له حفلا يليق بمقامه .

فتح له مكتبا بنفس المدينة و آل على نفسه أن يدافع عن  حقوق العمال المهاجرين ، ليرفع عنهم كل أنواع الظلم 

و العنصرية التي قد يتعرضون لها .

و هكذا ذاع صيته ، و أصبح من المحامين المرموقين ، 

خلال عامين جمع له السيد ابراهيم مبلغا كبيرا من المال الذي كان يدخره له ، بعد أن آل على نفسه ألا يأخذ من مال زكرياء شيئا و لو أن زكرياء كان يدفع له على راس كل شهر ما حصل

عليه من أموال ، و لا يحتفظ لنفسه إلا بالقليل ، و رغم ذلك فقد كان ابراهيم قنوعا لا يساوره طمع بل كان يخطط ليؤمن لزكرياء مستقبله .

عند زيارة الأسرة إلى المغرب ، اشترى ابراهيم منزلا بمدينة مراكش و سجله باسم زكرياء ، و جهزه بكل الآثاث الضرورية و غير الضرورية ، ليكون جاهزا لاستقبال عروسة زكرياء مستقبلا ، فعل كل هذا خلال إجازته و دون علم زكرياء ، إذ كان يريد أن يفاجئه في الصيف القادم عند زيارتهم جميعا لأرض الوطن .

عادت الأسرة إلى الخارج ، و استمر ابراهيم في ادخار كل أموال زكرياء ، و لما حان وقت السفر إلى المغرب ، استشار السيد إبراهيم زكرياء في شأن الزواج ، فوجد قبولا لدى الشاب الطموح ، و اتفقا على أن تكون العروس من المغرب ، بنت تقية زكية على جانب من الخلق الفاضل ذات حسن 

و جمال تنحدر من أسرة محافظة ، فأشارت عليهما خديجة زوجة إبراهيم أن هذه الشروط التي يرغبون أن تكون في زوجة  زكرياء لن تتوفر إلا في بنات القرى ، أما المدن في أيامنا هذه فقلما تجد فيها هذا النوع الذي ترغب فيه الأسرة .

و هكذا عقدوا العزم على البحث عن عروس من بنات القرى عند زيارتهم للمغرب .

وصلت العطلة و جاءت الأسرة بكاملها إلى المغرب، و بعد أن استراحوا من عناء السفر ، أخذت الأسرة زكرياء إلى بيته الجديد ، و كانت مفاجأة سارة بالنسبة له ، بحيث لم يصدق ما تراه عيناه ، خصوصا لما علم أن إبراهيم ساهم بقدر إضافي على القدر الذي جمعه من أموال زكرياء ، إلى هذا

الحد لم يستطع زكرياء كبت مشاعره ، فارتمى في أحضان والديه بالتكفل و ذرفت عيناه دموع الشكر و الامتنان ، أن حباه الله بهذه الأسرة الكريمة الفاضلة .

في نفس اليوم ، استضاف إبراهيم أحد أصدقائه الأوفياء لوليمة العشاء ، قصد استشارته في أمر زواج زكرياء ، فلم يزل إبراهيم يعدد مناقب العروسة التي يريدها لابنهما حتى تذكر الضيف يوسف فتاتا سبق و أن رآها في زيارة لأخت له بأحد المداشر المتواجدة بمنطقة الحوز قريبا من أوريكا ، فاستوقف يوسف السيد إبراهيم و لم يتركه يتمادى في الكلام ، فأخبره عن أمر الفتاة التي تسكن بجوار منزل أخته ، و التي يتحدث عنها أهل المدشر بكل خير ، سبق و أن رآها هذا الصديق يوسف في بيت أخته في إحدى المناسبات ، فتاة جميلة محجبة ، عليها سمة الحياء و الوقار لا ترفع بصرها أمام الغرباء .

استحسن إبراهيم رأي صديقه ، و لاحظ علامات الرضى على محيا زكرياء ، فقرر الجميع أن يدلهم يوسف على المدشر و أن ينزلوا ضيوفا عند أخته ليتسنى لهم رؤية فتاة الجيران التي طالما حدثهم عنها .

في صباح اليوم الموالي ،استقلوا سيارتهم و قادوها نحو الوجهة المقصودة يدلهم يوسف على الطريق ، وصلوا عند منتصف النهار ، استقبلتهم أخت يوسف استقبالا حارا ، 

و أنزلتهم في غرفة الضيوف و قدمت لهم الشاي و الحلوى

في انتظار وجبة الغذاء التي غالبا ما تكون طاجين لحم 

و خضر و هي الوجبة الشهية التي لا يخلو بيت منها خصوصا في هذه المنطقة .

افتتح يوسف الحديث مع أخته عن بنت جيرانها و هو يتعمد أن تسمع الأسرة شهادة أخته في هذه الفتاة ، أطلعتهم عن سيرتها مما زاد في شوقهم لرؤيتها ، دبرت المرأة حيلة بحيث طلبت من جارتها أن ترسل إليها بالفتاة لتعينها على خدمة

الضيوف ، و هي عادة مألوفة بين الجيران بحيث يساعد بعضهم بعضا متى طلب منهم ذلك .

و لكن في الحقيقة لم يكن هناك عبء على المرأة في خدمة ضيوفها و لكنها اغتنمتها فرصة ليرى الضيوف الفتاة عن كثب  .

جاءت الفتاة تمشي على حياء ، و توجهت مباشرة إلى المطبخ لتنفيذ أوامر جارتها دون أن تلتفت بنظرها لترى النزلاء بغرفة الضيوف ، تعمدت ربة البيت أن تنادي عليها لتحمل مستلزمات الشاي من أمام الضيوف ، دخلت الفتاة و بادرت الجميع بتحية الإسلام دون أن ترفع بصرها لترى من في الغرفة ، ما أن دخلت البنت حتى أحست خديجة إحساسا غريبا ، جعلها تنجذب نحو الفتاة ، و تطيل النظر إليها ، بل لم تكتف بذلك إذ قامت تتبعها نحو المطبخ لتشبع فضولها مما أحست به .

تناولوا وجبة الغذاء ، و أرسلوا المرأة إلى بيت جارتها تستأذنها في زيارة الضيوف لها ، فوجدت لديها القبول التام 

و كيف تمتنع من الضيافة و هم أهل كرم .

استقبلتهم الجارة و أنزلتهم في غرفة الضيوف على عادة المغاربة في كل المدن و القرى ، و لسانها لا يفتر عن الترحيب ، لأنها تعرف أن ذلك يزيدها قدرا في نظر جارتها ما دامت هي من دلتهم عليها ، و بينما هم جلوس يتجاذبون أطراف الحديث من هنا و هناك ، نادت الجارة زينب على الفتاة لتأتيهم بالشاي و ما يصحبه مما أعدته سابقا ، فما كاد

ابراهيم و زوجته يسمعان اسم الفتاة سلمى حتى علت ملامحهما مسحة امتزجت فيها الدهشة بالفضول و تبادل الزوجان نظرات التعجب و ساد الغرفة صمت رهيب ، الرؤوس مشرئبة و الأعين زائغة تنتظر دخول سلمى ، و ما هي إلا لحظة مرت على الزوجان كأنها ردح من الزمان حتى دخلت سلمى تحمل المطلوب مطأطأة الرأس استحياء من هؤلاء الغرباء ، وضعت ما تحمله أمام الجميع و دلفت عائدة إلى المطبخ ، و لكن حيرة الزوجان لم تبدد بعد ، فطلبت خديجة من الجارة زينب أن تدعو سلمى للجلوس معهم ، فهي ترغب أن تجلسها بجانبها ، فتم لها ذلك .

أخذت خديجة تطيل النظر إلى سلمى و تتفحص ملامحها إذ كانت تشبهها كثيرا و قد لاحظ الحاضرون هذا الشبه بينهما ، مما دفع بخديجة و دون تردد أن تسأل زينب عن ابنتها هذه ، بعد أن أطلعتها على سبب مجيئهم ، و هو أنهم يرغبون في طلب يدها لزكرياء ، هنا بدأت زينب تحدثهم عن القصة الغريبة التي وقعت في زمن ، مضى عليه أكثر من عشرين سنة ، أخبرتهم أن سلمى ليست ابنتها ، قائلة أنا امرأة عاقر ، لم أنجب طيلة حياتي ، و أن لي أختا في أحد المداشر على مشارف أوريكا ، و كانت أختي هذه حين وقوع الفاجعة تبيع خبزا يسمى  " تفرنوت " للمصطافين على ضفاف الوادي ، 

و في ذلك اليوم كان بصحبتها ابنها الصغير الذي كان يلعب مع سلمى ، و لحسن حظها في تلك اللحظة التي هاجمتهم المياه كانت قريبة من الطفلين ، فحملتهما بسرعة خاطفة 

و صعدت بهما الجبل تجري و تصرخ ، و استطاعت أن تنقذهما و نفسها من الطوفان . 

فغر إبراهيم و زوجته خديجة ثغريهما و اتسعت مقل أعينهما و هما يستمعان و يتتبعان الأحداث بانتباه شديد و قلبيهما يخفقان ، و يومئان للجارة لتتابع القصة ، و هنا أخبرتهم أن أختها احتفظت بسلمى الصغيرة في بيتها ظنا منها أن والديها قد ماتا غرقا ، و بعد أيام من الحدث ، سلمتني أختي هذه البنت اليتيمة لأتكفل بها و أعتني بتربيتها و لتؤنس  وحدتي لأنني عاقر كما سبق و قلت لكم ، كانت في الأيام الأولى تشعر بحزن شديد على فقدان والديها و لكن حمدت الله الذي ساقها إلي لأعتني بها و لتملأ علي البيت أنسا خصوصا لما توفي زوجي و تركني و إياها لوحدنا ، و كنت من حين لآخر أسألها عن اسم أبيها و أمها فكانت تقول لي أن اسم أبيها هو إبراهيم و اسم أمها خديجة .

إلى هذا الحد لم يستطع الزوجان صبرا ، فقاما و احتضنا سلمى و هما يقولان بلسان واحد :

" إنها ابنتنا سلمى فأنا أبوها إبراهيم و هذه أمها خديجة ، 

و قد فقدناها في ذلك الطوفان ، و ظننا أن السيل جرفها لأننا لم نعثر لها على أثر آنذاك " .

تأثر كل من في الغرفة لهذا المشهد العجيب ، و طفق  الجميع يبكي ، بينما الجارة أخت يوسف تزغرد من شدة الفرح و قد جمع الله شمل الأسرة .

حاول إبراهيم تعميق البحث حتى يتأكد و يطمئن قلبه ، بينما زوجته خديجة في عناق حار لابنتها سلمى و عاطفة أمومتها لا تحتاج إلى مزيد من الدلائل ، فقد تبين لها بما لا يدع مجالا للشك أن سلمى هذه هي ابنتها إذ حدثها إحساسها بذلك حتى قبل أن تسمع القصة نظرا للشبه الكبير بينهما .

سأل إبراهيم المرأة عن نوع اللباس الذي كانت ترتديه سلمى  يوم تسلمتها من أختها ، فأخبرته فورا أنها كانت تلبس تنورة وردية اللون و جزمتين بيضاويتين و جوارب بيضاء .

التقط إبراهيم  محفظته و أخرج صورة لسلمى كان قد التقطها لها في ذلك اليوم ، فكانت المفاجأة كبيرة ، إذ هي بنفس اللباس الذي وصفته  السيدة زينب ، و التي أكدت لهم بعد تفحصها للصورة أنها هي نفسها .

تدخلت خديجة و أسكتت الجميع معلنة أن لديها دليلا  قاطعا لا مجال للشك بعده ، فهي تعرف أن في كتف ابنتها سلمى علامة وحم ، و لدت بها ، فذهبت بها هي و أمها بالتكفل 

و جارتها إلى غرفة أخرى حيث أزلن اللباس عن كتفها 

و تعجبن إذ رأين العلامة بارزة على كتفها ، فارتفعت أصواتهن

بالتهليل و الزغاريد ، و هكذا شاءت حكمة الله أن تجمع شمل الأسرة بعد هذه المدة الطويلة و بعد أن يئسوا من اللقاء بها .

أما زكرياء فقد كان يتتبع الأحداث باستغراب ، و يعود أحيانا لملاعبة غيثة الصغيرة التي كانت تتعلق به كثيرا ، و لا تفارقه إلا نادرا .

وهكذا تم لم شمل العائلة ، و بقدر سعادتهم الطافحة بإيجاد سلمى حية ترزق ، بقدر تعجبهم من الأقدار التي ساقتهم إلى هذه القرية النائية حيث ابنتهم التي ظنوها فقدت للأبد .

 جلست سلمى بين أبيها و أمها و عيناها محمرتان من شدة البكاء ، و هي تقبل أمها تارة و أباها تارة أخرى ، و ترتمي في أحضانهما و كأنها تسترجع بعضا مما علق بذهنها من ذكريات طفولتها .

طلب إبراهيم من زينب أن تأتيه بذبح أقرن سمين من أحد الجيران مهما كان ثمنه ، فأقاموا ليلتهم في أكل و شرب 

و حمد و تهليل ، و أخذ كل واحد منهم يسرد الأحداث التي مرت به ، إلا ما كان من أمر زكرياء فقد تعمد إبراهيم ألا يذكر شيئا منه لئلا يحرج زكرياء ،و تفاديا لفتح جراح طواها النسيان.

 شكر الحاضرون  زينب على رعايتها و حسن تربيتها لسلمى ، كما أخبرتهم زينب أن سلمى كانت ترفض الزواج من الذين تقدموا لخطبتها و كأنها كانت تعلم أن الله سيجمعها بوالديها ، و ها قد تم ذلك و الحمد لله .

اقترح إبراهيم و زوجته على زينب المرأة التي ربت سلمى أن تذهب معهم إلى مراكش و تعيش في بيتهم هناك ، و وعدها إبراهيم بتخصيص مبلغ مالي يرسله إليها على رأس كل شهر ، و هي مناسبة لتحرس المنزل في غيابهم ، وافقت زينب 

و طلبت مهلة حتى تهيئ أمورها و تحضر نفسها للرحيل .

استحسن الحاضرون الفكرة و دعموا اقتراح إبراهيم ، إذ هي الحل المرضي حتى لا تفترق سلمى عن مربيتها و قد عاشت معها مدة طويلة .

في اليوم الموالي ، استقلت الأسرة بكاملها السيارة عائدة إلى مراكش ، إلا  يوسف الذي تطوع عن طيب خاطر و قرر أن يستقل أي وسيلة نقل أخرى ليعود هو كذلك إلى أسرته في مراكش حتى لا يحدث ازدحاما معهم في السيارة مادامت سلمى قد أخذت مكانه .

قام إبراهيم بكل الاجراءات الإدارية لإعادة تسجيل ابنته التي تم إيجادها بعد أن ظن الجميع أنها فقدت .

انفرد إبراهيم بزكرياء ، و طلب وجهة نظره بصراحة في الزواج من ابنته سلمى ، إذ كان يريد أن يعرف رأيه حتى لا يحشره في أمر لا يرغب فيه  ، خصوصا و هو يعلم أن زكرياء لا يعصي له أمرا .وافق زكرياء على أن يتزوج سلمى ، فهو كذلك قد أعجب بأخلاقها و جمالها ، و هو أولى الشباب بها 

و في نفسه أن يعوضها ما فاتها من حنان و عطف و مودة 

و حب كالذي منحته إياه أسرتها و أكثر .

تم عقد القران و تمت مراسيم الزفاف في جو عائلي تسوده البهجة ، و كانت زينب مربية سلمى أكثرهم حماسا ، لا تفوتها صغيرة و لا كبيرة مما يسعد سلمى و يرفع مقامها إلا و نبهت إليها ، و هو الأمر الذي أسعد الأم الحقيقية لسلمى ، و كيف لا وهي ترى الجميع يهتم بسلمى و يوفر لها كل ما يسعدها 

و ينسيها قساوة الماضي و فراق الأهل .

انقضت الإجازة الصيفية ، و غادرت الأسرة الكبيرة 

و الصغيرة المغرب ، تاركين خلفهم زينب ببيتهم في مراكش ، بعد أن وفروا لها كل ما تحتاجه و بعد أن وعدها إبراهيم بمرافقتهم إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج في العام المقبل .

فرحت زينب غاية الفرح ، و صلت ركعتين حمدا لله و شكرا له سبحانه و تعالى أن جمع هذه الأسرة الكريمة بابنتها ، و أن أخرجها هي كذلك من ضنك العيش في قريتها .


      أعجب بها و نقلها بتصرف  ( زايد وهنا )

ليتها اكتملت

                     👍ليتها اكتملت👍


            كم كانت فرحة المغاربة كبيرة بتأهل المنتخب الوطني إلى كأس العالم الذي ستجرى أطواره في شهر نونبر المقبل ، حيث انتشى الجميع بهذا الانتصار التاريخي ، و لا حديث اليوم في البيوت و المقاهي و المجالس إلا عن هذا الإنجاز العظيم ، و لا غرو في ذلك فكل مغربي غيور إلا و يريد أن يرى علمه يرفرف عاليا في المحافل الدولية ، فذاك من الروح الوطنية التي تسري دماؤها في عروقنا و التي نعتز بهاونفتخر .

و الحقيقة كانت هذه الفرحة ستكون أكبر و أعظم لو رممنا البيت من الداخل ، و سيكون سرورنا

دائما و صادقا لا يشوبه نقصان لو اهتممنا بالكثير من الأولويات و على رأسها العنصر البشري . 


👍 سنكون أكثر ابتهاجا لو أهلنا التعليم و رفعنا من مستواه قبل أن نتأهل الى كأس العالم .


👍 سنكون أشد فرحا لو أهلنا مستشفياتنا 

و جهزناها لتستقطب المرضى قبل أن نتأهل إلى كأس العالم .


👍 كم سيكون انتصارنا باهرا لو انتصرنا على البطالة و أهلنا شبابنا قبل أن نتأهل إلى كأس العالم .


👍 سنكون أكثر سرورا لو أهلنا الصناعة و الفلاحة 

و التجارة و الصيد البحري ، لينعم المواطن بالعيش الرغيد ، قبل أن نتأهل إلى كأس العالم .


👍 آه كم سنكون في قمة السعادة لو أهلنا المارستانات لنجمع فيها المختلين عقليا و نخرجهم

من الشوارع ، قبل أن نتأهل إلى كأس العالم .


👍 سنكون أشد امتنانا لو أهلنا دور الرعاية 

و وضعنا فيها أفواج المتسولين قبل أن نتأهل إلى كأس العالم .


👍 كم سنكون فخورين لو أهلنا العدل ليقتص من

المفسدين قبل أن نتأهل إلى كأس العالم .


👍 سنكون سعداء لو جعلنا كرامة المواطن فوق

كل اعتبار ، و أهلناه ليكون صالحا مصلحا قبل أن

نتأهل إلى كأس العالم .


آه لو أهلنا هذه الأمور و غيرها كثير مما يحرك عجلة التنمية ببلدنا ، و يسعد الناس لكنا سنذهب إلى كأس العالم و نحن في قمة الفخر و غاية السعادة ، و سوف لن نقتصر على كرة القدم بل سنكون مؤهلين كذلك في عالم التكنولوجيا و في العلوم  والطب بشتى صنوفهما و الآداب و الفقه بجميع فروعهما ، فنبتكر و نخترع  و ننتج 

و يحسب لنا ألف حساب بين الأمم في كل التظاهرات سواء الرياضية منها أو غيرها .

و لكن للأسف هي فرحة جزئية و آنية ستنتهي بانتهاء اللعبة ، و تبقى دار لقمان على حالها غارقة في تخلفها و معاناتها تنتظر أربع سنوات لتفرح فرحة عابرة بالتأهل مرة أخرى إن هي تأهلت أصلا .


     ⚽  وجهة نظر شخص محب لكرة القدم  ⚽