🕭 الصبر المذل 🕭
لا أدري سر هذا السكوت المذل و هذا الانبطاح المهين ، أهو الجهل و الخنوع في أبهى صورهما أو الحمق و السداجة في أعلى مستوياتهما ، أو الخوف و المهانة الغير المبررين أو هي كلها مجتمعة في نفس واحدة ، هذه النفس المحطمة التي تعاني آلام الفقر و الحرمان
و التهميش و لا فكرت يوما أن تنفض عنها غبار الذل و القمع ، أو استطاعت أن تتحرر من هذه القيود الدامية ، و تطالب بالحد الأدنى من الحقوق التي تضمن لها العيش الكريم .
و لعل هذا ما شجع مالك زمام أمرها على الاستمرار في تضييق الخناق مطمئنا لا يخشى رقيبا و لا حسيبا ، و أضحى وضع الفئة العريضة المهمشة المسحوقة يسوء سنة بعد أخرى في بلد تزخر أرضه باطنها و ظاهرها و مياهها بالخيرات و مع مطلع كل عام تتطلع هذه الفئة إلى انفراج
يخفف عنها وطأة العيش ، فإذا بالخناق يشتد حول رقبتها أكثر من ذي قبل ، إذ يتم الاستحواد على الثروات و تضيع الحقوق كاملة إلا من بعض الفتات الذي يكاد لا يحدث أثرا على أرض الواقع
و لا يغير من وتيرة اليأس التي غشت عتمتها القلوب إن على مستوى العيش الكريم أو على مستوى القطاعات الاجتماعية من تعليم
و تطبيب و تشغيل و غيرها ، مما أفقد الناس لذة الإحساس بالمواطنة الحقة ، و بعث اليأس في نفوسهم و كاد يقتل فيهم روح الوطنية الصادقة ، و رغم كل هذه المعاناة مازالت هذه الفئات المقهورة تعلق الأمل لعل غدها يكون أفضل من أمسها ، فإذا بالغد يأتي بما هو أدهى و أمر ،
و هكذا تتوالى الأيام و الأعوام و لا شيء يتحقق مما تأمله ، بل ما يزيد في طينها بللا أنها تغدو مستمرة في خنوعها ، مستسلمة لأمرها لا تحرك ساكنا ، حتى أصبحت كمن أزيلت عنه ملابسه قطعة تلوى الأخرى ، و لم يبق عليه غير تبان يستر عورته .
ترى هل ستنتفض و تثور إذا ما جردت حتى من ذلك التبان الذي يستر عورتها ؟
لا أظن أن الغالب على أمرها سيكون بنفس جهلها و بلادتها و يقدم على إزالة ما يستر عورتها ، فربما في اعتقاده قد يجر على نفسه الويلات إن هو فعل ، بل سيكتفي بالحد الذي أوصلها إليه ، فإلى هذا الحد المذل هو مرتاح ، يرغد و يرفه غير مبال بمعاناتها إذ يسره أن يراها في حالتها تلك و هي هائمة على وجهها تتقلب في معترك الحياة
و تصارع من أجل لقمة عيش بسيطة ، و توفير الحد الأدنى من ضروريات الحياة ، أما الكماليات فذاك مطلب بل حلم بعيد المنال ، إذن فهذا الصراع من أجل الخبز لم يترك لها فرصة للتفكير فيما عدا ذلك من حقوق المواطنة ، و أنى لها أن تطمح لما سواه و قد خدرها بالجهل و قص أجنحتها بالفقر و أغراها بالوعود الكاذبة و جعلها عرضة للفاقة و الأمراض و الانحراف و هي لفرط سداجتها و ثقتها العمياء بتلك الوعود البراقة الكاذبة تمني النفس في غد مشرق ، هذا الغد الذي لن تشرق شمسه مادامت على حالها هذا .
فكيف لمن في مثل وضعها أن يهاب له جانبا ،
و قد بلغ بها جهلها و خنوعها مبلغا مذلا جعل المستفيد من الوضع يسخر دهاءه في استغفالها
و استحمارها و استعبادها بشتى الوسائل التي تجعلها خائفة خانعة ، ليعيش هو قرير العين مطمئن البال ، متقلب في النعماء ، لا يزعجه شيء ، و لا يعكر صفو سعادته الدنيوية أحد .
💼 بقلم زايد وهنا 💼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق